مبادئ تحقيق العدالة
بعد جهاد الإمام عليه السلام ومحاربته لكلّ أنواع الظلم والفساد، وقضائه على كلّ أشكال ومظاهر الانحراف من خلال منهجه الإصلاحيّ الرائد، اتبع ذلك بخطوات عملية تمثّلت بتطبيق بعض المبادئ الّتي تكفل تحقيق العدل والمساواة وهي:
________________________________________
22- نهج البلاغة، الكتاب 45.
أوّلاً: في المجال الإداريّ
أ- تبديل الولاة والحكّام:
نشأ الفساد في الأجهزة الإداريّة بسبب فساد معظم الولاة، فقام عليه السلام بعزل الولاة السابقين، وولّى رجالاً من أهل الدين والعِفّة، فولّى على البصرة عثمان بن حنيف، وعلى الشام سهل بن حنيف، وعلى مصر قيس بن سعد.. وفي هذا المجال يقول عليه السلام:
“فليست تصلح الرّعية إلّا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعيّة”23.
وأمّا في شأن هؤلاء الولاة الّذين تحدّثنا عنهم فيقول عليه السلام:
“ولكنّني آسى أنْ يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها، فيتّخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً، فإنّ منهم الّذي قد شرب فيكم الحرام، وجُلِدَ حدّاً في الإسلام، وإنّ منهم من لم يُسلِم حتّى رُضِخَت له على الإسلام الرضائخ”24.
ب – تنظيم جهاز المحاسبة والرقابة:
لم يكتفِ الإمام عليه السلام بعزل الولاة السابقين، بل إنّه عمل على الحفاظ والسهر على شؤون الأمّة من خلال مراقبة الولاة الجدد، وإرسال الكتب إليهم الّتي يذكر لهم فيها مبادئه، ومثالاً على ذلك رسالته إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة.
“أمّا بعد: يا بن حُنيف، فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرةِ قد دعاك
________________________________________
23- نهج البلاغة، الخطبة 216
24- م. ن، الكتاب 62.
إلى مأدبةٍ فأسرعت إليها، تُستطاب لك الألوان، وتُنْقَلُ إليك الجفان، وما ظننت أنّك تُجيبُ إلى طعام قومٍ عائلهم مجفوّ، وغَنيّهم مدعوّ…”25.
وفي كتاب له إلى زياد بن أبيه يقول:
“وإنّي أُقسِمُ بالله قسماً صادقاً، لئن بَلَغَني أنّك خُنت من فيءِ المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً، لأشُدَّنَّ عليك شَدَّةً تَدَعُكَ قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر والسلام”26.
ج – السؤال عن مصدر الثروة:
من جملة الأمور الّتي كان الإمام عليّ عليه السلام يُتابع من خلالها مراقبة الولاة وأعمالهم، هو سؤالهم عن مصادر أموالهم وثرواتهم. ففي كتاب له إلى بعض عمّاله يقول عليه السلام:
“أمّا بعد فقد بلغني عنك أمرٌ إنْ كنت فعلتَهُ، فقد أسخطت ربّك وعصيت إمامك، وأخزيت أمانتك! بلغني أنّك جرّدت الأرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت ما تحت يديك فارفع ليّ حسابك. واعلم أنّ حساب الله أعظم من حساب الناس… كأنّك – لا أبا لغيرك – حدرتَ إلى أهلك تراثك من أبيك وأمّك، فسبحان الله! أما تؤمن بالمعاد، أوَما تخاف نقاش الحساب؟ أيّها المعدود كان عندنا من أولي الألباب، كيف تُسيغ شراباً وطعاماً، وأنت تعلم أنّك تأكل حراماً، وتشرب حراماً، وتبتاع الإماء، وتنكح النساء من أموال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين، الّذين أفاء الله عليهم هذه الأموال، وأحرز بهم هذه البلاد؟…”27.
________________________________________
25- نهج البلاغة، الكتاب 45.
26- م. ن، الكتاب 20.
27- م. ن، الكتاب 41.
ثانياً: في المجال الاقتصاديّ
أ- المساواة في توزيع المال: فقد افتتح عليه السلام عهده بإعلان شعاره: المساواة في العطاء:
“ولا يتخلّفنّ أحدٌ منكم عربيّ ولا عجميّ، كان من أهل العطاء أم لم يكن، إلّا حضر..”28. وفي خطبةٍ له عليه السلام يؤكّد نهجه في مبدأ التسوية في العطاء، يقول عليه السلام:
“فأمّا هذا الفيء فليس لأحدٍ على أحد فيه إثرة، وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبيِّنا بين أظهرنا فمن لم يرضَ به فليتولّ كيف شاء”29.
ب -مصادرة أموال الطبقة الارستقراطيّة التي أخذوها ظلماً: فقد أعلن في بداية عهده حكمه بمصادرة جميع ما أقطعه الخلفاء من القطائع، وما وهبوه من الأموال العظيمة للطبقة الأرستقراطيّة، وفي هذا يقول عليه السلام:
“أيّها الناس إنّي رجل منكم، لي ما لكّم وعليَّ ما عليكم، وإنّي حامِلُكُم على منهج نبيِّكم، ومُنَفِّذٌ فيكم ما أمر به، ألا وإنّ كلّ قطيعةٍ أقطعها عثمان، وكلّ مالٍ أعطاه من مال الله فهو مردودٌ في بيت المالِ، فإنّ الحقّ لا يُبطِلُه شيءٌ، ولو وَجدْتُهُ قد تُزوِّج به النساء، ومُلِكَ به الإماء، وفُرِّق في البلدان لَردَدتُهُ، فإنّ في العدل سعةً، ومن ضاق عليه العدلُ فالجور عليه أضيقٌ”30.
ج – التكافل الاجتماعي ومواساة الآخرين: من الأمور الواضحة في سياسته عليه السلام أنّه لم يكن بعيداً عن تطبيق مبادئه على نفسه، حيث كان عليه السلام
________________________________________
28- شرح النهج، ج 7، ص 37.
29- م. ن، ج 7، ص40.
30- م. ن، ج 1، ص 269, 270.
يعيش كما يعيش أضعف رعيّته فيواسيهم في فقرهم وحرمانهم، ويأبى إلّا أنْ يكون كواحدٍ منهم، انطلاقاً من رفضه لكلِّ أشكال التمايز الطبقيّ. ففي وصيّةٍ له لأحد ولاته يقول عليه السلام:
“إضرب بطرفك حيث شئت من الناس، فهل تُبصر إلّا فقيراً يُكابد فقراً، أو غنيّاً بدّل نعمة الله كفراً، أو بخيلاً اتّخذ البخل بحقّ الله وفراً؟…”31.
خلاصة الدرس
ـ الإسلام دين العدالة إلّا أنّ الخلافة الإسلاميّة بعد الرسول انحرفت عن مبادئ الإسلام وسياسة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
ـ من مظاهر الانحراف في جسم الخلافة:
1 ـ العطاء غير العادل 2 ـ توزيع المال على الأقرباء 3 ـ نشوء أصحاب الأموال 4 ـ وجود ولاة معادين للإسلام.
ـ كانت للانحرافات السالفة أثرها على الشعب حيث نَقِم على الخليفة والولاة، وكان للإمام عليّ عليه السلام دوره في الإصلاح ومواجهة الانحراف.
ـ من إصلاحات الإمام عليّ عليه السلام:
1ـ تبديل الولاة والحكّام 2 ـ تنظيم جهاز المحاسبة والرقابة. 3 ـ السؤال عن مصدر الثروة 4 ـ المساواة في توزيع المال 5 ـ التكافل الاجتماعيّ ومواساة الآخرين.
________________________________________
31- نهج البلاغة، الخطبة 219.
أســــــئـلـــة
1- عدّد بعضاً من عوامل الانحراف في الأمّة الإسلاميّة.
2- اذكر بعضاً من الظواهر الإجتماعيّة المَرَضيّة الّتي عمل الإمام عليه السلام على اقتلاعها.
3- تحدّث بإيجاز عن مبادئ تحقيق العدالة في مرآة أمير المؤمنين عليه السلام.