البعد الروحي للاحرام – التتمة
السيد عبد الستار الجابري
– الحلقة الاخيرة
لقد نصت ايات الذكر الحكيم والمتواتر من روايات النبي (صلى الله عليه واله) وسيرة صفوة الصحابة على حب اهل البيت (عليهم السلام) واظهار الولاء لهم وتقديمهم واتباعهم، الا ان انحراف السلطة الذي اتبعه انحراف المجتمع ادى ان يتحول الولاء الى غير اهل البيت (عليهم السلام) فطوردوا وقتلوا وسفتكت دماؤهم وانتهكت حرماتهم، واستشرى هذا المرض الاجتماعي الا ان الباطل لا يدوم ولابد للحق من دولة والله تعالى بالغ امره، فلم يتصرم القرن الثاني الهجري حتى كان الاتجاه الاجتماعي الموالي لاهل البيت (عليهم السلام) اخذ في الظهور والنمو فانكشف الغطاء عن العيون ودون العلماء الذين كانوا يخشون اظهار فضائل اهل البيت (عليهم السلام) خشية من جور السلاطين ما في جعبتهم من الروايات الدالة على فضل اهل البيت ومقامهم السامي عند الله تعالى، وبغض النظر عن طبيعة الاتجاه السياسي او الفقهي للدويلات التي حكمت اصقاع العالم الاسلامي في ايام ضعف خصوم اهل البيت (عليهم السلام) الا ان وجودهم كان له الاثر المهم في رفع الحظر المفروض من قبل السلطات التي كانت تناصب اهل البيت العداء، فكان لقيام مدينة قم الموالية لاهل البيت (عليهم السلام) والتي اسست سنة 82 ه على يد الاشاعرة الكوفيين الذي شاركوا في ثورة قيس بن محمد بن الاشعث ضد الحجاج بن يوسف الثقفي ونزحوا الى قم بعد فشل الثورة وخشيتهم من بطش الحجاج اثره الكبير في نشر فضائل اهل البيت (عليهم السلام) في مدرسة الري ونيشابور، وكذلك كان لقيام امارة بني اسد في الحلة دورها الكبير في نشر فضائل اهل البيت (عليهم السلام)، وامارة بني حمدان في الموصل وحلب، فضلا عن الدولة الفاطمية والدولة الادريسية، فنشط علماء الحديث من كلا الفريقين لرفع الغطاء عن الاحاديث التي كانت تمنع السلطة رواياتها فكتب النسائي وابن المغازلي ومحب الدين الطبري والمتقي الهندي والحاكم النيسابوري وغيرهم من علماء المدرسة السنية كتبهم في فضائل اهل البيت (عليهم السلام) مضافا الى كتب علماء الشيعة الذين تحملوا في سبيل ولائهم لاهل البيت (عليهم السلام) الوان العذاب.
فكان انتشار فضائل اهل البيت صلوات الله عليهم منذ ذلك اليوم مصداقا لقوله تعالى ﴿كتب الله لاغلبن انا ورسلي﴾ فهذه دعوة الله الى مودة اهل البيت ودعوة الرسول (صلى الله عليه واله) الى حب اهل البيت واجلالهم واكبارهم تعود الى واقع مجتمع المسملين بعد تغييب طال عقود من الزمان.
وعن مولانا الصادق (عليه السلام) قال:” اثافي الاسلام ثلاثة الصلاة والزكاة والولاية لا تصح واحدة منهن الا بصاحبتها”
وفي رواية عن مولانا الامام الباقر (عليه السلام) يبين فيها اهمية الولاية لاهل البيت صلوات الله عليهم:” ذروة الامرة وسنامه ومفتاحه وباب الاشياء رضا الرحمن وطاعة الامام بعد معرفته ان الله عز وجل يقول: ﴿ومن يطع الرسول فقد اطاع الله ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا﴾ اما لو ان رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع اعماله بدلالته اليه ما كان له عند الله عز وجل حق في ثوابه ولا كان من اهل الايمان، ثم قال اولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضله ورحمته”
فالناسك عند التلبية بهذا المقطع مع استحضار ما لاهل البيت (عليهم السلام) من مقام عند الله تبارك وتعالى يكون مجيبا لدعوة الله تعالى لما امره به من اداء فرائض الاسلام والاعتقاد باركانه ومقومات الايمان بالله ورسالاته.
ففي هذا المقطع اقرار من العبد بطاعة الله واتباع ارادته في اصطفاء اهل البيت (عليهم السلام) ومنحهم المقام السامي والخصوصية العظيمة، واتباع سبيل الله والطريق الذي رسمه تبارك وتعالى في اجابة دعوته واطاعته وامتثال امره.
الخاتمة
عند الوقوف على مفردات التلبية يجد الناسك فيها عدة امور:
1. ان التلبية اقرار من العبد بالمعاني الواردة فيها عن عقيدة ويقين وليست مجرد ترديد الفاظ ولقلقة لسان.
2. ان مقاطع التلبية تضمنت اقرارا العبد بالوحدانية ونفي الشريك والايمان بان كل ما في الوجود لله تعالى وخاضع لارادته وسلطانه.
3. تضمنت مقاطع التلبية اقرارا تاما بالعبودية المطلقة لله تعالى وان العبد مفتقر الى الله تعالى في كل شيء وان العبودية لله جزء لا يتجزأ عن حقيقة الانسان وليس الامر باختيار العبد او ذوقه ومزاجه.
4. اقرار العبد بان الطريق الى الله تعالى هو الاتباع المطلق والتسليم التام للنبي (صلى الله عليه واله) واهل بيته صلوات الله عليهم فهم عباده المصطفون والذين اختارهم ليكونوا الادلاء عليه والهداة الى سبيله وان في اتباعهم الهدى والرشاد وفي البعد عنهم الغي والضلال.
تم الفراغ من مسودة البحث في جوار مولى الموحدين مولانا امير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله عليه يوم الخميس التاسع عشر من محرم الحرام سنة 1443 ه – الثامن عشر من شهر اب سنة 2022 للميلاد.