الاخبار التي تناقلتها وسائل الاعلام الغربية والعربية حول الاجتماع ما بين السيد عشقي مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والقانونية في جدة وغولد السفير الإسرائيلي السابق لا تنبع أهميته من نشر هذه المعلومة بحد ذاتها، فهي في تقديرنا المتواضع لا يدخل الا ضمن ما يمكن تسميته بالتفاصيل. فالعلاقات بين آل سعود وبطانتهم من جانب والطبقة السياسية في إسرائيل من الجانب الاخر، هي علاقات تاريخية قديمة لم تنقطع وخاصة في مجالات التنسيق الأمني والسياسي سواء المباشرة أو غير المباشرة عن طريق الولايات المتحدة أو غيرها من الوسطاء.
لسنا هنا في صدد مراجعة هذه العلاقات ومحطاتها ولكن لا بد أم ننوه الى بعضها، فمن العمل على فك الوحدة بين مصر وسوريا ودعم النظام الملكي في اليمن ضد المؤازرة المصرية للثورة اليمنية ومحاربة الرئيس العملاق جمال عبد الناصر وكذلك التوجه القومي العربي في المنطقة والانخراط الكامل ضمن المخطط الأمريكي الامبريالي للمنطقة بما فيها ضمان أمن الكيان الصهيوني وضرب حركة التحرر لشعوب المنطقة ومحاولات القضاء على الدول الوطنية وخاصة في مصر وسوريا والعراق. ولكن اللافت للنظر مؤخرا هو هذا الكم الإعلامي المباشر أو غير المباشر الى جانب التصريحات والتلميحات الإسرائيلية حول الاجتماعات السرية والتنسيق الأمني بين آل سعود وإسرائيل حول العديد من القضايا وخاصة فيما يخص الملف النووي الإيراني واستعداد الإدارة الامريكية لإجراء المباحثات مع إيران والوصول الى اتفاق بشأن هذا الملف التي بات من شبه المؤكد بحسب المصادر المطلعة ان يتم التوقيع عليه مع حلول نهاية هذا الشهر اللهم الا إذا ما حدث شيء لم يكن في الحسبان.
أما تسريب الخبر الأخير من قبل وسائل الاعلام الإسرائيلية ونشر بعض ما جاء في المقابلة التي أجرتها صحيفة يديعوت أحرنوت المقربة من الطبقة السياسية الحاكمة في الكيان الصهيوني في هذا الوقت بالذات وضمن ما يجري من صراعات في منطقتنا لا شك أن له دلالات عدة التي نود هنا ان نشير على الأقل الى بعضها كقراءة أولية لها الخبر. هذا التسريب عن الاجتماع العلني الذي تم بين أحد المقربين من دوائر القرار في السعودية ومسؤول رفيع مستوى إسرائيلي مرشح ان يشغل منصب في وزارة الخارجية الإسرائيلية له دلالاته وابعاده السياسية، وان ادعى السيد عشقي أن الامر لا يتعدى كونه مقابلة شخصية وليست رسمية أو بتكليف من آل سعود.
فهذه التصريحات لا تنطلي على أحد من المتابعين للأحداث في المنطقة. وقد سبقها حدث مماثل وادعاءات مماثلة من قبل الأمير تركي الفيصل السعودي الذي قام بنشر مقال في صحيفة هآرتس الإسرائيلية الذي ذكر فيه انه يتمنى اليوم الذي يستطيع فيه ان يزور إسرائيل وأن يستقبل إسرائيليين في بيته في الرياض ..الخ، وقيل عندها أنه يقول ذك بشكل شخصي وأنه لا يمثل آل سعود الحكام في السعودية.
هذه التسريبات الجديدة تأتي ضمن استقطاب سياسي حاد وعميق غير مسبوق ولم تشهده المنطقة في أي مرحلة من المراحل التي مرت بها.
هذا الاستقطاب بين محورين فقط وخاصة الان وبعد انضمام تركيا وقطر الى التحالف مع المحور السعودي. المحور السعودي التركي القطري المدعوم أمريكيا واسرائيليا وبين محور المقاومة من إيران وسوريا والمقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله وعدد من الفصائل الفلسطينية التي لم ترتضي أن تبيع ولائها للقضية الفلسطينية أو العربية لصالح حركة الاخوان المسلمين ومشروع السلطان العثماني. التسريبات حول الاجتماع يجب أن يفهم من هذا المنطلق ومن شبه المؤكد ان هذه الخبر لم يكن ليأتي دون ان يستشار آل سعود في نشره وبهذا التوقيت بالذات. فهذا يأتي ضمن منظومة سياسية وتوجهات سعودية جديدة في المنطقة وإدارة سياساتها الخارجية التي برزت بشكل واضح بشن عدوانها العسكري الهمجي المباشر على اليمن منذ ما يقرب من الثالثة أشهر الان وعدم الامتثال للدعوات التي أطلقتها العديد من منظمات الإغاثة الدولية وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة لإعطاء فرصة لوقف القصف الجوي ولو لبضعة أيام لإيصال المساعدات الانسانية اللازمة للمناطق المنكوبة في اليمن التي قاربت ان تكون كل المناطق باستثناء حضرموت التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة وداعش التي لم يصبهم أي أذى.
ما تدلل عليه التسريبات الأخيرة وبمباركة سعودية ضمن هذا الواقع هو الإعلان الرسمي والمباشر على ان الاستقطاب السياسي في المنطقة قد وصل الى حالة الذروة واللاعودة، وعلى أن الدول العربية الرجعية بقيادة آل سعود والطبقة السياسية الحاكمة منهم قد قررت الخروج الى العلن وعدم محاولة الاختفاء وراء أصابعها في علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وأنها قررت المجابهة العسكرية بالتنسيق والتعاون مع هذا الكيان الغاصب. وما التصريحات حول السماح للطائرات الإسرائيلية باستخدام الأجواء السعودية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، أو الاخبار التي تداولتها في الصحف حول قصف اليمن بقنابل نيترونية من قبل طائرات إسرائيلية رسم عليها العلم السعودي الا بداية لما قد يأتي. والمتتبع لما حدث مؤخرا في سوريا من تدفق لعشرات للآلاف من الحدود التركية الى الأراضي السورية وتكوين الحثالة المسماة بجيش الفتح الذي تسيطر عليه جبهة النصرة الإرهابية الموضوعة على قائمة الارهاب الدولية، يدرك أن محور السعودية قد قرر المجابهة العسكرية المباشرة بالتنسيق مع الكيان الصهيوني والامريكي والتركي على كل من يساند أي توجه قومي عربي أو الدول الوطنية في المنطقة.
آل سعود ومن لف لفهم من الرجعيات العربية تخرج الى العلن لتعلن أنها ترى ان إيران تمثل “تهديدا” لها أكبر من دولة إسرائيل العنصرية والتي ما زالت تحتل الأراضي العربية وارض فلسطين بكاملها، وترفض حتى المبادرة السعودية “للسلام” التي قدمت عام 2002 لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي كما يقولون. آل سعود يسعون الى تغير بوصلة الصراع في المنطقة وأثارت الفتن المذهبية والطائفية ليس على نطاق المنطقة فحسب بل على نطاق الدول الإسلامية في العالم وإيجاد الشرخ السياسي بينها بعد الباسه اللباس الديني الكاذب، وهو ما أوضحته حربها العدوانية تجاه اليمن التي حاول بها آل سعود التجييش المذهبي على نطاق المنطقة والعالم الإسلامي. وهنالك بعض الدول قد قبلت بالانضواء تحت راية آل سعود. آل سعود ومن لف لفهم يحاولون تهيئة الراي العام العربي والإسلامي بشكل عام على القبول بإسرائيل وعمليات التطبيع الفكري واقامت العلاقات مع هذا الكيان الغاصب.
وقد وفرت السعودية مليارات الدولارات التي صرفت على وسائل الاعلام المحلية والإقليمية والعالمية في هذا الخصوص. ولا بد لنا بالاعتراف الى انها حققت بعض النجاحات في هذا المجال من التجييش المذهبي في المنطقة وخارجها مستخدمة المخزون المالي الهائل لديها وصرفها على المدارس الدينية لنشر الفكر الوهابي الى جانب أئمة بعض المساجد لإثارة النعرات المذهبية والطائفية. هذا التوجه والمنحى لآل سعود ومن حولهم من دول وقوى خاصة الإقليمية منها يضع الكثير من المسؤوليات ويطرح العديد من التساؤلات على الدول الوطنية في المنطقة والقوى والأحزاب الحية في مجتمعاتنا العربية، الى جانب العديد من الكتاب والمثقفين الوطنيين في ارجاء المنطقة واللذين يرفضون شراء اقلامهم من قبل طواغيت المال الخليجية. كما يضع مسؤولية كبيرة على عاتق وسائل الاعلام من محطات محلية وفضائيات عربية. نقول هذا لإدراكنا لخطورة ما هو قادم بتكالب الحلف المعادي وامكانياته المادية التي يوظفها في عمليات تجنيد الإرهابيين والتضييق على وسائل الاعلام حتى التي تعطي مساحة كافية لعرض الآراء المختلفة، كما هو جار مع قناة الميادين من مضايقات وتشويش على عمليات البث بين الحين والأخر.
هذا ان لم نريد التحدث عن الفضائية السورية والإخبارية السورية وغيرها من المحطات التي أغلقت امامها الأقمار الاصطناعية ووقف البث لهما، أو التي تم قصفها في اليمن من قبل طائرات “التحالف” الذي تقوده السعودية. وكذلك اقفال البث للمحطة الفضائية اليمنية المسيرة من قبل النظام المصري بعد ضغوطات سعودية لأنها كانت تلعب دورا رئيسيا في فضح المجازر التي ترتكبها السعودية في اليمن وتبث الصور الحية لهذه المجازر التي ترتكب يوميا بحق الأطفال والنساء والمدنيين. كل هذا ليبقى المتداول وبشكل كبير للإنسان العربي العادي خاصة هو اعلام الفتنة والتحريض المذهبي الذي ينجر وراءه الانسان الغير واعي من كثرة ما يسمع ليلا ونهارا للأكاذيب والتضليل الإعلامي الذي يقف وراءه علماء نفس ولغويين ومتخصصين وخبراء في وسائل التأثير على الراي العام الى جانب الخبراء في فن التصوير والإخراج لزيادة التأثير الإعلامي. كل هذا يستدعي التنسيق والتعاون بين الدول الوطنية الى حد يتماشى مع شدة الهجمة الفكرية والثقافية واعلام التطبيع ونشر الفكر الاستسلامي والانهزامي.
ولكن ربما الأهم هو إيجاد خلق قاعدة جماهيرية وتجمعات للكتاب والمثقفين الوطنيين على مستوى الوطن العربي لحمل هذه المسؤولية الكبيرة تجاه شعوبنا العربية حتى لا تقع في البراثن الوهابية التكفيرية التي تلغي الاخر وتحلل دمه، وحتى نبقي هذه الفسيفساء والتنوع في وطننا العربي. هذا على الجانب الفكري والثقافي والحضاري والاعلامي، أما على الجانب العسكري فلقد بات أكثر من أي وقت مضى ضرورة التوحد الأمني والاستخباراتي والعسكري بين الدول الوطنية في مجابهة الارهاب العابر ووضع استراتيجية مشتركة وخاصة بين سوريا والعراق نظرا لوجود حدود مشتركة طويلة بين البلدين التي يستخدمها تنظيم داعش للتنقل بحرية بين البلدين.
أحد الأسباب من إطالة الحرب ضد الارهاب هو عدم وجود التنسيق الكافي الذي لم يرقى الى المستوى المطلوب على الأقل لمنع تنقل الارهاب بين البلدين والاستيلاء على مناطق كبيرة متواصلة جغرافيا. الدول العربية الوطنية وعلى وجه التحديد سوريا والعراق والجزائر وتونس ومصر مطالبة كمجموعة موحدة بموقف موحد من هذا التوجه الذي تقوده السعودية من الكيان الصهيوني الذي بدا يتغلغل وينخر الدول العربية ومن هذا الحقد الاعمى والدفين لإيران واعتبارها خطرا على الإقليم يفوق الخطر الصهيوني ومحاولة جر الدول العربية لها الموقف بقوة البترودولار. نعم قد يكون هنالك اختلاف مع إيران في بعض الملفات او القضايا في المنطقة وطرق إيجاد الحلول لها. ولكن هذا لا يرقى من بعيد أو قريب من الخطر الذي يشكله الكيان الصهيوني الغاصب، ولا نستطيع ولو للحظة واحدة التفكير بالمنحى المذهبي المقيت الذي يفكر به آل سعود. آل سعود يخشون إيران ليس لبرنامجها النووي بل لأنها تمثل نمطا مغايرا للحكم ونمطا أثبت فعاليته في تحقيق تطور هائل في العديد من المجالات العلمية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، بينما آل سعود يديرون السعودية ليست كدولة بل بمثابة قبيلة يرعاها ولي الامر وشتان ما بين الاثنين والنظامين.