الاردن ليس امبراطورية عظمى ليضم غرب العراق وجنوب سورية ويفتح ممرات آمنة لدروز سوريةنخشى من مخطط لتوريطه في حروب استنزاف على غرار السعودية في اليمن والعراق في الكويت.. انها لعبة “تحريضية” خطرة غير محمودة العواقب.
بعد اعلان العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني عن عزم بلاده تسليح العشائر السنية في غرب العراق وجنوب سورية، وتزامن هذا الاعلان مع رفع الراية الهاشمية، وتسليمها الى رئيس اركان الجيش الاردني كثرت التحليلات والتسريبات، والتفسيرات، ووصلت الى درجة الحديث عن توسيع حدود المملكة، وضم اقليم الانبار العراقي، ومنطقة درعا السورية اليها.
من يتابع الاحاديث والتحليلات، وبعضها لكتاب كبار، يعتقد اننا نتحدث هنا عن دولة عظمى في حجم بريطانيا او فرنسا في القرن التاسع عشر، تسيطر على معظم انحاء العالم، وتملك الجيوش والاساطيل التي تؤهلها لاحتلال اي بقعة على وجه الارض.
***
الاردن ليس دولة عظمى، ويواجه ظروفا اقتصادية ومعيشية صعبة، ومحاط بحروب، ودول فاشلة، واعداء في جهاته الاربع، وربع سكانه من اللاجئين السوريين، ناهيك عن مئات الآلاف من نظرائهم العراقيين، وقبل هؤلاء جميعا، الملايين من النازحيين واللاجئين الفلسطينيين، وبالكاد يستطيع الاردن ان يوفر “ماء الشرب” لمواطنيه وضيوفه، ناهيك عن الغذاء والدواء وفرص العمل، ومع ذلك هناك من يريد مضاعفة اعبائه.
السيد وليد جنبلاط الزعيم الدرزي اللبناني زار الاردن قبل عشرة ايام، والتقى عاهله، وطلب فتح ممر آمن لايواء ابناء “جبل العرب” في الاردن، وحمايتهم من اي تقدم لـ”الدولة الاسلامية” او “جبهة النصرة” باتجاه مناطقهم، موحيا بأن هؤلاء معرضين للخطر، ويفضلون الهروب على الدفاع عن انفسهم وارضهم وجبلهم، وهم المعروفون بالبأس والشدة وقوة الشكيمة، ويملكون تاريخا مشرفا في التصدي للاستعمار الفرنسي بقيادة زعيمهم سلطان باشا الاطرش.
ابناء طائفة الموحدين (الدروز) تصدوا بالامس الى سيارات اسعاف اسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة، كانت تقل جرحى من المعارضة السورية المسلحة لعلاجهم في المستشفيات الاسرائيلية محاولين منعها، ضاربين مثلا صارخا بانتمائهم العروبي الاصيل، ورفضهم اي تعامل مع الاحتلال الغاصب، ولا نعتقد ان من يقدم على خطوة مثل هذه، مثلما رفض قبل ذلك الجنسية الاسرائيلية، يمكن ان يهرب من ارضه وجبله.
نخشى ان يكون هناك جهات تدفع الاردن للعب دور اكبر من حجمه وامكانياته، وتورطه في حروب استنزاف يمكن ان تزعزع امنه واستقراره، مستغله ازماته الاقتصادية، وديونه المتفاقمة، وارتفاع العجز في ميزانيته، وحاجته الى المال.
***
بول آلن في كتابه الشهير عن صعود وسقوط الامبراطوريات، اكد ان اهم عناصر الانهيار توسعها خارج حدودها، وبما لا يتناسب مع قدراتها وامكانياتها، وضرب مثلا بالامبراطورية الرومانية، وامبراطوريات اخرى مماثلة، والدولة الاردنية بالكاد تحافظ على حدودها في ظل عمليات التفتيت والتقسيم التي تعاني منها جميع دول الجوار تقريبا، وهذا انجاز كبير في حد ذاته، في حال الحفاظ عليه.
السيد محمد المومني، وزير الاعلام الاردني اكد اليوم (الثلاثاء) في تصريحات للصحافيين “ان بلاده ليس لديها اي توجه للتمدد خارج حدودها، وشدد في هذا الشأن على ان الاردن يحترم سيادة الدول المجاورة، ويعمل على ترسيخ امنها واستقرارها”.
هذا التصريح جاء متأخرا، ولكنه وضع النقاط على الحروف، فالتوسع لم ولن يكون مصلحة اردنية، حتى لو كان الاردن يملك الامكانيات العسكرية والاقتصادية التي تؤهله لذلك، فنحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، وليس في القرن التاسع عشر.