فروى الخصال عن الصادق عليه السلام قال : تزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس عشرة امرأة ، ودخل بثلاث عشرة منهنّ ، وقبض عن تسع. فأمّا اللتان لم يدخل بهما : فعمرة والسنا. وأمّا الثلاث عشرة اللاتي دخل بهنّ : فأوّلهن خديجة بنت خويلد ، ثمّ سودة بنت زمعة ، ثمّ أمّ سلمة واسمها هند بنت أبي اميّة ، ثمّ أمّ عبد الله عائشة بنت أبي بكر ، ثمّ حفصة بنت عمر ، ثمّ زينب بنت خزيمة بن الحارث أمّ المساكين ، ثمّ زينب بنت جحش ، ثمّ أمّ حبيبة رملة بنت أبي سفيان ، ثمّ ميمونة بنت الحارث ، ثمّ زينب بنت عميس ، ثمّ جويرية بنت الحارث ، ثمّ صفيّة بنت حيّ بن أخطب. والّتي وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خولة بنت حكيم السلمي وكان له سريّتان يقسم لهما مع أزواجه : مارية وريحانة الخندفية. والتسع اللاتي قبض عنهنّ : عائشة ، وحفصة ، وأمّ سلمة ، وزينب بنت جحش ، وميمونة بنت الحارث ، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، وصفية بنت حيّ بن أخطب ، وجويريّة بنت الحارث ، وسودة بنت زمعة. وأفضلهنّ خديجة بنت خويلد ، ثمّ أمّ سلمة ، ثمّ ميمونة بنت الحارث (١).
قلت : وروى الكليني سبب عدم دخوله بالاثنين منهنّ عن الحسن البصري : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوّج امرأة من بني عامر ابن صعصعة يقال لها سناة وكانت من أجمل أهل زمانها ، فلمّا نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا : لتغلبنا هذه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجمالها ، فقالتا لها : لا يرى منك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرصا ، فلمّا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تناولها بيده ، فقالت : أعوذ بالله منك ! فانقبضت يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها فطلّقها وألحقها بأهلها (2).
وتزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من كندة بنت أبي الجون ، فلمّا مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن مارية القبطيّة قالت : لو كان نبيّا ما مات ابنه ، فألحقها بأهلها قبل أن يدخل بها. ونقل تزويج أبي بكر لهما برجلين ، فجذم أحدهما وجنّ الآخر (3).
هذا ، وروى عن أبي بصير وغيره تسمية نسائه صلى الله عليه وآله وسلم ( إلى أن قال ) وزينب بنت أبي الجون الّتي خدعت والكنديّة (4).
وخبر الحسن البصري جعل المخدوعة « سناة العامريّة » وهذا جعلها « زينب » وذاك جعل الكنديّة « بنت أبي الجون » وهذا جعل المخدوعة « بنت أبي الجون ».
وكيف كان ، فزينب بنت عمير الواردة في خبر الخصال لم أقف على ذكرها في أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم في موضع حتّى في الإعلام الّذي عدّهنّ إحدى وعشرين ، ومنهنّ « عالية بنت ظبيان » و « فتيلة اخت الأشعث » و « فاطمة بنت الضحّاك » المختارة للدنيا حين خيّرهنّ ، فكانت تلقط البعر بعد ذلك وتقول : أنا الشقيّة و « شنبا بنت الصلت » و « أسماء بنت النعمان » و « مليكة الليثيّة » و « عمرة بنت يزيد » و « عمرة » اخرى غير مدخول بهنّ (5).
وإنّما قال ابن قتيبة : إنّ « زينب بنت عميس » كانت تحت حمزة (6). ونقل ابن قتيبة عن أبي اليقظان علّة طلاق عمرة قبل الدخول : أنّ أباها قال له صلى الله عليه وآله وسلم أنّها لم تمرض قطّ ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم ما لهذه عند الله من خير. ونقل عنه أنّه خطب امرأة من بني مرّة بن عوف إلى أبيها ، فقال : إنّ بها برص وهو كاذب ، فرجع فوجدها برصاء (7).
وقال ابن عبد ربّه : أنّ سودة كانت تحت سكران بن عمرو ، وحفصة تحت خنيس السهمي رسول النبيّ إلى كسرى ، وزينب بنت خزيمة تحت عبيدة بن الحارث بن المطّلب أوّل قتيل ببدر ، وأمّ حبيبة تحت عبيد الله بن جحش الّذي تنصّر في الحبشة ، وميمونة تحت أبي سبرة بن أبي رهم العامري. وذكروا أنّ ميمونة كان تزويجها وزفافها وموتها وقبرها بسرف على عشرة أميال من مكّة (8) هذا.
هذا ، وفي أنساب البلاذري : كان اسم جويرية « برّة » فسمّاها جويرية ، لأنّه كره أن يقال : « خرج من عند برّة أو خرجت برّة من عنده (9).
قلت : وعلى فرض صحّة نقله ، وجهه : أنّ « برّة » اسم للمبرّة.
وعنون اسد الغابة « سمعان بن خالد الكلابي » من بني قريظة عن ابن مندة وأبي نعيم ، وقال بتزويج النبيّ صلى الله عليه وآله اخت سمعان (10).
قلت : فلا بدّ أنّها الكلابيّة المتقدّمة.
فصل : كما من خيارهنّ : خديجة ، ثمّ أمّ سلمة ، ثمّ ميمونة كما تقدّم في خبر الخصال.
كذلك من شرارهنّ : عائشة ، ثمّ حفصة ، ثمّ أمّ حبيبة. ويكفي في ذمّ الاوليين قوله تعالى مشيرا إليهما بشهادة عمر ـ كما رواه الثعلبي والزمخشري (11) ـ : ( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) (12) وجعل تعالى عقوبة تظاهرهما عليه صلى الله عليه وآله وسلم تهاجرهما في الدنيا ، قال ابن قتيبة في معارفه : كانت عائشة متهاجرة بحفصة حتّى ماتتا (12). كما أنّ ابن عوف لما صنع إلى ابن عفّان وتظاهرا على وليّه عاقبهما الله أيضا بذلك ، صرّح أيضا بتهاجرهما إلى الموت ابن قتيبة (13). وكان عليه السلام قد دعا عليهما بذلك ، فقال : دقّ الله بينكما عطر منشم (14).
وكذلك قوله تعالى ضاربا لهما مثلا ـ بشهادة عثمان وتقرير عائشة نفسها ـ : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (15).
روى محمّد بن [ محمّد بن ] النعمان في جمله عن الليث بن أبي سليمان ، عن ثابت الأنصاري ، عن ابن أبي عامر : أنّ عائشة قالت لعثمان : لو لا الصلوات الخمس لمشى إليك الرجال حتّى يذبحوك ذبح الشاة ! فقال عثمان : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ … ) إلى آخر الآية (16).
ولمّا نزل أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار في توجّهه إلى البصرة ، كتبت عائشة إلى حفصة : أمّا بعد ، فإنّا نزلنا البصرة ونزل عليّ بذي قار ، والله داقّ عنقه كدقّ البيضة على الصفا ، إنّه بمنزلة الأشقر إن تقدّم نحر وإن تأخّر عقر. فاستبشرت حفصة بالكتاب ودعت صبيان بني تيم وبني عديّ وأعطت جواريها دفوفا وأمرتهنّ أن يضربن بالدفوف ويقلن : « الخبر ما الخبر ! عليّ بذي قار كالأشقر ، إن تقدّم نحر وإن تأخّر عقر » فذهبت إليها أمّ كلثوم وقالت لها إن تظاهرت أنت واختك على أمير المؤمنين عليه السلام فقد تظاهرتما على أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله فيكما ما أنزل … الخ (17).
وقال أبو الفرج في مقاتله : قال يحيى بن الحسن : وسمعت عليّ بن طاهر بن زيد يقول : لمّا أرادوا دفن الحسن عليه السلام ركبت عائشة بغلا واستعونت بني اميّة ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل :
فيوما على بغل * ويوما على جمل
… إلخ (18).
وكذلك الأخيرة كانت على دين أخيها معاوية ، قال المسعودي في المروج بعثت أمّ حبيبة بنت أبي سفيان إلى أخيها معاوية بقميص عثمان مخضّبا بدمائه مع النعمان بن بشير (19).
ثمّ من خيارهنّ صفيّة :
قال البلاذري : لمّا قدم النبيّ صلى الله عليه وآله المدينة من خيبر أنزل صفيّة بيتا من بيوت الأنصار ، فجاء نساء الأنصار ينظرن إليها ، وانتقب عائشة وجاءت فنظرت ، فعرفها النبيّ صلى الله عليه وآله فلمّا خرجت أتبعها النبيّ صلى الله عليه وآله فقال : كيف رأيتها يا عائشة ؟ قالت : رأيتها يهوديّة بنت يهوديّين ، فقال لها النبيّ صلى الله عليه وآله : لا تقولين هذا ، فإنّه قد حسن إسلامها (20).
وقال البلاذري أيضا في أنساب أشرافه : إنّه جرى بين صفيّة وعائشة ذات يوم كلام ، فعيّرتها باليهوديّة وفخرت عليها ، فشكت ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال لها : ألا قلت : أبي هارون وعمّي موسى عليهم السلام وزوجي محمّد صلى الله عليه وآله فهل فيكنّ مثلي ؟ (21).
هذا وروى البلاذري أيضا عن مصعب بن سعد : أنّ عمر فرض لأزواج النبيّ صلى الله عليه وآله عشرة آلاف عشرة آلاف ، وفضّل عائشة بألفين لحبّ النبيّ صلى الله عليه وآله إيّاها. وفرض لجويرية وصفيّة ستّة آلاف ستّة آلاف (22).
قلت : بل فضّل عائشة لكونها مؤثّرة في سلطنته كسلطنة أبيها. ثمّ لم نقص أربعة آلاف جويرية ، وصفيّة ؟ مع أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يقسّم لهما كما يقسّم لنسائه ، كما رواه عن الزهري (23).
الهوامش
(1) الخصال : ٤١٩.
(2) الكافي ٥ : ٤٢١.
(3) المصدر السابق.
(4) الكافي ٥ : ٣٩٠.
(5) إعلام الورى : ١٥٠.
(6) المعارف : ٧٥.
(7) المعارف : ٨٣.
(8) انظر العقد الفريد ٢ : ٣٦ ، ٥٤ و ٦٢ و ٧٢ و ٨٠ و ٨٢.
(9) أنساب الأشراف ٢ : ٧٧.
(10) اسد الغابة ٢ : ٣٥٦.
(11) الكشف والبيان ٩ : ٣٤٩ ، الكشّاف ٤ : ٥٦٦.
(12) التحريم : ٤.
(13) المعارف : ٣٠٦.
(14) المصدر السابق.
(15) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ١٩٦ ، لكن لا يوجد هنا دعاؤه عليهالسلام عليهما باللفظ المذكور.
(16) التحريم : ١٠.
(17) الجمل ( مصنّفات الشيخ المفيد ) ١ : ١٤٨.
(18) الجمل ( مصنّفات الشيخ المفيد ) ١ : ٢٧٦.
(19) مقاتل الطالبيّين : ٤٩.
(20) مروج الذهب ٢ : ٣٥٣.
(21) أنساب الأشراف ٢ : ٧٩.
(22) أنساب الأشراف ٢ : ٧٩.
(23) أنساب الأشراف ٢ : ٨٠.
(24) الطبقات الكبرى ٨ : ١١٨.
مقتبس من كتاب رسالة في تواريخ النبيّ والآل عليهم السلام ـ الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي