الرئيسية / من / طرائف الحكم / وَزِدْنَاهُمْ هُدًى – الأخسرون أعمالاً

وَزِدْنَاهُمْ هُدًى – الأخسرون أعمالاً

نصُّ الموعظة القرآنية:
يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ .

في رحاب الآية الكريمة
إِنَّ من أفضل أساليب تنبيه المخاطب وجذبه هو طرح الاستفهام المباشر عن شيء لا يعرفه، خصوصاً وأنَّ الآية الشريفة صدّرت السؤال بـ ﴿هَلْ نُنَبِّئُكُمْ﴾، حيث إِنَّ النبأ لا يكون إلا للإخبار بما لا يعلمه المخبر، مع كون المخبَر به أمراً عظيماً بليغاً، ويجوز أن يكون المخبَر بما يعلمه وبما لا يعلمه, ولهذا يقال: (تخبرني عن نفسي)، ولا يقال: (تنبئني عن نفسي)، وكذلك تقول: (تخبرني عما عندي)، ولا تقول: (تنبئني عما عندي)، وفي القرآن: ﴿فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ .

هذا، والآمر بالسؤال هو اللهُ تعالى، والمأمورُ هو النبيُّ المصطفى محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم، والمعلومة التي يُراد الإنباء عنها صادرةٌ مِمّن وصف نفسه في كتابه: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ .

و﴿الْأَخْسَرِينَ﴾ الواقعة بعد الاستفهام مباشرةً والمنبأ عنهم، يشوّق السامع لمعرفة الأمر والبحث عنه، خصوصاً وأنّ المنبئ هو الله عزّ وجل، وينبئ عن الأخسرين في الآخرة، فقد يكون الأخسر في الدنيا من الفائزين في الآخرة، وقد يكون العكس، فالله عزّ وجل صرّح بأنَّ ﴿الْأَخْسَرِينَ﴾ هم الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم لا يعلمون بذلك، بل يعلمون العكس، ويحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.

ما هي حقيقةُ الخسارة؟!
ومَنْ هو الخاسِرُ؟! بل مَنْ هو أخسَرُ الناس؟!
وهل هو مَن خسِرَ تجارتَهُ؟! هل هو من خسِرَ مالَهُ؟!
مَن اعتاد على عالم الدُّنيا، ولم ينظر إِلَى ما وراء عالم الماديات قد يظنُّ ولا يُفكِّر إلا بما يرتبط بالخسارة الدنيويّة… لكن هل هذه هي الخسارة الحقيقيَّة التي يتكفّل الجبّار بأنْ يخبرنا عنها؟!

قطعاً الأمر ليس كذلك,وذلك لأنَّ خسائرَ الدنيا تتّصف بأنَّها:
محدودة.
قابلة للتعويض والزوال.

وليتعظ الإنسان بما يراه من تجارب يومية، بل قد يعيش هو نفسه بعض هذه التجارب، فكم من مرّةٍ نخسر ونفقد كلّ ما لدينا، ثم نقوم من جديد.

وعليه، فما كان شأنه محدوداً وقابلاً للتعويض، ليس هو الخسارة الحقيقية.

بل قد تكون نتيجةُ هذه الخسارة الدنيويَّة نعمةً من نِعَمِ الله تعالى على الإنسان، فيما لو تلقّاها بصبر، قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ

وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ ، ومع الصبر على هذه الابتلاءات يأتي وعد الله وبشارته قائلاً: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾، فبشّرهم بالخير الكثير: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

فليست الابتلاءات الدنيوية والخسائر التي تحصل فيها هي المقصودة من الآية الكريمة… فما هي هذه الخسائر المشار إليها إذن؟!!

شاهد أيضاً

وَزِدْنَاهُمْ هُدًى – الرفق في القرآن الكريم

نصُّ الموعظة القرآنية: خاطب الله سبحانه نبيّه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: ﴿فَبِمَا ...