فلا تزال المعارك مستمرة على ارض الميدان، التي تشير الى تقدم القوات العراقية من ثلاثة محاور في المناطق القريبة من قضاء الفلوجة شرقي مدينة الرمادي، كما استعادت القوات العراقية السيطرة على منطقتين في محافظة الانبار من احتلال داعش، ونجحت القوات المهاجمة في استعادة منطقتي الملعب والطاش في الرمادي، مع اعلان مسؤولين عراقيين تكثيف العمليات العسكرية في كبرى محافظات البلاد.
إذ يرى الخبراء العسكريون أن السيطرة على تلك المناطق يعني أن تضييق الخناق على التنظيم في الفلوجة ازداد بشكل كبير، خاصة وأن إمداداته التي تصله من ضواحي المدينة والمدن المجاورة لها قد تم قطعها بشكل نهائي.
فيما يرى خبراء اخرون انه على الرغم من أن الرمادي لا تزال هدفا استراتيجيا فإن التركيز الأولي سيكون على الفلوجة التي كانت أول مدينة في العراق تسقط تحت سيطرة الارهابين قبل 18 شهرا.
إذ يرى بعض المحللين أن ما يجري داخل الاراضي العراقية هو ضربات تحت الحزام لداعش تنبأ بانتصارات عسكرية ميدانية من المرجح ان تغير في الموازين أمنيا وهذا يعني بداية نهاية داعش باتت وشيكة، مما سيدحض اهم اهداف مؤسسي داعش الساعين لإذكاء حرب استنزاف في الشرق الاوسط برمته من أجل استمرار العنف والاحتراب والاضطرابات على كل المستويات، لتحقيق أجندة بعض الدول الاقليمية والدولية الساعية لتغيير الشرق الاوسط من خلال داعش او بالأحرى اعادة تقسيمه على غرار التقسيم في سايكس بيكو بداية القرن الماضي، لكن الهدف الاول هو استنزاف هذه الشعوب وسلب ثرواتها ومحو تراثها الحضاري والديني وحماية اسرائيل، فالمنطقة اليوم هي منطقة ملتهبة متوترة ليس فيها حلول مطروحة ويبدو أن هذا الأمر سيستمر لعدة سنوات وهي معرضة أيضا لإمكانية التقسيم في بعض بلدانها إلى أن تتغير معادلات ميدانية وتتوقف بعض المواقف الخاطئة التي تعطي فرصة للإرهاب التكفيري ليستمر، وهذا يعني أن المعركة مفتوحة في الزمان والمكان والمراحل.
لكن يرى محللون آخرون انه مع حصار الفلوجة البيئة الحاضنة لداعش والتنسيق النوعي بين فصائل القوات العراقية كافة، فضلا عما تسلمته الحكومة العراقية من مقاتلات أف 16 الأميركية، ضمن اتفاق مبرم منذ أعوام مع واشنطن، وذلك فيما تخوض القوات العراقية حربا ضد تنظيم داعش، في عدة جبهات.
جل هذه العوامل تشير الى اقترب النصر العراقي بتحرير اراضي من دنس الداعشيين كما حصل قبل اشهر عندما حررت مدنية تكريت العراقية، كما يرى هؤلاء المحللون انه الى الجانب النصر العسكري يجب معرفة كيفية التعامل مع البيئة الحاضنة للحركات المتطرفة كوسيلة ناجعة للقضاء على الإرهاب والتكفير، ناهيك عن القضاء قدر الامكان على الفساد السياسي والتوجه الى الوحدة الوطنية بعيدا عن الولاءات الشخصية والعمل لحساب دول اخرى إقليمية او دولية، وعليه كما يبدو أن الوضع السياسي والامني في العراق صعب جدا لكن الخروج من هذا المأزق يحتاج أولاً إلى رؤية، ثم سياسات وآليات تنفيذية، وأن هذه المرحلة من تاريخ العراق تحتاج إلى شخوص غير تقليديين لأننا في مرحلة غير تقليدية.
فقد أدت الحرب ضد داعش إلى زيادة الضغط على التوازن الطائفي الهش في العراق والمتوتر بالفعل نتيجة ضغائن سياسية بين الكتل الحزبية، بينما تلعب الحسابات والتدخلات الإقليمية دورا كبيرا في هذا المجال، من خلال تحويل أزمات تلك الدول وتداولها داخل العراق، لكي تبعد الأزمات عنها، كون اغلب الدول تعيش نفس الهواجس والتحديات، على الصعيد الامني ومجالات اخرى ايضا، غير أنها تسيطر على تلك التحديات لامتلاكها مؤسسات عسكرية متماسكة ومنظمة، ونتيجة لهذه العوامل آنفة الذكر يرى أغلب المحللين أن الملف الأمني سيظل متعثرا دون حلول اكثر فعالية، فربما تضع المعرك الامنية والسياسية في العراق، جميع أطياف الشعب تحت وطأة المؤامرات في الآونة المقبلة، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب العراقي من انزلاق العراق في وحل الفوضى مجددا، واذا لم ينجح العراق في شق طريقه والخروج من المأزق الأمني الخطير سيصبح ازمة مزمنة تشي بمستقبل مظلم لجميع العراقيين.
لكن ما اظهرته المستجدات الأخيرة بخصوص الحرب ضد داعش في الفلوجة الانبار، من مؤشرات حقيقية لمستقبل العراق وربما الشرق الاوسط برمته الذي قد تحدده هذه المعركة المصيرية المحتدمة التي من شأنها تغيير موازين الحرب وتبشر بالنهاية المحسومة لداعش ومؤسسيه.
العراق يحاصر داعش في الفلوجة
من جهته قال متحدث باسم قيادة العمليات المشتركة إن الهجوم الذي بدأ في الفجر يشارك فيه الجيش و الحشد الشعبي التي يغلب عليها الشيعة والقوات الخاصة والشرطة ومقاتلي عشائر سنية محليين، وقالت مصادر في قيادة عمليات الأنبار إن قوات عراقية تواجه مقاومة من المسلحين الذين نشروا خمس سيارات ملغومة لشن هجمات انتحارية وأطلقوا صواريخ لصد تقدم القوات صوب مدينة الفلوجة على بعد 50 كيلومترا غربي بغداد. بحسب رويترز.
وأفادت تقارير ايضا بوقوع معارك حول مدينة الرمادي عاصمة المحافظة والتي سيطر عليها التنظيم قبل شهرين، وقال المتحدث العسكري “انطلقت فجر اليوم في الساعة الخامسة عمليات تحرير الأنبار”، وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي أغضبه انسحاب الجيش من الرمادي في منتصف مايو أيار قد وعد في باديء الأمر بهجوم مضاد سريع.
من جهته قال ضابط برتبة مقدم في الجيش ان “القوات الامنية (…) استطاعت ان تتقدم بشكل كبير وتحرر منطقتين هما البوشجل والشيحة الواقعتين في جزيرة الخالدية بين ناحية الصقلاوية ومدينة الرمادي” مركز المحافظة، واوضح الضابط انه امكن استعادة المنطقتين بعد تطويق القوات الامنية وقوات الحشد الشعبي الموالية لها، مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) التي تعد ابرز معاقل التنظيم الجهادي في المحافظة، واكد رئيس اللجنة الامنية في مجلس قضاء الخالدية ابراهيم الفهداوي استعادة المنطقتين.
وصول أول مقاتلات من الولايات المتحدة
ويقصف تحالف تقوده الولايات المتحدة من قوات غربية وعربية مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية في انحاء العراق دعما لقوات بغداد البرية وقواتها الجوية التي تفتقر للعتاد.
وسعى العراق لتعويض هذا النقص في القوة الجوية بشراء مقاتلات إف -16 من الولايات المتحدة لكن تسليم 36 طائرة تأخر بسبب مخاوف أمنية من هجوم الدولة الإسلامية الصيف الماضي، وقال ضابط في القوات الجوية العراقية إن أول دفعة مؤلفة من أربع طائرات إف -16 وصلت قاعدة بلد الجوية شمالي بغداد.
ولم يتضح إن كانت الطائرات ستشارك على الفور في عمليات الأنبار، وقال هادي العامري قائد منظمة بدر أكبر قوة شيعية في الحشد الشعبي للتلفزيون العراقي إنه يتوقع أن يكون الهجوم الرئيسي في الفلوجة بعد عطلة عيد الفطر.
العراق.. لا قواعد آمنة لـ”داعش”
في سياق متصل جدد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، تأكيده على أن الاستعدادات لـ”تحرير” محافظة الأنبار من مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية”، تجري “على قدم وساق”، إلا أنه لم يفصح عن موعد محدد لبدء العمليات العسكرية، واعتبر الناطق باسم “جهاز مكافحة الإرهاب” صباح النعمان، أن “عصابات داعش الإرهابية بدأت تشعر بعدم وجود أي قاعدة آمنة لها في العراق”، لافتاً إلى أن “القوات الأمنية، وبإسناد أبناء الحشد الشعبي، تفرض سيطرتها بشكل كامل على قضاء بيجي”. بحسب السي ان ان.
وأضاف المتحدث الحكومي أنه “تم تأمين الطرق الرئيسية التي كان داعش يسلكها”، مؤكداً أن “هناك إخلال بعملية إمداد عصابات داعش الإرهابية في بيجي”، مشيراً إلى أن “الإرهابيين بدأوا يشعرون بالإحباط لعدم سيطرتهم على المناطق التي كان يحتلونها”.
وأوضح النعمان، في تصريحات أوردتها “شبكة الإعلام العراقي” الرسمية الثلاثاء، أن “قضاء الفلوجة كان يمثل بالنسبة لهم القاعدة الأمنية للجوء إليها، لكن مع العمليات العسكرية قرب المدينة، بدأ الدواعش بالإحباط”، على حد تعبيره.
وكان القيادي في الحشد الشعبي، جعفر الحسيني، قد ذكر أن “قوات الحشد والجيش قطعت جميع خطوط الإمداد لإرهابيي داعش في مدينة الفلوجة”، بمحافظة الأنبار، وتعد الفلوجة “من أبرز معاقل عصابات داعش الارهابية والتنظيمات الارهابية.”
من جانب آخر، قال نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار، فالح العيساوي، إن القوات الأمنية، مسنودة بالحشد الشعبي، رفعت العلم العراقي فوق مركز شرطة “الصقلاوية”، وذكر أن تنظيم داعش منع أهالي الفلوجة من الخروج من المدينة.
السيد السيستاني يدعو جيران العراق للتصدي للمتشددين
على الصعيد نفسه قال المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني إن دول المنطقة لا تبذل ما يكفي من الجهد لوقف تدفق المتشددين على العراق وحذر من أن المقاتلين سيعودون يوما ليهددوا بلدانهم الأصلية. بحسب رويترز.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي ممثل السيستاني إن الدور البارز الذي يلعبه المقاتلون الأجانب هو علامة على التهاون الدولي، وقال في خطبة صلاة الجمعة “هذا الأمر هو دليل على استمرار سياسة اللامبالاة وغض النظر عن تدفق هؤلاء المقاتلين إلى العراق. هذا الأمر سيفاقم من خطورة هذه العصابات على هذا البلد وعلى المنطقة بأسرها بل سيشكل تهديدا على الدول التي ينطلقون منه”، وأضاف أن من المحتمل أن يعود هؤلاء المقاتلون إلى مواطنهم في المستقبل ليشكلوا خلايا “إرهابية” ستشارك في تهديد أمن وسلامة هذه الدول.
وأعلن أنصار تنظيم داعش مسؤوليتهم عن عدد متزايد من الهجمات في الشرق الأوسط لا سيما في دول شمال أفريقيا والخليج.
وقال الكربلائي “دول المنطقة وبالخصوص المجاورة للعراق وكذلك الدول التي ينطلق منها الإرهابيون مدعوة إلى إجراءات حاسمة لمنع تدفق المسلحين ولاسيما مع زيادة الدول التي ينتشر بها الفكر التكفيري”.
15 ألف مدني قتلوا منذ مطلع 2014
الى ذلك سجلت بعثة الأمم المتحدة في العراق مقتل 15 ألف مدني وجرح نحو 30 ألفا آخرين منذ مطلع عام 2014، وأكدت المنظمة أن هذه الأعداد تعود للضحايا الذين تمكنت من توثيق مقتلهم، مشيرة إلى أن العدد الفعلي قد يكون أعلى بكثير. بحسب فرانس برس.
لقي نحو 15 ألف مدني مصرعهم في العراق منذ مطلع عام 2014 بسبب أعمال العنف إضافة إلى إصابة قرابة 30 ألفا آخرين، وفق تقرير لبعثة الأمم المتحدة.
وسجلت المنظمة الدولية في تقرير لبعثتها في بغداد عن “حماية المدنيين في النزاع المسلح في العراق” أن “44 ألف و136 ضحية مدنية على الأقل”، موضحة أن العدد يشمل 14 ألفا و947 قتيلا، و29 ألفا و189 جريحا، وأكدت المنظمة الدولية أن الأعداد تعود للضحايا الذين تمكنت من توثيق إصابتهم أو مقتلهم، مشيرة إلى أن العدد الفعلي قد يكون أعلى بكثير.
وتعود الحصيلة إلى مطلع 2014، مع سقوط مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) وأجزاء من مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار (غرب)، في يد مسلحين غالبيتهم ارهابيون ينتمون إلى تنظيم “داعش”، وازدادت حدة أعمال العنف بعد أشهر، مع شن التنظيم هجوما كاسحا في حزيران/يونيو 2014، سيطر خلاله على مناطق واسعة.
كما تشمل أعمال العنف تفجيرات دورية بعبوات ناسفة وسيارات مفخخة، في أحياء من بغداد ومحافظات أخرى، وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فقد أدى النزاع خلال الفترة نفسها إلى نزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص.