الرئيسية / من / ظريف يخاطب العالم العربي «الجار ثم الدار» توصية أخلاقية أم ضرورة استراتيجية؟

ظريف يخاطب العالم العربي «الجار ثم الدار» توصية أخلاقية أم ضرورة استراتيجية؟

في مبادرة لافتة تأتي في توقيتها غداة الاتفاق النووي ، و جولته الاقليمية التي شملت الكويت و قطر والعراق ، دعا وزير الخارجية الدكتور محمد جواد ظريف ، في مقال نشرته صحف “السفير” اللبنانية و “الراي” الكويتية” و “الشروق” المصرية و “الشرق” القطرية تحت عنوان “الجار ثم الدار” ، إلى البحث عن آليات تساعد جميع دول المنطقة على اجتثاث جذور التوتر وعوامله وغياب الثقة فيها ، و اقترح تشكيل مجمع حواري إقليمي و من ثم إسلامي ، لإحلال الاستقرار والسلام وتحقيق التقدم والسعادة بالمنطقة .

و يرتكز المجمع الحواري الذي اقترحه ظريف على جملة أهداف ومبادئ أبرزها: احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها ، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلمياً، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة .

ولفت الدكتور ظريف الى ان أولى أولويات إيران الاسلامية منذ البداية ، أنها تنشد علاقات طيبة ووطيدة مع جيرانها ، واضاف : لا يمكننا الوقوف موقف اللامبالاة أمام الدمار الهائل في أطراف المنطقة ، مؤكدا انه حان الوقت للبحث عن آليات تساعد بلدان المنطقة على اجتثاث التوتر وغياب الثقة في الوقت الذي وضع اتفاق فيينا ، نهاية لتوتر كنّا في غنى عنه ودام 12 عاماً، ومشددا على ان الحاجة ماسّة لتشكيل مجمع حوار إقليمي يسهل التعامل ، كان ينبغى المبادرة إليه منذ زمن .
و وجه الدكتور ظريف ، عبر «السفير» و«الراي» و«الشروق» و«الشرق» ، الرسالة الإيرانية الأولى المباشرة للعالم العربي ، بعد توقيع الاتفاق النووري مع الدول الست الكبرى قبل أسابيع قليلة .

وفيما يلي نص المقال :

فى تقاليدنا العريقة وفي ديننا الإسلامي الحنيف (الذى يجمعنا معا) توصية حكيمة تقول : الجار ثم الدار ، وهي توصية اخلاقية ذات رؤية عميقة ، وصلتنا عبر القرون ، و باتت ضرورة لا يمكن انكارها في عالمنا المعاصر ؛ ان الرفاه والأمن يتحققان فقط فى البيئة التى يمكن ان تحظى بهاتين النعمتين العظيمتين .
إن أولى أولويات إيران الاسلامية كانت منذ البداية ، أنها تنشد علاقات طيبة و وطيدة مع جيرانها ، وهذا ما أُعلن عنه بصراحة و تمت متابعته على الأخص منذ تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة ، وإن جولتي الإقليمية إلى ثلاث دول جارة هي الكويت وقطر والعراق ، مباشرة بعد حصول الاتفاق النووى التاريخي بفيينا بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا ، إنما جاءت تأكيدا لهذه الاستراتيجية التى توليها السياسة الخارجية الإيرانية اهتمامها .

إن منطقتنا فى الوقت الراهن تمر في اضطرابات ، و تواجه مخاطر جدية تهدد أسس المجتمع والثقافة فيها . ومع أن إيران التى تعتمد على شعب يمتاز بالمرونة والصمود فى مواجهة النزعة السلطوية ، تعيش بفضل الله في استقرار و أمن ، وقدمت آفاقا جديدة عن التعامل البناء ، فإنها لا يمكنها الوقوف موقف اللامبالاة وهي تشاهد أمامها الدمار الهائل في أطرافها ، سيما و أن التجربة تقول لنا إن الفوضى والاضطرابات لا تعرف حدودا ، وإنه من غير الممكن ضمان أمن أي بلد في بيئة مضطربة ، بهذا العالم السائر نحو العولمة .

إن اتفاق فيينا كان بداية ضرورية للمنطقة ، فهو ليس فقط لا يشكل أى ضرر على جيراننا ، بل إنه مكسب لمنطقتنا برمتها ، لأنه وضع نهاية لتوتر كنا في غنى عنه دام اثنى عشر عاما ، و هدد المنطقة أكثر من غيرها . وقد حان الوقت للتفرغ إلى أعمال أهم ، وفي مقدمتها البحث عن آليات ، تساعد جميع بلدان المنطقة على اجتثاث جذور وعوامل التوتر وغياب الثقة فيها .

إن تشكيل مجمع للحوار الإقليمي في منطقتنا ومن ثم بين جميع الدول الإسلامية بالشرق الأوسط، لغرض تسهيل التعامل ، هي حاجة ماسة كان ينبغي المبادرة إليه قبل هذا بكثير ، ولابد أن يكون الحوار الإقليمي وفق أهداف مشتركة ومبادئ عامة تعترف بها دول المنطقة ، و أهمها :
– احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها
– الامتناع عن التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى
– تسوية الخلافات سلميا
– منع التهديد أو استخدام القوة
– السعى لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة فى المنطقة .

علينا جميعا أن نذعن بحقيقة انتهاء عهد الألاعيب التي لا طائل تحتها ، وإننا جميعا إما رابحون معا أو خاسرون ، فالأمن المستدام لا يتحقق بضرب أمن الآخرين ، وإن أي شعب لا يمكنه تحقيق مصالحه دون الأخذ بالاعتبار مصالح الآخرين ، وهذا هو مصيرنا شئنا أم أبينا : ((..وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَ اللَهَ مَعَ الصابِرينَ)) / الانفال الآية 46 .
وبالطبع فإن هذا التعاون الذي لابد منه ، ليس من نوع التعامل المر مع الأعداء ، بل هو مسار ذو مذاق حلو للإصلاح و المودة بين إخوة و أعضاء أسرة واحدة ابتعدوا عن بعضهم البعض منذ فترة : ((إِنَمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ..)) / الحجرات، الآية 10 .

***
ان أهمية ممارسة هذه الآليات في منطقتنا ، ثم فى الشرق الأوسط عامة تفوق أهميتها فى أية منطقة في العالم . ولا يمكن إنكار الحاجة إلى إجراء تقييم ذكي للتعقيدات القائمة فى المنطقة بهدف انتهاج سياسات مستديمة لمعالجتها، ومحاربة الإرهاب واحد من هذه الموضوعات . فلا أحد بمستطاعه أن يحارب الجماعات المتطرفة ، كالتي تسمى “الدولة الإسلامية” – التي لا هي بدولة ولا هي بإسلامية – في العراق ، في حين تنتشر في اليمن وسوريا .

وإذا كان مقررا أن نختار موضوعا من بين الفجائع في المنطقة للبدء في مباحثات جدية ، فإن اليمن سيكون نموذجًا جيدًا ، و قد اقترحت إيران حلًا معقولًا وعمليًا لتسوية هذه الأزمة المؤلمة وغير الضرورية . فالخطة الرباعية التي قدمتها تدعو إلى وقف إطلاق النار فورًا ، و إرسال مساعدات إنسانية إلى المدنيين اليمنيين ، وتسهيل الحواربين المجموعات اليمنية داخل البلاد ، وفي نهاية الأمر توجههم إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة .

وقبل عامين أيضا ، تم اقتراح خطة مماثلة بعد مشاورات مع سوريا وبعض الدول المجاورة وسائر الفاعلين من أجل إعادة السلام و الأمن إلى سوريا ، و بالإمكان إدراجها على جدول الأعمال ، إلى جانب الجهود المبذولة لتسوية الأزمة اليمنية ، وذلك بالتعاون مع الدول الإسلامية الأخرى وتحت إشراف آليات منظمة الأمم المتحدة .
وتزامنًا مع ذلك ، يمكن استخدام هذه المباحثات الاستراتيجية ، للقيام بخطوات محددة لتحقيق تفاهم أفضل لدراسة ولتسوية قضايا كالإرهاب والتطرف ، ومنع نشوب حروب مذهبية وطائفية ، و لتنويع أشكال التعاون العلمي والصناعي والتنموي و للارتقاء بمستوى العلاقات بين الدول الإسلامية بالمنطقة .

وقد يكون التعاون النووي للأهداف السلمية ، نموذجًا بارزًا لمثل هذا النمط من التعاون ، فمن حق إيران الاسلامية و جميع الدول الإسلامية بالشرق الأوسط الحصول على فوائد التقنية النووية السلمية طبقا للمقررات الدولية ، ولابد أن تتعاون جميع دول المنطقة من أجل بلوغ هذه الأهداف .
ومن الحالات التي يمكن متابعتها في هذا النمط من التعاون يمكن الاشارة إلى :
– الإفادة من إمكانيات التخصيب، على شكل مركز إقليمى لتوليد الوقود النووى عبر تعاون الدول الإسلامية بالمنطقة فى الجانب التقنى
– وفى الجانب السياسى تكثيف الجهود الدولية لإقامة منطقة منزوعة السلاح الدمار الشامل فى الشرق الأوسط

***
فى الختام اقول : إننا ، بلدان هذه المنطقة و الشرق الأوسط، الذين تشدنا قواسم مشتركة كثيرة و متنوعة في الدين و الثقافة و السياسة و الجغرافيا ، نملك جميع المستلزمات لإقامة تعاون بناء ومفيد لجميع شعوبنا وشعوب العالم . فالتحديات الكثيرة القائمة في منطقتنا ، مهمة و خطيرة إلى درجة لا ينبغى لنا أن ننشغل بمجادلات مذهبية و خلافات شخصية و أن نقدم بشجاعة و بصيرة على مثل هذا التعاون الحيوي لمعالجة جذور الأزمات في منطقتنا ، وأن لا نعقد الآمال على أن يحل مشاكلنا من كان لهم الدور الأساس في خلقها وايجادها .

إنها الفرصة الوحيدة للتعامل ، و شعوبنا تنتظر منا عن حق ، بأن لا نضِّيع هذه الفرصة : ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..)) / التوبة الآية 105 .
محمد جواد ظريف
وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية

شاهد أيضاً

شهداء وجرحى بتفجيرات إرهابية في منطقة السيد زينب (ع) بسوريا

استـشهد 6 أشخاص على الأقل وأصيب 23 آخرون الخميس جراء انفجارات في منطقة السيدة زينب ...