تسعى السعودية إلى نسف تاريخ اليمن الثقافي الإسلامي، فتعمل على ضرب المساجد والمعالم الأثرية والأضرحة، في صعدة وصنعاء، ضاربةً عرض الحائط قواعد القانون الدولي الإنساني التي تقر الحماية للممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة.
ركزت السعودية مؤخراً ضرباتها على العاصمة صنعاء، وقد أفادت منظمة اليونيسكو بأن مباني تاريخية مهمة في مدينة صنعاء القديمة مصنفة ضمن مواقع التراث العالمي تعرضت لأضرار جسيمة في 11 ايار 2015، بسبب الغارات السعودية وكذلك في 11 حزيران، وأفادت اليونسكو بأن صواريخ العدوان السعودي أصابت حي القاسمي في صنعاء القديمة الذي يحتوي على عشرات المنازل التي شيدت قبل القرن الحادي عشر. وأدانت منظمة اليونسكو غارة العدوان بقيادة السعودية والتي استهدفت المدينة القديمة في صنعاء.
– صنعاء الحضارة
تعتبر العاصمة اليمنية صنعاء من أهم المدن التاريخية وواحدة من أقدم المدن المأهولة باستمرار ولها تاريخ من القرن الخامس قبل الميلاد على الأقل. تقع في وسط البلاد في منطقة جبلية عالية على جبال السروات وترتفع عن سطح البحر 2300 متر. قديماً كانت المدينة لا تأخذ سوى مساحة صغيرة من قاع صنعاء الفسيح الذي يمتد من جبل نُقم شرقاً وجبل عيبان غرباً، ولكنها تزايدت في العهود الإسلامية واتسعت دائرة سورها.
وفي القرون الأخيرة استحدثت في غربها بير العزب، ومنذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 بدأت صنعاء تشهد تغييرات هائلة وامتدت صنعاء القديمة و(بير العزب) خارج أسوارها وتكثف زحفها العمراني في جميع الاتجاهات.
اما صنعاء القديمة فيقصد بها المدينة المسورة وكان لها سبعة أبواب لم يبق منها إلا باب اليمن، وهي أحدى تلك المدن القديمة المأهولة باستمرار من القرن الخامس قبل الميلاد على الأقل، أصبحت عاصمة مؤقتة لمملكة سبأ في القرن الأول للميلاد بعد استعادة أسر من قبيلة همدان للعرش السبئي من الحميريين.
وتحولت المدينة في القرنين السابع والثامن إلى مركز هام لنشر الإسلام، فحافظت على تراث ديني وسياسي يتجلى في 106 مساجد و21 حماماً و6500 منزل تعود الى ما قبل القرن الحادي عشر. وصنعاء القديمة توجد ضمن لائحة مواقع التراث العالمي لليونسكو ولها طابع مميز.
وقد حذرت تقارير اليونسكو بضرورة الاهتمام بموقعين آخرين من مواقع التراث العالمي الثقافي في اليمن، وهما مدينة شبام القديمة المسورة 1982 ومدينة زَبيد التاريخية (1993)، لانهما على لائحة التراث العالمي.
– حماية هذه الاثار
هذه الاثار الثقافية محمية من قبل العديد من الاتفاقيات الدولية، ولا بد من استخدام هذه الحماية لمنع تدميرها، فقد عرفت اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي في المادة الأولى منها، الآثار: بالأعمال المعمارية، وأعمال النحت والتصوير على المباني، والعناصر أو التكاوين ذات الصفة الأثرية، وغيرها. وقد أكدت اتفاقية لاهاي للحرب البرية، عام 1907 وكذلك اتفاقية لاهاي الموقعة عام 1954م، وبروتوكولَاها الإضافيّان على حماية الممتلكات الثقافية في وقت الحرب. وقد حظرت المادة 56 من لائحة لاهاي الرابعة كل حجز أو تدمير أو إتلاف عمدي للمؤسسات والآثار التاريخية والفنية والعلمية، وأوجبت اتخاذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي هذه الأعمال.
وحذرت اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة الموقعتان عام 1949م، وبروتوكولاهما الإضافيَّان الموقعان عام 1977م، من استهداف الاثار، واعتبرت المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 85 من البروتوكول الإضافي الأول أن تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية من المخالفات الجسيمة وبالتالي فهي بمثابة جريمة الحرب التي نصت عليها الفقرة 9 من المادة 8 من ميثاق روما لعام 1998، والتي تنص على أن تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، بمثابة جريمة حرب، والتي تعرفها اتفاقية روما بأنها الخروق الخطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 متى ارتكبت على نطاق واسع.
من يوقف السعودية عند حدودها ويعاقبها؟
لا شك أن إدانة هذه الأعمال التي تسعى إلى محو تاريخ حضاري عريق لا تكفي، بل لا بدَّ من تحرك فعلي يمنع السعودية من الاستمرار في نسف المواقع التاريخية في اليمن. لذلك يجب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، وإصدار قرار يؤكد على احترام المواقع التراثية في اليمن، وإدانة استهداف الغارات السعودية للأماكن التراثية. وإذا لم يسارع المجتمع الدولي إلى حماية هذه المواقع، فإن ذلك يؤكد التواطؤ الغربي مع السعودية لتدمير هذا التاريخ الحضاري.
كما يجب على الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية المسارعة إلى منع المسؤولين السعوديين من البناء على سياسة الافلات من العقاب، فالسعودية ترتكب جرائم حرب والمسؤولية عن ارتكاب هذه الجرائم يتحملها، إلى جانب الحكومات، الأشخاص الطبيعيون المتهمون بالتخطيط لارتكابها.
وقد أشارت المادة 25 من النظام الأساسي للمحكمة، إلى أن “اختصاص المحكمة يطبق على الأشخاص الطبيعيين”، أي المسؤولية الجنائية فردية، وأن الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولاً عنها بصفته الفردية… ولكن تبقى مسؤولة عن الضرر الذي يلحق بالآخرين نتيجة لأعمالها غير المشروعة، وتلتزم الدولة التعويض عن هذا الضرر على النحو المقرر في أحكام المسؤولية الدولية. ويبقى الأمل أن يستيقظ المجتمع الدولي من سباته، وأن لا تتحول الأمم المتحدة منصة لارتكاب الجرائم باسمها، وأن لا تؤثر السعودية بأموالها على المنظمة الدولية كما تؤثر الولايات المتحدة الأميركية.