يزداد المشهد اليمني إثارة للسخط والغضب واستدعاء للنقمة فما يجري هو حملة قتل منظمة لشعب مسالم أبي وحصار بربري لحرمانه من أبسط سبل العيش والاستمرار بعدما ضربت من الجو معظم مرافق الحياة والإنتاج وتمنع عنه الإغاثة الإنسانية جهاراً وعلى مرأى من العالم بكل تجبر وطغيان .
اولا: لا ينبغي ان تنطلي الحيلة السعودية على احد بعدما كشفته الأيام اللاحقة للإعلان الكاذب عن وقف «عاصفة الحزم» فلم يتغير شيء سوى اختفاء الناطق بلسان الحملة بينما يدور فصل جديد من تصفية حساب الحقد ضد اليمن فالغارات الجوية مستمرة بكثافة والقصف المدفعي الحدودي متقطع والحصار مستمر تحت تغطية قرار مجلس الأمن المشؤوم والمنحاز للمعتدي بينما يصمد الشعب اليمني ومعه قواته المسلحة النظامية والشعبية رغم الظروف الصعبة ومن غير مساعدة جدية ومن دون تحرك تضامني يعتد به على امتداد الوطن العربي بل إن انشطة التضامن الغربية مع اليمن تفوق بعض المظاهر العربية التي اقتصرت حتى الساعة على لبنان وتونس للإنصاف.
يتبدى سياسياً مقدار التخبط السعودي في إدارة الحملة العدوانية على اليمن فمن جهة يعلن عن وقف «عاصفة الحزم» ثم يعلن عن سياق جديد للعمليات باسم مختلف والواضح ان لا تغيير في طبيعة الأهداف المقصوفة وهي غالبا مدنية ولا تغيير في الغاية من الضربات الجوية التي يسعى عبرها المخططون إلى إفساح المجال امام توسع الانتشار الميداني لفصائل القاعدة وبعض الجماعات القبلية التي امدتها المملكة بالمال والسلاح وبات إعلام الحرب السعودية يصفها بانصار هادي وهو الاسم المعروض للتبديل بعد انطلاق التفاوض وقد هيء خليفة هادي البحاح بفرضية رجحان مقبوليته لدى القيادات اليمنية .
ثانيا: تمادى الفشل السعودي وتكشف اكثر فأكثر بعجز الحملة عن تحقيق ما رفعته من أهداف سياسية وميدانية وحيث لا يغدو التصميم على مواصلة الضربات الجوية غير تعبير عن عمل انتقامي غايته اختبار إمكانية خفض السقوف السياسية للتفاوض اليمني عبر الاستنزاف الدموي والاقتصادي ومعنويا عبرمعاقبة شعب على خياراته الحرة بالانتفاض على الهيمنة الإقليمية والتمسك باستقلال بلاده وبحقها في السيادة على مواردها وباختيار نظامها السياسي والدستوري بالاقتراع العام المباشر وفقا لما نصت عليه اتفاقية السلم والشراكة في بنودها التأسيسية وفي إعلانها الدستوري .
كانت المبادرة الخليجية إطاراً لتكريس الهيمنة السعودية القطرية الأميركية على اليمن وقد دفعها السلوك السعودي القطري بواسطة الرئيس الموقت منصور هادي في مسارات تفجيرية عندما سعى إلى تمزيق الوحدة الوطنية اليمنية بخطة الأقاليم الستة وادار الظهر لشعبه في الجنوب واستخدم طرق الإقصاء والتلاعب بنصاب الحوار الوطني لتهميش قوى رئيسية في البلاد بينما تحظى بالرعاية والتغطية فصائل القاعدة وجماعات التكفير المدعومة من المملكة السعودية ودولة قطر وهي ذاتها الجهات التي تستخدم في العدوان على سوريا والعراق وبالدعم نفسه الذي تشترك فيه تركيا جهاراً فحاضنة تنظيم الأخوان المسلمين تمثل البؤرة التي تستنبت التكفير الإرهابي في كل مكان من العالم الإسلامي .
ثالثا: إن طاحونة الدم السعودية في اليمن متواصلة ويتصدى لها اليمنيون بشجاعة وبأس شديدين وهي تفرض عليهم حصاراً بحرياً وجوياً وبينما تتكفل بحصار البر الجغرافيا اليمنية أصلا… وهكذا فلا تموين ولا إغاثة طبية ولا مياه ولا محروقات في بعض مناطق اليمن،وضع لا يشبه غير ما فعلته إسرائيل في قطاع غزة وهو يعكس حالة من اليأس السعودي من إمكانية كسر إرادة الشعب اليمني بحيث يغدو الانتقام سيد الموقف وكأن المسؤولين السعوديين يتصرفون بمنطق شطب اليمن من حساباتهم بعد هذه الحرب لثقتهم بمدى تصميم شعبها على كسر قيود اليهمنة بلا رجعة.
الاستنتاج الذي سجله الخبراء الأميركيون في مواقع مراكز الدراسات والتخطيط هو ان انتشار تنظيمي القاعدة وداعش على الأرض كان النتيجة الأبرز للغارات السعودية الأميركية خلال سبعة وعشرين يوما وهو ما بحثه مدير الاستخبارات الأميركية برينان في زيارته الخاطفة إلى الرياض لكن الذي حدث واقعيا هو انتقال المملكة إلى تقديم دعم ظاهر مالي وعسكري لجماعات قاعدية وداعشية تقود القتال ضد الجيش اليمني واللجان الشعبية في عدد من محافظات الجنوب والوسط. من المعيب ان تخرس لعبة المصالح مع المملكة السعودية دولا وأحزابا وتجمعات عديدة امام جريمة بهذه البشاعة فلشعب اليمن ديون مستحقة في رقاب العرب وهو الذي انتصر لكل قضية عادلة بدءا من التضامن المستمر مع شعب فلسطين إلى رفض العدوان على سوريا والتضامن مع الشعب اللبناني ومع مقاومته للاحتلال الصهيوني.