ولاية مصر
عاد مالك بعد صفّين إلى مهمّته. ولمّا اضطربت مصر على محمّد بن أبي بكر وصعُب عليه أمرها وتمرّد أهلها، انتدب الإمام عليه السلام مالكاً وولّاه عليها11. وكان قد خَبَر كفاءته، ووعيه، وخبرته في العمل، فكتب إلى أهل مصر كتاباً يُعرّفهم به، وكان ذلك في سنة 38 هـ.
منزلته عند الإمام عليّ عليه السلام
تتبيّن هذه المنزلة من الكتاب الّذي بعثه الإمام عليه السلام إلى أهل مصر مع مالك وفيه يقول عليه السلام:
“فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيّام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعة الرَّوع، أشدُّ على الفجّار من حريق النار، وهو مالك…”12.
وكانت تعليماته عليه السلام الحكوميّة – المشهورة بـ”عهد مالك الأشتر” – أعظم وأرفع وثيقة للحكومة وإقامة القسط، وهي خالدة على مرِّ التاريخ.
شهادته
كان معاوية قد عقد الأمل على مصر، وحين شعر بأنّ جميع خططه ستخيب بذهاب مالك إليها، قضى عليه قبل وصوله إليه حيث بعث إلى الجايستار (رجل من أهل الخراج) أنّ الأشتر ولّيَ مصر، فإنْ أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجاً ما بقيت، فاحتَلْ له بما قدرت عليه، فخرج الجايستار حتّى أتى القلزم (مدينة السويس حاليّاً) وأقام بها، وخرج الأشتر من العراق إلى مصر، فلمّا انتهى إلى القلزم استقبله الجايستار، فقال له: هذا منزل وهذا طعام وعلف وأنا رجل من
________________________________________
11- الأمالي، الشيخ المفيد، 49/4.
12- نهج البلاغة، ج 3، ص 63.
أهل الخراج، فنزل به الأشتر، فأتاه الدهقان بعلف وطعام حتّى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سمّاً فسقاه إيّاه، فلمّا شربها مات وهكذا استُشهد ليث الوغى، والناصر الفريد لمولاه، بطريقةٍ غادرة، وعرجت روحه المشرقة الطاهرة إلى الملكوت الأعلى13.
ومن هنا الكلمة المشهورة الّتي قالها معاوية حين بلغه موت الأشتر “لله جنود من عسل”. أمّا أمير المؤمنين عليه السلام فإنّه لمّا بلغه استشهاد مالك حزن عليه حزناً شديداً، حتّى عَدَّ موته من مصائب الدهر، وأبّنه في خطاب قال فيه:
“ألا إنّ مالك بن الحارث قد قضى نحبه، وأوفى بعهده، ولقي ربّه، فرحم الله مالكاً. لو كان جبلاً لكان فِنْداً 14، ولو كان حَجَراً لكان صَلْداً، لله مالك! وما مالك؟ وهل قامت النساء عن مثل مالك؟ وهل موجودٌ كمالِك؟”15.
وطار معاوية فرحاً باستشهاد مالك، ولم يستطع أنْ يُخفي سروره، فقال من فرط فرحه: كان لعليّ بن أبي طالب يدان يُمَنيان، فقُطعت إحداهما يوم صفّين – يعني عمّار بن ياسر – وقُطعت الأخرى اليوم، وهو مالك الأشتر16.