الرئيسية / من / طرائف الحكم / آمال العارفين – في شرح دعاء كميل

آمال العارفين – في شرح دعاء كميل

دلالة المقطع:
1- فعل الإنسان سبب للعذاب:
يدفع الإنسان عن نفسه في هذه الدنيا أيّ ضرر قد يلحق به، ويحذر دائماً؛ فيتجنّب المخاطر، ولكنّه يغفل عن مضارّ الآخرة وعذاباتها، بل إنّه باختياره يقود نفسه إلى النار. ولذا، عبّرت الآية الكريمة عن ذلك: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾17.
فالمعصية ومخالفة أوامر الله؛ جرائم تنتهي بالمرء إلى النار، من حيث إنّ الإنسان يخاف في هذه الدنيا من عقوبات سائر الناس؛ ولا يخاف من عقوبات العزيز الجبّار:
عن الإمام الصادق عليه السلام: “كتب رجل إلى أبي ذر – (رضي الله عنه) – يا أبا ذر! أطرفني بشيء من العلم، فكتب إليه: أنّ العلم كثير، ولكن إن قدرت أن لا تسيء إلى من تحبّه؛ فافعل، قال: فقال له الرجل: وهل رأيت أحداً يسيء إلى من يحبّه؟! فقال له: نعم، نفسك أحبّ الأنفس إليك، فإذا أنت عصيت الله؛ فقد أسأت إليها”18.

2- صفات الخارجين من النار:
ليس أهل النار كلّهم سواء في العذاب؛ فمنهم: المخلَّدون، ومنهم الذين يُكتب لهم الخروج منها، حيث روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “يخرج من النار مَنْ كان في قلبه
________________________________________
16- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”بَرَّ”، ص235-237.
17- يونس: 44.
18- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب محاسبة العمل، ح20، ص458.

مثقال ذرّة من إيمان”19.
فذرّة الإيمان هذه تجعل الإنسان يعيش الأمل بالخروج؛ ولذا يبقى مثل هذا الإنسان يتوسَّل إلى الله عزّ وجلّ؛ لكي يُخرِجَه منها. ويبيّن هذا المقطع من الدعاء بعض صفات هؤلاء الناس:
أ- الاعتقاد بالتوحيد:
إنّ المرء الذي أودت به معاصيه إلى النار يبقى لديه الأمل بأن يشمله العفو الإلهي؛ فهو يدرك سعة الرحمة الإلهية. ولذا، يبدأ بنداء الله، وهذا النداء نداء مفعم بالرحمة؛ سببه ما لديه من إيمان بسعة الرحمة الإلهية.
كما أنّ كونه من الموحِّدين في هذه الدنيا، ولكنّ الشيطان استزلّه بالمعصية؛ فهو ينادي الله باللسان الذي يناديه به أهل التوحيد؛ وهم الذين يعرفون أنّ الأمور كلّها بيد الله؛ فهو ينادي الله فقط لأنّه يعلم أنّ بيده كلّ شيء، ويعرف أيضاً أنّ الربّ المتصرّف في كلّ شيء؛ هو الله وحده. ولذا، يكون توسّله بالربوبيّة الإلهية.

ب- الإيمان بسعة الرحمة الإلهيّة:
إنّ اليأس هو الذي يغلق للإنسان الباب أمام الظفر بما يريد؛ ولذا، فإنّ الأمل ما دام موجوداً؛ فاحتمالات النجاة تبقى قائمة، ومن كان يتنعّم بنعم الله في هذه الدنيا؛ سوف يُدرك أنّ العادة الإلهية هي الرحمة والعطاء لعباده. وهذا ما يفتح له باب الأمل في الآخرة:﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ﴾20.

ج- الإقرار بالعلم الإلهيّ المحيط:
عندما يُدرِك الإنسان سعة العلم الإلهي، يمتنع في هذه الدنيا عن ارتكاب الذنوب؛ لأنّه سوف يشعر بالرقابة الإلهية، كما أنّه في حالات البلاء يلجأ إلى الله؛ لإدراكه أنّ
________________________________________
19- المتّقي الهندي، كنز العمّال، م.س، ج1، ح284، ص72.
20- الحجر: 56.

الله عليم بالبلاء المحيط به؛ وهو وحده القادر على رفعه عنه. وكذلك، حال الإنسان في نار جهنم؛ فإنّه إذا كان مُدرِكاً لسعة العلم الإلهي؛ سوف يرى فيه أملاً بالنجاة، فالله مطَّلع على مَنْ يُعذب من عباده في جهنّم؛ ممَّن يحترق بنارها، ولكنّه لم ييأس، بل هو ينادي ربّه، وكما سمع الله نداءه في الدنيا؛ فإنّ الله يسمع نداءه في الآخرة، وكما استجاب له في الدنيا؛ سوف يستجيب له في الآخرة.
فالإنسان يُدرِك تماماً أنّ هذا العذاب تطهير له من الذنوب؛ لكي تُكتب له النجاة، ولذا يلجأ إلى الله دائماً.
والله عزّ وجلّ عليم بما ينادي به الإنسان، وبالمكان الذي يحلّ فيه، وبضعفه عن تحمُّل العذاب، وبصدقه في الدعاء.

د- التسليم بالربوبيّة:
إنّ أهمّ ما في دعاء الإنسان وقوفه مخاطباً إيّاه خطاباً مباشراً منادياً: “يا ربّاه”؛ وهذه الكلمة فيها استعطاف، ولكي يكون هذا الاستعطاف صادقاً؛ لا بدّ للداعي أن يتوافر على شروط استجابة الدعاء، ونشير هنا إلى بعضها:
معرفة من ندعو: عندما نتّجه إلى الله بالدعاء؛ لا بدّ وأن نستحضر ما نعتقده في الذات الإلهية؛ من أنّها الذات المالكة لنا تماماً، وأنّنا لسنا أمامها سوى عبيد أرقّاء، فينبغي للداعي أن يستشعر المذلّة أمام عظمة الذات الإلهية. وهذا لا يتحقّق إلّا بالمعرفة الصحيحة بعظمة الذات الإلهية.
التوجّه التامّ: ينبغي على الإنسان عندما يلجأ إلى ربّه أن يكون مُخلصاً في ذلك؛ أي أن لا يجعل في قلبه تعلّقاً بقضاء حاجته من قِبَل أيّ أحد سوى الله، فلا يقع في الشرك في الطلب والدعاء؛ وهذا يتحقّق عندما ينتقل الداعي إلى حالات قلبيّة يمتلك فيها حضوراً تامّاً لله عزّ وجلّ.
في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: “إذا اقشعرّ جلدك، ودمعت عيناك، ووجل

قلبك؛ فدونك دونك، فقد قصد قصدك”21.
فتحقّق الحاجة متوقِّف على نفوذ الشعور إلى داخل كيان هذا الإنسان.
نداء المذلّة: نداء “يا ربّاه”؛ نداء يتعلّق فيه الإنسان بصفة الربوبيّة الإلهيّة التي تعني: أنّ الله هو المتصرّف المطلق وحده دون غيره بهذا الإنسان؛ فهو الربّ، ولا ربّ غيره؛ وهذا معنى: أن لا يدعو الإنسان بظهر قلب لاهٍ:
عن الإمام الصادق عليه السلام: ” قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يقبل الله عزّ وجلّ دعاء قلب لاهٍ”22.
ولذا، تكتسب صورة الداعي دوراً أساساً في استجابة الدعاء؛ بأن يقف موقف العبد الذليل، ولا عجب من ذلك؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقف بين يدي الله بهذا الموقف؛ ففي الرواية عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا ابتهل، ودعا كما يستطعم المسكين”23.
حسن الظنّ بالله: من الأمور التي ينبغي على الداعي أن يستحضرها؛ وهو ما ورد في هذا المقطع من الدعاء: “ما ذلك الظنّ بك، ولا المعروف من فضلك”؛ أن يكون حَسَنَ الظنّ بالله، فالإنسان إذا أدرك ما أعطاه الله عزّ وجلّ؛ فسوف يُحسِن ظنّه بأنّ الله سيعطيه حاجته التي يسألها، وعندما يكرّر الداعي في بعض الأدعية أو يتوسّل بالاسم المبارك “يا كريم”، فإنّ عليه أن يلتفت إلى أنّ معنى ذلك الإقرار بما جرت عليه العادة الإلهية من العطاء:
روي عن الإمام الباقر عليه السلام: “وجدنا في كتاب علي عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال – وهو على منبره-: والذي لا إله إلا هو، لا يُحسن ظنّ عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظنّ عبده المؤمن؛ لأنّ الله كريم بيده الخيرات، يستحيي أن يكون
________________________________________
21- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب الأوقات…، ح8، ص478.
22- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب الإقبال على الدعاء، ح2، ص473.
23- الطوسي، الأمالي، م.س، المجلس24، ح16، ص585.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...