تفاجأ العالم من حالة اميركا الغنية بكثافة معداتها الرأسمالية (كأحد عوامل الانتاج) يوم اظهرت النتائج التحليلية التي قدمها العالم ليونتيف الى الجمعية الفلسفية الاميركية في العام 1953 تحت عنوان: (الانتاج المحلي والتجارة الخارجية – دراسة في اعادة فحص رأس المال الاميركي). إذ اتضح من خلالها ان الولايات المتحدة وعلى الرغم من انها غنية في رأس المال وتمتلك كثافة عالية من المعدات الرأسمالية مقارنة بعنصرالعمل إلا انها تُصدر سلعاً ذات كثافة عمل عالية نسبياً في انتاجها مقارنة بكثافة رأس المال فيها. وعلى العكس وجد أنها تستورد سلعاً من الخارج يتسم انتاجها بكثافة عالية نسبياً في رأس المال مقارنة بالعمل المبذول فيها.
وبهذا وسمت هذه الظاهرة المتناقضة في وصف العلاقات التجارية للولايات المتحدة مع بلدان العالم (بمفارقة ليونتيف) نسبة الى عالم الاقتصاد الروسي الاميركي الجنسية (ويسلي ليونتيف 1909-1999)، فقد غيرت النتائج التي جاء بها ليونتيف في مفارقته الكثير من المفاهيم السائدة في نظرية التجارة الدولية، ولاسيما النظرية الجوهرية للتوازن العام في التجارة الدولية المسماة بأنموذج هكشر-اوهلن (ذلك نسبة الى العالمين الاقتصاديين اللذين وضعا نظريتهما) والقائلة: تصدر البلدان سلعها المختلفة استنادا الى غزارة او وفرة واحدة من عناصر الانتاج فيها سواء اكان ذلك العنصر الانتاجي المتوافر هو العمل ام رأس المال!.
وبغض النظر عن هذا وذاك، فقد قام ليونتيف بحساب متطلبات العمل ورأس المال بغية انتاج ما يعادل مليون دولار من السلع التي تصدرها اميركا وكذلك من السلع المنافسة التي تستوردها، حيث أظهرت نتائج الاحتساب ان السلع التي تصدرها اميركا تستخدم حوالي 14ألف دولار من رأس المال مقابل عامل واحد يتم استخدامه لسنة كاملة، في حين انها تستورد سلعا تتطلب استخدام اكثر من 18 الف دولار من رأس المال لقاء استخدام عامل واحد لمدة سنة واحدة ايضاً، الا ان الحراك العلمي والتحليلي لم ينتهِ، فالفوارق التكنولوجية امست هي الحدود المحددة للمزايا النسبية في التجارة. وبناء على ذلك اخذت مفارقة ليونتيف في التلاشي طالما بدأ يُنظر الى السلع الاميركية المنتجة بأنها مازالت كثيفة رأس المال من خلال عد العمل الماهر كرأس مال (بشري) بنفسه.
وبهذا غدا رأس المال اوسع نظرةً في احتساب العمل كرأس مال ما رفع الكثافة الرأسمالية في المنتجات الامريكية. ختاماَ ثمة تساؤل:هل ان العراق يحتل اليوم مربعاً مهماً في مفارقة ليونتيف؟. يلحظ ان نسبة 98بالمئة من صادرات العراق هي من النفط الخام الذي يقوم انتاجه على استعمال معدات رأسمالية شديدة التعقيد وان استخدامها لقوة العمل لايتعدى2 بالمئة من اجمالي قوة العمل العراقية وهي في الوقت نفسه اعمال شديدة المهارة، ما يعني ان العراق كبلد نامٍ تقوم صادراته السلعية جلها على مساهمة كثيفة لرأس المال في انتاج تلك السلعة المصدرة في حين تتمتع استيراداته بسلع يشارك العمل في انتاجها بنسب عالية جداً!. انها مفارقة ليونتيف التي تزدهر اليوم في العراق ولكن بشكل منقلب بعد اختفائها من المعادلة الاقتصادية الاميركية!!.
شاهد أيضاً
دراسة ليزر ألعاب الأطفال خطير للغاية
أظهرت دراسة حديثة إلى أن تعرض العين لشعاع من الليزر لجزء من الثانية قد ...