ومن تكاليف العباد في أيام الغيبة انتظار فرج آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في كلّ آنٍ ولحظة ، وترقّب ظهور الدولة القاهرة ، والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمّد عليه السلام ، وامتلاء الأرض بالعدل والقسط، وغلبة الدين القويم على سائر الأديان ، كما أخبر الله تعالى بذلك النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ووعده ، بل أخبر جميع الأنبياء والملل بذلك ، وبشّرهم بمجيء يوم لا يُعبد فيه الاّ الله ، ولا يَبقى شيء من الدين مختفياً خوفاً من الأعداء ، ويذهب فيه البلاء عن المؤمنين ، كما نقرأ في زيارة مهدي آل محمّد عليه السلام :
« السلام على المهدي الذي وعد الله به الأمم أن يجمع به الكلم ، ويلمّ به الشّعث ، ويملأ به الأرض عدلاً وقسطاً ، وينجز به وعد المؤمنين ». (1)
وقد وعدنا بهذا الفرج في سنة السبعين من الهجرة ، كما روى الشيخ الراوندي في الخرائج عن أبي إسحاق السبيعي ، وهو عن عمرو بن الحمق ( وهو من الأربعة الذين كانوا أصحاب سرّ أمير المؤمنين عليه السلام ) انّه قال : دخلت على عليّ عليه السلام حين ضرب الضربة بالكوفة ، فقلت : ليس عليك بأس انّما هو خدش.
قال : لعمري انّي لمفارقكم ، ثم قال لي : إلى السبعين بلاء ـ قالها ثلاثاً ـ ، قلت : فهل بعد البلاء رخاء ؟ فلم يجبني وأغمي عليه ، فبكت أم كلثوم ، فلمّا أفاق قال : لا تؤذيني يا أمّ كلثوم ، فانّك لو ترين ما أرى لم تبكِ ، انّ الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيين يقولون لي : انطلق يا عليّ فما أمامك خير لك مما أنت فيه.
فقلت : يا أمير المؤمنين انّك قلت : إلى السبعين بلاء ، فهل بعد السبعين رخاء ؟ قال : نعم وانّ بعد البلاء رخاء:
(يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (2). (3)
وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ، والكليني في الكافي عن أبي حمزة الثمالي انّه قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : انّ عليّاً عليه السلام كان يقول : إلى السبعين بلاء ، وكان يقول بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء ؟
فقال أبو جعفر عليه السلام : يا ثابت انّ الله تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلمّا قتل الحسين عليه السلام اشتدّ غضب الله على أهل الأرض ، فأخّره إلى أربعين ومائة سنة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث ، وكشفتم قناع السر ، فأخّره الله ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتاً و : ( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ).
قال أبو حمزة : وقلت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال : قد كان ذاك. (4)
وروى الشيخ النعماني في كتاب الغيبة عن علاء بن سيابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام انّه قال : من مات منكم على هذا الأمر منتظراً كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائم عليه السلام. (5)
وروي أيضاً عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام انّه قال ذات يوم : ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملاً الاّ به ؟ فقلت: بلى ، فقال شهادة أن لا اله الاّ الله ، وانّ محمّداً عبده ( ورسوله )، والإقرار بما أمر الله ، والولاية لنا ، والبراءة من أعدائنا ـ يعني الأئمّة خاصة ـ والتسليم لهم ، والورع والاجتهاد والطمأنينة ، والانتظار للقائم عليه السلام.
ثم قال : إنّ لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء ، ثم قال : من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر ، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فان مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة. (6)
وروى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن أبي عبد الله عليه السلام انّه قال : انّ فيهم (7) الورع والعفّة والصلاح … وانتظار الفرج بالصبر … (8)
وروي أيضاً عن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام انّه قال : انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عز وجل. (9)
وروي أيضاً عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال : المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله. (10)
وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج انّه ورد توقيع من صاحب الأمر عليه السلام على يد محمّد بن عثمان وفي آخره : … وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فانّ ذلك فرجكم … (11)
وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن المفضل انّه قال : ذكرنا القائم عليه السلام ومن مات من أصحابنا ينتظره ، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام : إذا قام أتى المؤمن في قبره ، فيقال له : يا هذا انّه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق ، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم. (12)
وروى الشيخ البرقي في المحاسن عنه عليه السلام انّه قال لأحد أصحابه : من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم عليه السلام في فسطاطه. (13)
وفي رواية أخرى : كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، (14) وفي رواية أخرى : كان كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (15)
وروي أيضاً عن محمّد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن شيء من الفرج ، فقال : أليس انتظار الفرج من الفرج ؟ انّ الله عز وجل يقول : ( فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ). (16)
وروى أيضاً عنه عليه السلام انّه قال : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج ، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ : ( وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ) ، ( فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) فعليكم بالصبر فانّه انّما يجيء الفرج على اليأس ، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم. (17)
الهوامش
(1) بحار الأنوار 102 : 101 ، عن مصباح الزائر : 228.
(2) الرعد : 39.
(3) الخرائج 1 : 178 / ح 11 ؛ والبحار 4 : 119 / ح 60.
(4) الغيبة 263 ، ومثله في الكافي 1 : 300 / باب كراهية التوقيت.
(5) الغيبة للنعماني : 200 ؛ وأيضاً كمال الدين : 644.
(6) الغيبة للنعماني : 200 / ح 16 / باب 11 ؛ البحار 52 : 140 / ح 50.
(7) هكذا في المصدر لكن في المتن الفارسي : ( انّ من دين الأئمة ).
(8) كمال الدين 2 : 337 / ضمن حديث 9 / باب 33 ؛ البحار 52 : 122 / ح 1.
(9) كمال الدين 2 : 644 / ح 3 / باب ثواب انتظار الفرج ؛ البحار 52 : 122 / ح 2.
(10) كمال الدين 2 : 645 / ح 6 / باب ثواب انتظار الفرج ؛ البحار 52 : 123 / ح 7.
(11) الاحتجاج 2 : 284 / في ذكر التوقيعات ؛ البحار 52 : 92 / ح 7.
(12) الغيبة : 276 / باب علائم ظهور الحجة ؛ البحار 53 : 91 / ح 98.
(13) المحاسن : 174 / ح 151 / باب 38 ، عنه البحار 52 : 126 / ح 18.
(14) المحاسن : 173 / ح 146 / باب 38 ، عنه البحار 52 : 125 / ح 14.
(15) المحاسن : 172 / ح 144 / باب 38 ، عنه البحار 52 : 126 / ح 18.
(16) البحار 52 : 128 / ح 22 ، عن كمال الدين 2 : 645 / ح 4 ، ومثله في تفسير العياشي 2 : 138 / ح 50.
(17) كمال الدين 2 : 645 / ح 5 / باب 55 ؛ البحار 52 : 129 / ح 23.
مقتبس من كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر عليه السلام من كتاب منتهى الآمال