في يوم السادس من حزيران الحالي وجه الشعب التركي، عبر صناديق الاقتراع، صفعة قوية انهالت على وجه طيب رجب اردوغان، فطارت من رأس الرجل، احلامه بتعديل الدستور و تغيير النظام السياسي في البلاد من برلماني الى رئاسي، وتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، من اجل تمهيد الارضية لبعث العثمانية الجديدة، التي لم تكن بحاجة الا للاعلان عن اسم السلطان الجديد، بعد ان بنى اردوغان قصره الباذخ على الطراز العثماني المؤلف من اكثر من الف ومائة غرفة.
نتائج الانتخابات التشريعية، التي لم يحصل فيها حزب اردوغان لا على الثلثين ولا على نصف زائد واحد ، بل تدنت هذه النسبة الى اقل من 41 بالمائة من الاصوات، هذه النتيجة افقدت حزب العدالة والتنمية القدرة على تشكيل حكومة من لون واحد، كما جرت العادة في تركيا منذ 13 عاما. وبهذا يكون الشعب التركي وقف بالمرصاد لطموحات اردوغان العثمانية، وقبرها الى الابد.
اكثر من ثلاثة ملايين صوت فقدها حزب اردوغان، لصالح احزاب المعارضة، حيث توزعت على حزب “الحركة القومية” بزعامة دولت بهتشلي، الذي حصل على اكثر من 16 بالمائة من الاصوات ، وحزب “الشعوب الديموقراطية” الموالي للاكراد بزعامة صلاح الدين ديمرتاش، الذي حصل على اكثر من 13 بالمائة من الاصوات ، و “حزب الشعب الجمهوري” بزعامة كمال كيليتشدار أوغلو ، والذي حصل على من 25 بالمائة من الاصوات.
في هذه الحالة ليس امام زعيم حزب العدالة والتنمية احمد داود اوغلو من طريقة لتشكيل حكومة الا عبر الائتلاف مع هذه الاحزاب، وهي احزاب لا تتفق مع حزب العدالة في اي من توجهاته السياسية على الصعد الوطنية والاقليمية والدولية، لذلك ستكون مهمة اوغلو في غاية الصعوبة، هذا لو علمنا ان اردوغان، سيصر على تكليف حزب العدالة والتنمية فقط بتشكيل الحكومة دون الاحزاب الاخرى، الامر الذي قد يؤدي بالنهاية الى حل البرلمان والذهاب الى انتخابات تشريعية مبكرة.
صعوبة ائتلاف الاحزاب الاخرى مع اردوغان تاتي من الاختلاف الجوهري في مواقف هذه الاحزاب مع حزب العدالة والتنمية، فهذه الاحزاب اكدت في حملاتها الانتخابية رفضها لتوريط اردوغان لتركيا في الحرب الدائرة على سوريا، ودعمه للمجموعات التكفيرية هناك بالمال والعتاد، وكذلك لتدخله غير المبرر في شؤون العراق وتحريضه للعراقيين بعضهم على بعض، وكذلك تدخله انطلاقا من اهداف حزبية ضيقة في شؤون مصر وباقي الدول العربية التي انعكست سلبا على المصالح التركية في المنطقة, وتشترك هذه الاحزاب في مناهضتها لتطلعات اردوغان في تغيير النظام البرلماني الى رئاسي وتوسيع صلاحيات الرئيس، بهدف ممارسة المزيد من التسلط والاستبداد الذي عانى منه الاتراك خلال السنوات القليلة الماضية، والتي تمثلت بتصفية معارضية وتدخله بالقضاء، وقضايا الفساد المالي والاداري التي تم الكشف عن جوانب منها مؤخرا.
ان نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة كانت الخطوة الاولى للشعب التركي لاعادة تركيا الى جادة الصواب التي كانت عليها قبل ان تطغى الاردوغانية على المشهد السياسي التركي. الشعب التركي رأى في التطبيقات العملية لاحلام اردوغان الاقليمية، دماء وفوضى في المنطقة وخاصة سوريا، حيث رفاق درب اردوغان ممن يحملون توجهاته الايديولوجية، لا يعرفون سوى القتل والسبي والذبح والتفجير والتكفير سبيلا للوصول الى اهدافهم السياسية، وهو ما انعكس سلبا على صورة تركيا امام العالم اجمع.
ان الصفعة التي انهالت على وجه اردوغان كانت على مايبدو احدى تداعيات اللعنة السورية التي ستطارد اردوغان والعثمانيين الجدد، لما ارتكبوه من مجازر بحق الشعب السوري وشعوب المنطقة الى جانب حلفائهم في السعودية وقطر، الى ان تقبرهم كما تم قبر العثمانية القديمة وجميع سلاطينها المستبدين، فالشعوب لم ولن ترضى بالعودة الى الوراء، الى الاستبداد والظلم والتمييز الطائفي والقومي ، الى عصر السلاطين والجواري.