((وشهدتُ رغماً عنّي أفظعَ هزيمةٍ للعقل، وأشرسَ انتصار للوحشيّة في كلّ العصور)).
ستيفان تسفايج/ عالم الأمس
إنّ مجموعة الكتب التي تصف الحياة الأدبية في العراق، تشترك في كونها واصفة للحياة الأدبية الشعرية بوجه غالب على أنها حياة ثقافية أيضا، وذلك من خلال خروجها من المقاهي، والحانات داخل البلد وخارجه، وتذهب قدما في تدعيم طغيان الشائعة التي تُفيد بأنّنا نسير ضمن (ثقافة شعريّة)، غير سهلة الاختراق والمُساءلة بسبب علوّ ومتانة الأسيجة الدوغماتية، وأسلاك البروباغاندا.
كما أنّ كُتّاب تلك الحياة يجمعهم الدافع الذاتي للحفاظ على ذاكرة أو لأجل صنع ذاكرة مُضادّة تشتبك مع السابق واللاحق. وعندما يكون هذا النوع من التاريخ خاضعا لتجربة الكاتب الخاصّة، (لا يعود هناك تاريخ، بل مجرّد سيرة / رالف والدو إمرسون). تعكس تلك الكتب إذن متون الحركة داخل اللّعبة: الشاعر. المقهى.
الحانة. ويصاحب تلك اللعبة الحديث المُحتدم حول الشّعر ومدى إمكانيته على ترجمة الهموم، وبناء نوافذ خَلاصيّة تحمي الإنسان العراقي من هجمات العالم السّفلي: البرابرة. ولكن هل الشعر يحمي؟
إنّ تلك الكتب الخارجة بدوافع ذاتية انطوت على كشف مواقف، وذيوع معارك تكسير عظام تحدّثت معظمها عن سيرة الوسط الثقافي الشّعري ولم ترقَ إلى توفير تاريخ ثقافي بسبب تدخّل الذاتية بنبرتها العالية وانتشار حساسيّتها المُقبلة من تخوت المقاهي، ومساءات الحانات. فكل كتاب من هذه الكتب يجتهد في وضعنا أمام إرغامات امتلاك الحقيقة من خلال الشّبكة المُعقّدة لأحابيل اللّغة وهي تجسّد الطابع الشّفاهي بالتّحديد. وقد تأتّى ذلك بسبب اختلاف توجهات وميول الأفراد الشّعراء السياسيّة، وافتراقهم أيضا في عمليّة فهمهم لفنّ الشّعر التي تستجيب للروافد الثقافية المُغذّية لكل واحد منهم، بلهَ الرّغبة في توسّل الشّهرة وادّعاءات الغناء والطيران خارج الأسراب التي تجري على قدم وساق داخل (تكرار طقسيّ). وأحيانا ستكون الضّغينة بنتاً خرجت من بين دفّتي كتاب، وراية شوهاء تُعلن هزيمة الحدث الشّعري برمّته بعوامل المناخ الخارجي العاصف، والعوامل الداخلية لصانع الشّعر نفسه.
لقد اهتزّت – وأود أن أقول بتجرّع: انتحرت- المُثل الثقافية العراقية التي أسسها (التاريخ) الثقافي وصعدت على حائطه الحزين المُتسلقات السلبية لـ (سيرة) الوسط الثقافي المُرتابة والمريبة. ومن المقهى الأيديولوجي إلى المقهى الطائفي تجتهد آخر رفسة لروح للعقل في خبط الماء لعبور مضاحل الأسباب والنتائج. وبرغم اليأس ثمة أمل. لكن لا تعول روح الشعوب الثقافية على المُزوّقين لأنفسهم بعفطة عنز المجد الشخصي.
عن صحيفة الصباح الجديد