لم تعد دولة من الدول بمنأى عن تهديد الإرهاب المتنامي، لاسيما تنظيم داعش. حتى أن الدول التي ساهمت في تأسيسه ثم تقويته وتأمين إستمراريته، تعاني اليوم من أزمة محاربة تغلغل الإرهاب التكفيري في أراضيها. وهنا يأتي الحديث عن الدول الخليجية التي أنفقت أموالها في اللعب على أوتار الطائفية والمذهبية في الدول، من أجل إسقاط أنظمة، في تلبيةٍ لخاطر الطرف الأمريكي. ويأتي في مقدمة هذه الدول السعودية المتقهقرة الأوضاع اليوم، الى جانب قطر الساعية لتحييد المخاطر عنها. لكن قراءة الأوضاع الجيوسياسية لتنظيم داعش الإرهابي في المنطقة، تشير الى أن الأمور تتجه لتهديد الدول الخليجية. فكيف يمكن تبيان ذلك؟
كيف يهدد داعش الدول الخليجية؟
يمكن الحديث عن عاملين أساسيين يتعلقان بالجغرافيا السياسية، ويعتبران الأساس في تهديد الإرهاب للدول الخليجية. وهو ما يمكن ذكره بالتالي:
إن العامل الخارجي يتمثل بتوسع نطاق الجغرافيا السياسية لداعش، والتي أصبحت تسيطر على مدينتي تدمر والرمادي في العراق. وفي حال استمر هذا التوسع ليصل لمناطق أخرى، فقد يهدد الحدود مع السعودية من جهة، ومع الكويت من جهةٍ أخرى لا سيما أن هذا الأمر قائمٌ حالياً حيث يهدد تواجد داعش في الأنبار الحدود مع السعودية والكويت الى جانب الأردن. كما أن تمدد التنظيم في شمال أفريقيا ووصوله الى مدينة سيناء وسرت، له العديد من المدلولات الإستراتيجية. والتي يمكن القول إن أحدها يصب في خانة تهديد مصالح الدول الخليجية.
أما العامل الداخلي المتصل بتهديد الإرهاب، والمُتعلق بالواقع الداخلي لهذه الدول، فهو قدرة التنظيم على القيام بعمليات داخل هذه الدول. وهو ما حصل مؤخراً في السعودية والكويت من تفجيرٍ للمساجد. مما يؤكد خرق التنظيم للتحصينات الأمنية لهذه الدول، والتي لا تختلف كثيراً عن غيرها من الدول الخليجية.
قراءة تحليلية تفصيلية:
لم تعد الدول الخليجية وكما يُشير الخبراء الإستراتيجيون قادرةً على معالجة أصل المشكلة، بل حتى أنها تعاني من صعوبةٍ في التعامل مع نتائجها. فالعمل على إستئصال الخطر الذي يحمله تنظيم داعش، لم يعد أمراً قابلاً للحصول، في دولٍ جندت أسلحتها الإعلامية والمالية، لدعم صعود التنظيم في دولٍ أخرى. وهو الذي أدى الى غض النظر عن الآثار السلبية لذلك، لا سيما على الوضع الداخلي لهذه الدول. لذلك نقول التالي:
إن اليقظة الأمنية لا يمكن فصلها عن نتائج الترويج الإعلامي، الذي أدى لنشوء بيئة جاهزة لإحتضان نداءات الجهاد الى سوريا والعراق. ولأن الدول التي خططت لاسيما السعودية وقطر، ظنت أن الأثر لن يكون إلا في دولٍ أخرى، فشلت في تحييد دولها، لأن النتيجة كانت أكبر من المتوقع.
وهو الأمر الذي عكسه أيضاً التعاون الإستخباراتي والأمني بين هذه الدول، والذي صب جُلَّ نشاطه على كيفية تجنيد الإرهابيين وإرسالهم الى بلاد الجهاد، دون الإلتفات الى أن ذلك سيؤدي الى التأسيس لواقعٍ أمنيٍ خطيرٍ يتكون من خلايا إستخباراتية، يمكن خرقها من قبل الأجهزة الأمنية الأخرى كالموساد أو CIA والتي تعمل على توسيع رقعة الإرهاب، ليطال حتى داخل الدول الخليجية. والهدف هو إشراك هذه الدول القريبة في المصالح من الكيان الإسرائيلي، بالخطر الوجودي، مما يجعلها مؤهلةً لدخول معركةٍ الى جانب تل أبيب، يكون العدو المُشترك فيها إيران.
على صعيدٍ متصل، ساهمت سياسات هذه الدول ببناء أرضية إجتماعية للإرهاب في داخلها. فإلى جانب الخطأ الأمني، قامت بتنمية الترويج لخطابي المغالاة والتطرف، وهو الأمر الذي أدى الى تحقيق نتائج، في حشد العديد من أصحاب القابلية، لتتبنى هذه الآراء وهو ما تؤكد التقارير أنه موجودٌ بكثرة في السعودية والكويت وقطر بالتحديد. فإن السياسة التي تم انتهاجها خصوصاً من قبل السعودية وقطر، والتي قامت على تنمية الوعي التكفيري، أدت الى انعكاساتٍ سلبية على المجتمع الخليجي بشكلٍ عام.
النتيجة:
إن النظام الإجتماعي القائم في الدول الخليجية ليس أقوى أو أصلب من ذلك القائم في الدول الأخرى. بل إن المجتمع الخليجي لديه القابلية أكثر من غيره. وبناءاً للأسباب التي ذُكرت، الى جانب سعي داعش للتمدد، فإن الدول الخليجية تُعتبر أرضيةً يمكن التغلغل فيها. فتنظيم داعش الإرهابي، يعتمد على آلياتٍ عابرة للحدود، أتقن فنَّها عبر توجيهات المعلم الأمريكي، ومساعدة أجهزة المخابرات التي تنوعت بين الغربي والخليجي. مما جعل من تنظيم داعش الإرهابي، تنظيماً مُتعدد الإستخدام والإستفادة، تتقاطع فيه مصالح عددٍ من الدول، وتتداخل فيه مصالح أجهزة إستخباراتٍ متعددة. لا نعرف ماذا سيحصل في حال أنها أعلنت الحرب على بعضها. لكن من المؤكد أنه سينقلب السحر على الساحر حينها. وهو الأمر الذي ستدل عليه الأيام المقبلة.