الرئيسية / بحوث اسلامية / شبهات بشأن إيمان أبي طالب

شبهات بشأن إيمان أبي طالب

لو سمحتم انا عندي استفسار ضروري بمسألة مهمة جدا أرجو الجواب عليها بأسرع وقت ممكن انا تشيعت بعد طول بحث وتنقيب ولكني تعرضت قبل ايام لكثير من النقاشات على الانترنت وقد لقيت من موقعكم القيم الكثير من العون ولكن هنا بعد عدة نقاشات مع احد الاخوان من السنة في مسألة ايمان ابا طالب واجهت صعوبة في الرد عليه بعدما فند بعض استدلالتكم عن طرق تضعيف الأحاديث بسندها وبما انني لا املك العلم والمراجع في مجال السند ارجو ان تساعدوني بالرد عليه ولكم جزيل الشكر

*************************

كما قال الكيشانى (تخبططات وتعارضات لا يمكن الجمع بينها)

فيقول السيد دلدار علي اللكهنوي الشيعي الاثنا عشري في أساس الأصول (ص51 ط لكهنو الهند): إن الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابل ما ينافيه ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده حتى صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقضين عن اعتقاد الحس..”.
ويقول عالمهم ومحققهم وحكيمهم ومدققهم وشيخهم حسين بن شهاب الدين الكركي في كتابه “هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار” (ص164 الطبعة الأولى 1396هـ): “فذلك الغرض الذي ذكره في أول التهذيب من أنه ألفه لدفع التناقض بين أخبارنا لما بلغه أن بعض الشيعة رجع عن المذهب لأجل ذلك”.
فالتعارض جاءت به روايتهم والتناقض والتضاد منهم بل والكذب انتشر في مجاميعهم الحديثية المعتبرة كما اعترف به أحد علمائهم وهو السيد هاشم معروف الحسيني في كتابه الموضوعات في الاثار والأخبار (ص165، 252 الطبعة الأولى 1973م) قال: “كما وضع قصاص الشيعة مع ما وضعه أعداء الأئمة عدداً كثيرا من هذا النوع للأئمة الهداة ولبعض الصلحاء والأتقياء” وقال أيضاً: “وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجامع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما نجد أن الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا بابا من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة والإساءة إلى سمعتهم..”.
فتستدلون بأحاديث باطله كما يوضح الكتاب
ووالله لقد قرأت كل ماكتبت أنت فاقرأ مانقلته

يطعن الكثير من الشيعة في روايات كفر أبي طالب التي في الصحيحين, وهذا الطعن مردود إذ مبني على التعصب والهوى المذهبي، وعلى عدم الأمانة العلمية وإذا اجتمع التعصب وعدم الأمانة في النقد أصبح البحث أو النقد مردوداً لا قيمة له ..
فهذه كتب الشيعة تشهد بذلك, ففي تفسير القمي لقوله تعالى: (( إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ )) (القصص:56)، قال: (( نزلت في أبي طالب فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: يا عم قل لا إله إلا الله أنفعك بها يوم القيامة، فيقول يابن أخي أنا أعلم بنفسي فلما مات شهد العباس بن عبد المطلب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه تكلم بها عند الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما أنا فلم أسمعها منه وأرجوا انفعه يوم القيامة .. ))(1).
وقال فضل الله الراوندي (الشيعي) في كتابه ” نوادر الراوندي ” (ص10): ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهون أهل النار عذاباً عمي أخرجه من أصل الجحيم حتى أبلغ به الضحضاح عليه نعلان من نار يغلى منهما دماغه ).
وقال المجلسي نقلاً عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: اختلف الناس في إسلام أبي طالب، فقال الإمامية والزيدية: ما مات إلا مسلماً وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك منهم: الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفرالإسكافي وغيرهما، وقال أكثر الناس من أهل الحديث والعامة ومن شيوخنا البصريين وغيرهم: مات على دين قومه ويرون في ذلك حديثاً مشهوراً: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عند موته: قل يا عم كلمة أشهد لك بها غداً عند الله تعالى، فقال: لولا أن تقول العرب أن أبا طالب جزع عند الموت لأقررت بها عينك، وروي إنه قال: أنا على دين الأشياخ ! وقيل: إنه قال: أنا على دين عبد المطلب وقيل غير ذلك .

وروى كثير من المحدثين أن قوله تعالى: (( مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَستَغفِرُوا لِلمُشرِكِينَ وَلَو كَانُوا أُولىِ قُربَى مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُم أَصحَـبُ الجَحِيم وَ مَا كَانَ استِغفَارُ إِبرَهِيم لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبِيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لّلّهِ تَبَرَّأَ مِنهُ )) (التوبة:113-114)، أنزلت في أبي طالب لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر له بعد موته.
ورووا أنّ قوله تعالى: (( إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ )) نزلت في أبي طالب .
ورووا أن علياً (ع) جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد موت أبي طالب فقال له: إنّ عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني فيه ؟ واحتجوا به لم ينقل أحد عنه أنه رآه يصلي، والصلاة هي المفرقة بين المسلم والكافر، وأن علياً وجعفرا لم يأخذا من تركته شيئاً.
ورروا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إنّ الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي وإنه في ضحضاح من نار. ورووا عنه أيضاً إنه قيل له: لو استغفرت لأبيك وأمك فقال: لو استغفرت لهما لاستغفرت لأبي طالب فإنه صنع إليّ ما لم يصنعا،و أن عبد الله وآمنة وأبا طالب في حجرة من حجرات جهنم . انظر كل ذلك في البحار 35/155.

قلت: والأدهى والأمر إنهم لم يفعلوا ذلك في آباء الأنبياء كآزر الذي ذكره القرآن أنه كان كافراً، بينما يعتقد الشيعة أنه ليس بكافر وأنّ الآية نزلت في عمه !!
كما إنهم يستدلون ببعض الروايات في كتب السنة تدل كما يزعمون على إيمان أبي طالب:

الشبهة الأولى: يحتج الشيعة برواية إبن إسحاق: (( قال ابن إسحاق حدثني العباسُ بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس … إلي أن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي عم قلها – أي كلمة التوحيد – استحل لك بها الشفاعة يوم القيامة، فأجابه أبو طالب: يا ابن أخي، والله – لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أنني إنما قلتها فزعا من الموت، لقلتها، ولا أقولها إلا لأسرك بها، فلما تقارب الموت من أبي طالب، نظر العباس إليه فوجده يحرك شفتيه، فأصغى إليه بأذنيه ثم قال: يا ابن أخي لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لم أسمع ))(2).
نقول: إسناده فيه مجاهيل فالسند مبهماً لا يعرف حاله وهو قوله عن بعض أهله وهذا إبهام في الاسم والحال، ومثله يتوقف فيه لو انفرد.. عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس ثقة لكنه لم يذكر من حديثه عن ابن عباس ومن طريقه رواه الحاكم في (المستدرك 2/432): من طريق عباس بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس. ومن طريق الحاكم رواه البيهقي في (الدلائل 2/346) عن عباس بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس.
(تنبيه): في سؤال العباس عن حال أبي طالب ما يدل على ضعف ما أخرجه ابن إسحاق من حديث ابن عباس بسند فيه من لك يسم ” أن أبا طالب لما تقارب منه الموت بعد أن عرض عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يقول لا إله إلا الله فأبى, قال فنظر العباس إليه وهو يحرك شفتيه فأصغى إليه فقال: يا ابن أخي, والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها ” وهذا الحديث لو كان طريقه صحيحاً لعارضه هذا الحديث الذي هو أصح منه فضلاً عن أنه لا يصح. وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود من حديث علي قال: ” لما مات أبو طالب قلت: يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات, قال: اذهب فواره. قلت: إنه مات مشركاً, فقال اذهب فواره ” الحديث .. ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الأحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ولا يثبت من ذلك شيء . والحديث رواه البيهقي في الدلائل (الدلائل 2/346)، وقال: ” هذا إسناد منقطع ولم يكن أسلم العباس في ذلك الوقت ” .

الشبهة الثانية: هي حديث رواه القاضي عياض في كتاب (الشفاء 1/183): ( أن أبا طالب كان يرى بطلان عقيدة قومه من مبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام، فقد ثبت – كما سبقت الإشارة – أنه كان من المتألهين الحنفاء، الذين لم يهيموا بصنم قط، ولم يسجدوا لوثن أبدا، كما كان على ذلك أبوه عبد المطلب تماما ) .
نقول: إنّ هذا ليس دليل على إيمان أبي طالب, فقد روي أن الأخنس بن شُريق التقى بأبي جهل بن هشام فقال له: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادقٌ هو أم كاذب ؟ فإنه ليس عندنا أحدٌ غيرنا فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادق وما كذب قط, ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ؟ فأنزل الله تعالى (( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك )) (الأنعام: 33) .. (تفسير الرازي الكبير 12/205، وصفوة التفاسير 1/383).

الشبهة الثالثة: كيف يكون كافراً من نصر النبي صلى الله عليه وسلم وحماه وذاد عنه ودفع أذى الكفارعن ابن أخيه، وفعل أموراً عجز عنها الكثيرون، فهل تتجرأ أن تقول عليه هذه المقولة الشنيعة، مع العلم أنه كان على دين الحنيفية، دين إبراهيم ! وقال في حقه النبي صلى الله عليه وسلم: ( والله ما نالت مني قريش ما أكرهه حتى مات أبوطالب ) .
نقول: أعمال أبي طالب مذكورة ومعلومة في التاريخ، والرجل لا يُعد من أهل الإسلام إلا بنطق الشهادتين للدلالة على ما في القلب من إقرار وتصديق .

الشبهة الرابعة: كيف يكون عم النبي صلى الله عليه وسلم كافراً ؟!
نقول: وماذا يضر المرء إن كفر أهله أو أحد أبنائه أو إحدى زوجاته، والله يقول (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى )) (القصص:56)، وهؤلاء الأنبياء وهم صفوة الخلق حصل لهم مثل هذه الأمور، ولم يقدح ذلك في سيرتهمِ، أو أن يحط من قدرهم والله سبحانه يقول: (( إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحببتَ وَلَكِنّ اللَّهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ )) (فاطر:18), فهذا الأمر ينبغي علينا أن لا نستنكر وقوعه، لأنه قد وقع للأنبياء السابقين فنوح أحد أبنائه وأيضاً زوجته في النار لكفرهما، وهذا إبراهيم والده كافر، وامرأة لوط في النار، وعم المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أنزلت بسببه سورة ندعو عليه بها وأنه في النار(أبولهب)، فالأمر بيد الله سبحانه يهدي مَن يشاء ويضل مَن يشاء .

الشبهة الخامسة: كيف يشفع النبي صلى الله عليه وسلم لمشرك, مع أن الشفاعة للمؤمنين فقط دون المشركين ؟؟
نقول: إنّ للرسول صلى الله عليه وسلم شفاعة عامة، وهي شفاعته العظمى، وهي على قسمين: ‏شفاعته لأمته، وشفاعة لآحاد الناس، وشفاعته العظمى، هي المقام المحمود، والذي قال ‏عنه: (( عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً )) (الإسراء:79) وذلك حين يبلغ الكرب ‏والغم بأهل المحشر ما لا يطيقون، فيقول بعضهم ألا تنظرون من يشفع لكم عند ربكم ‏فيأتون آدم فيعتذر وهكذا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى حتى يأتون إلى نبينا محمد صلى ‏الله عليه وسلم، فيشفع لجميع الناس، أولهم وآخرهم، وبرهم وفاجرهم، ليخرجوا من ذلك ‏الكرب والهول، إلى عرض الأعمال على الله والمحاسبة كما في الصحيحين من حديث أبي ‏هريرة فشفاعته العظمى ليست مقصورة على المؤمنين، ولا على أمته.‏

أما شفاعته الخاصة لأمته فهي نائلة كل من مات من أمته لا يشرك بالله شيئاً، ففي ‏الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لكل ‏نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ‏فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً”‏ ومن شفاعته الخاصة ببعض الأفراد شفاعته لعمه أبي طالب، ففي الصحيحين عن أبي ‏سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه فقال: “لعله تنفعه ‏شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه”‏ .
وقد استُشكل قوله صلى الله عليه وسلم ” لعله تنفعه شفاعتي” مع قوله تعالى عن ‏المشركين: (( فما تنفعهم شفاعة الشافعين )) (المدثر:48) وللجمع بينهما طريقان
الأولى: ‏أن يقال: إنّ الشفاعة ممنوعة لكل كافر بهذه الآية، الطريقة الثانية: أن يقال إنّ المراد ‏بكونهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين: هو أنهم لا يخرجون بها من النار وليس المراد أنهم لا ‏يخفف عنهم، وخص أبو طالب بالشافعة لثبوت الحديث الصحيح الذي خصص العموم، ‏قال ابن حجر في فتح الباري (وأجيب بأنه- يعني أبا طالب- خص ولذلك عدوه من ‏خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل معنى المنفعة في الآية يخالف معنى المنفعة في ‏الحديث، والمراد بها في الآية الإخراج من النار، وفي الحديث المنفعة بالتحقيق، وبهذا جزم ‏القرطبي وقال البيهقي في البعث، صحت الرواية في شأن أبي طالب، فلا معنى للإنكار من ‏حيث صحة الرواية، ووجهته عندي أن الشفاعة في الكفار قد امتنعت لوجود الخبر ‏الصادق في أنه لايشفع فيهم أحد وهو عام في حق كل كافر، فيجوز أن يخص منه من ‏ثبت الخبر بتخصيصه

الشبهة السادسة: هي استدلالهم ببعض أشعار أبي طالب والتي تفيد أنه مقّر بوجود الله وكل هذا يدل على إيمانه.
نقول: إنّ هذا الكلام ذكره الله تعالى حكاية عن المشركين, فهذا توحيد الربوبية وهو اعتقاد العبد أن الله تعالى هو الرب المنفرد بالخلق والرزق والملك التدبير وانه المحيي المميت النافع الضار المنفرد بإجابة الدعاء عند الأضطرار الذي له الأمر كله وبيده الخير وكله القادر على ما يشاء ليس له في ذلك شريك ويدخل في ذلك الأيمان بـ ( القدر ) وهذا التوحيد لا يكفي العبد في حصول الإسلام بل لابد أن يأتي بلازمة من توحيد الألهيه لأن الله تعالى حكى عن المشركين أنهم مقرون بهذا مقرون بهذا التوحيد لله وحده قال تعالى (( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون )) (يونس:32)
وقال تعالى (( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله )) (الزخرف:88) وقال (( ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله )) (العنكبوت:64) فهم كانوا يعلمون أن جميع ذلك لله وحده ولم يكونوا بذلك مسلمين بل قال تعالى عنهم (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) (يوسف:107) فأيمانهم عنهم هو توحيد الربوبية وأما شركهم وكفرهم فدعاؤهم غير الله تعلى وسؤالهم لأصناهم وتوجههم لهم بالذبح والنذر والتعظيم وزعمهم وغير ذلك من الشركيات وهذا التوحيد لم يذهب إلي نقضيه طائفة معروفه من بني آدم بل القلوب مفطوره على الإقرار به أعظم من كونها مفطوره على الإقرار بغيره.

الشبهة السابعة: روي من طريق محمد بن زكريا الغلابي عن العباس بن بكار عن أبي بكر الهذلي عن الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس قال جاء أبو بكر بأبي قحافة وهو شيخ قد عمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تركت الشيخ حتى آتيه قال أردت أن يأجره الله والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك .. (الرياض النضرة 1/397).
نقول: أن إسناد هذه الرواية واهي, وفيه العباس بن بكار قال الدارقطني: كذاب , وقال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم والمناكير .. (انظر ميزان الاعتدال ترجمة رقم 2 293).

الشبهة الثامنة: وهي بعض الأحاديث الواهية التي يتعلق بها القوم في زعم أن أبا طالب مات مؤمن .
ونقول: قد ذكرها ابن حجر في الإصابة حيث قال: ومن طريق إسحاق بن عيسى الهاشمي عن أبيه سمعت المهاجر مولى بني نفيل يقول سمعت أبا رافع يقول سمعت أبا طالب يقول سمعت بن أخي محمد بن عبدالله يقول إن ربه بعثه بصلة الأرحام وأن يعبدالله وحده لا يعبد معه غيره ومحمد الصدوق الأمين ومن طريق بن المبارك عن صفوان بن عمرو عن أبي عامر الهوزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معارضا جنازة أبي طالب وهو يقول وصلتك رحم ومن طريق عبدالله بن ضميرة عن أبيه عن علي أنه لما أسلم قال له أبو طالب الزم بن عمك ومن طريق أبي عبيدة معمر بن المثنى عن رؤبة بن العجاج عن أبيه عن عمران بن حصين أن أبا طالب قال لجعفر بن أبي طالب لما أسلم قبل جناح بن عمك فصلى جعفر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق محمد بن زكريا الغلابي عن العباس بن بكار عن أبي بكر الهذلي عن الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس قال جاء أبو بكر بأبي قحافة وهو شيخ قد عمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تركت الشيخ حتى آتيه قال أردت أن يأجره الله والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك وأسانيد هذه الأحاديث واهية .. (الإصابة في تمييز الصحابة 4/113-116).

الشبهة التاسعة: ما هي الفائدة من البحث في هل أبا طالب مات مؤمن أو كافر؟
نقول: يجب معرفة هؤلاء هل هم ماتوا على إيمان أو على كفر , وخصوصاً من عاصر منهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان قريب له , فبهذا الحكم تُبنى أحكام شرعية أخرى , فمثلاً لا يجوز أن يكون في سند الرواية أو الحديث شخص غير مسلم , فكيف سنأخذ بالأحاديث ونحن لا نعلم هل هؤلاء الذين نقلوا لنا الحديث مؤمنون أو مشركون ؟! وكذلك لا يجوز أن نطلق على كافر ( رضي الله عنه ) أو ( رحمه الله ) أو أشباه ذلك , ولهذا لزم علينا البحث في التاريخ عن كل ذلك .

الشبهة العاشرة: كيف يكون كافراً وهناك أحاديث عند الشيعة تقول أنه مات مؤمناً ؟؟
نقول: على فرض صحة تلك الأحاديث فإن الشيعة ليس لديهم حديث إلا وله ما يعارضه ويناقضه , وهاك أقوال علماء الشيعة أنفسهم في ذلك: فيقول السيد دلدار علي اللكهنوي الشيعي الاثنا عشري في (أساس الأُصول ص51 ط لكهنو الهند): إن الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابل ما ينافيه ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده حتى صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقضين عن اعتقاد الحس..”.
ويقول عالمهم ومحققهم وحكيمهم ومدققهم وشيخهم حسين بن شهاب الدين الكركي في كتابه (هداية الأبرار إلى طريق الأئمّة الأطهار ص164 الطبعة الأولى 1396هـ): “فذلك الغرض الذي ذكره في أول التهذيب من أنه ألفه لدفع التناقض بين أخبارنا لما بلغه أن بعض الشيعة رجع عن المذهب لأجل ذلك”.

فالتعارض جاءت به روايتهم والتناقض والتضاد منهم بل والكذب انتشر في مجاميعهم الحديثية المعتبرة كما اعترف به أحد علمائهم وهو السيد هاشم معروف الحسيني في (الموضوعات في الآثار والأخبار ص165، 253 الطبعة الأولى 1973م)، قال: “كما وضع قصاص الشيعة مع ما وضعه أعداء الأئمة عدداً كثيرا من هذا النوع للأئمة الهداة ولبعض الصلحاء والأتقياء” وقال أيضاً: “وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجامع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما نجد أن الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا بابا من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة والإساءة إلى سمعتهم..”.

*************************

(1) تفسير القمّي 2: 142 سورة القصص: 56، تفسير البرهان 3: 230.
(2) السيرة النبوية لابن هشام 2: 28.
الجواب:

الأخ ايمن المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل الإجابة على الشبهات بشأن إيمان أبي طالب نودّ الإشارة إلى أنّ جواب ما ذكره في المقدّمة تجده مفصّلاً ضمن عناوين: (ردّ شبهات حول علم الحديث عند الشيعة)، و(شبهات يثيرها المخالفون حول علم الحديث عند الشيعة)، وغيرها في موضوع (الحديث)، وسيأتي.

وأمّا بخصوص الكلام عن إيمان أبي طالب(عليه السلام):
الأوّل: إنّ الرواية جاءت مرسلة في تفسير القمّي، على أنّها قول لعلي بن إبراهيم القمّي؛ فقد جاء قبلها: ((وقال علي بن إبراهيم في قوله: (( أُولَئِكَ يُؤتَونَ أَجرَهُم مَّرَّتَينِ بِمَا صَبَرُوا… )) ثمّ قال: وأمّا قوله: (( إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ )) ))(1)، والنص واضح بأنّه قول لعلي بن إبراهيم، وإذا عرفنا شهرة هذه الرواية بأسانيدها العامّية يتطرق الاحتمال لتحديد المصدر الذي أخذ منه علي بن إبراهيم قوله هذا.
ولعلّ القمّي رضيها لعدم دلالتها على عدم إسلام أبي طالب! فإنّ فيها طلب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) منه أن يجهر بالشهادة، وهذا لا ينفي إقراره بها في السرّ، فإنّ أبا طالب كان يكتم إيمانه كما هو معروف، ومع ذلك فقد شهد العبّاس بأنّه نطق بها في آخر رمق من حياته. وعلى هذا يكون معنى الآية مورد النزول – لو قلنا به – هو: إنّك يا محمّد لم تهدِ عمّك الذي تحبّه، ولكن الله هداه، وهو ما ذكره بعض المفسّرين.
فهذا النصّ بهذه الرواية في تفسير القمّي ليس فيه دلالة على موت أبي طالب مشركاً، ولا حجّة علينا بما ورد عند العامّة في صحاحهم من روايات تذكر شأن النزول لهذه الآية بما يدلّ على بقاء أبي طالب على الشرك.
ويؤيّد ما ذكرنا: ما رواه القمّي بعدها من قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لو قمت المقام المحمود لشفعت في أبي وأُمّي وعمّي وأخ كان لي مؤاخياً في الجاهلية)(2).
وأخيراً نود الإشارة إلى أنّ النصّ الذي أورده هذا المستشكل يختلف عمّا هو موجود في تفسير القمّي! فقد حذف منه بعض الكلمات التي فيها دلالة؛ فإنّ في تفسير القمّي: (ياعمّ قل لا إله إلاّ الله بالجهر انفعك بها يوم القيامة)، فحذفت كلمة (بالجهر)، وكذلك: ((فلمّا مات شهد العبّاس بن عبد المطّلب عند رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه تكلّم بها بأعلى صوته))، فحذف (بأعلى صوته)!

الثاني: إنّ رواية الضحضاح المروية في النوادر نقلها الراوندي عن (الأشعثيات)، ويسمّى (الجعفريات) أيضاً، وكتاب (الأشعثيات) غير معتمد عليه عندنا، وسيأتي الكلام في اعتباره في موضوع: (الكتب)، ضمن عنوان: (كتاب الجعفريات أو الأشعثيات).
ثمّ إنّ هذا الوارد ليس فيه تصريح باسم عمّه المعنيّ؛ فإن كان المقصود أبا طالب فهو كذب صراح، لإجماع أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم على إيمانه، وإن كان المقصود أبو لهب فله وجه.
ثمّ إنّ الأئمّة كذّبوا رواية الضحضاح المروية عند العامّة؛ فعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قيل له: إنّ الناس يقولون: أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه؟ قال(عليه السلام): (كذبوا والله إنّ إيمان أبي طالب لو وضع في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفّة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم)(3).
وعن الرضا(عليه السلام) أنّ عبد العظيم بن عبد الله العلوي كتب إليه(عليه السلام): عرّفني يابن رسول الله عن الخبر المروي أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه.
فكتب إليه الرضا(عليه السلام): (بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنّك إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار)(4).
وعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: (يا يونس! ما يقول الناس في أبي طالب؟) قلت: جعلت فداك، يقولون: هو في ضحضاح من النار، وفي رجليه نعلان من نار يغلي منهما أُمّ رأسه. فقال: (كذب أعداء الله، إنّ أبا طالب من رفقاء النبييّن والصدّيقين والشهداء الصالحين وحسن أولئك رفيقاً)(5).
وفي رواية: قلت لأبي عبد الله: إنّ الناس يزعمون أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار، فقال: (كذبوا، ما بهذا نزل جبرائيل على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، قلت: وبما نزل؟ قال: (أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرّتين، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك، فآتاه الله أجره مرّتين)، وما خرج من الدنيا حتّى أتته البشارة من الله تعالى بالجنّة)، ثمّ قال(عليه السلام): (كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرائيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمّدّ اخرج عن مكّة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب؟!)(6).

الثالث: لم يذكر ابن أبي الحديد المعتزلي ما يمكن الاحتجاج به علينا؛ فهو ذكر آراء المذاهب، وقال: إنّ الإمامية قالت بموته مسلماً بينما المخالفون اختلفوا، فمنهم من قال: أنّه مات على دين عبد المطّلب، وهذا يكفي للاحتجاج به عليهم، مع أنّ ابن أبي الحديد من أهل السُنّة فهو معتزلي، وإقراره بأنّ الإمامية تقول بإيمان أبي طالب يكفي في ردّ هذا المستشكل.
وما ذكره من الآيات القرآنية وتفسيرها والروايات كلّها من قول المخالفين، فهو بصدد ذكر آرائهم واحتجاجاتهم على غيرهم، وهي ليست بحجّة علينا؛ لأنّها لم تثبت عندنا بشكل يمكن الاحتجاج به علينا، مع أنّه نقل جواب الشيعة على ما أورده، فليت هذا المستشكل جاء بكلام ابن أبي الحديد كاملاً حتّى يكون منصفاً!
ثمّ إنّه لا نعلم ما هو الأدهى في إثبات كون آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأنبياء كافّة مؤمنين غير كافرين، فهلا فرح بذلك، وما كان عليه لو كان آزر عمّ إبراهيم(عليه السلام) لا أبوه، ومع ذلك فقد مضى الكلام في الجواب على دعوى كفر آباء الأنبياء في العنوان السابق؛ فليراجع!

الرابع: إذا لم يكن حديث العبّاس بن معبد صحيحاً فإنّه يصلح شاهداً على تلك الأحاديث التي تشير إلى إيمان أبي طالب، مع أنّ الشيعة لا تستدلّ على إيمان أبي طالب بهذا الحديث، لأنّهم يثبتون له الإيمان قبل ذلك، ولكن كان يكتمه؛ فراجع استدلالهم تعرف!
ومع ذلك نعجب من هذا المستشكل الذي قَبل أنّ هذا الحديث يدلّ على إيمان أبي طالب، ولكنّه ردّه سنداً، مع إنّه نفس مضمون الحديث الذي نقله القمّي في تفسيره, ولكن جعله هناك يدل على عدم إسلام أبي طالب؛ لأنّه ورد من طريق الشيعة!

الخامس: إنّ الحديث المنقول عن القاضي عياض لا نعرفه، وإن كان فيه دلالة على كون أبو طالب من الحنفاء، فهو يدلّ على كونه موحّداً لا يعبد الأصنام، فلا ينقض عليه بأنّ أبا جهل كان يعتقد صدق النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومع ذلك لم يسلم وبقي يعبد الأصنام، ثمّ إنّه شتّان ما بين فعلهما! فأبو طالب دافع عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بينما أبو جهل عادى النبيّ(صلى الله عليه وآله).

السادس: القول بأنّ الرجل لا يعدّ من أهل الإسلام إلاّ بنطق الشهادتين، فيه مغالطة واضحة هنا؛ فهو مردود صغرى في أبي طالب، وغير مقبول على إطلاقه في الكبرى..
فأمّا الصغرى: فلا نسلّم بأنّ أبا طالب لم ينطق بالشهادتين، نعم لم ينطق بها علناً ولم يشهر إسلامه أمام قومه، ورواياتنا كثيرة في أنّه كتم إيمانه.
ولو أردنا أن نبحث عن إسلام جميع الصحابة لَما وجدنا في التاريخ من يشير إلى النطق بالشهادتين لكثير من الصحابة، ولكن يعرف إسلامهم من خلال أفعالهم وسلوكهم، كذلك أبو طالب، فكلّ أفعاله تشير إلى إسلامه، فإذا لم تجدوا رواية عندكم تشير إلى نطقه بالشهادتين فهل معنى ذلك كفره وعدم إسلامه، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تقولون بكفر الآف الصحابة الذين لم يعثر لهم على النطق بالشهادتين.
وأمّا الكبرى: فإنّ عدم النطق بالشهادتين لعذر لا لعناد، مع الإيمان الباطني، يخرج صاحبه عن المعاند، نعم لا تجري عليه أحكام الإسلام لعدم علمنا بإسلامه، ولكن إيمانه الباطني ينفعه عند الله.
هذا، وأمّا إذا تحقّق لنا عذره والغرض من عدم جهره بالشهادتين وأنّه مقرّ بهما في قلبه وما يظهر من إشارته وكنايته في كلامه، بل إقراره بهما علناً، ولكن بألفاظ أُخرى كما في شعر أبي طالب، فإنّا نحكم بإسلامه حسب علمنا بأنّه يكتمه.

السابع: نحن لا نقول بإسلام أبي طالب لمجرّد كونه عمّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل نقول: إنّه كان زوجاً لفاطمة بنت أسد، وهي مسلمة بلا خلاف، ومع ذلك لم يفرّق النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بينها وبينه، كما فعل مع غيره، وهذا يشير حتماً إلى إسلامه.

الثامن: صريح القرآن يشير إلى عدم انتفاع بعض الناس بشفاعة الشافعين أصلاً، وهم الكافرون والمشركون..
قال ابن حجر في فتح الباري: ((قال ابن بطال: أنكر المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أُدخل النار من المذنبين وتمسّكوا بقوله تعالى: (( فَمَا تَنفَعُهُم شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )) وغير ذلك من الآيات، وأجاب أهل السُنّة بأنّها في الكفّار))(7).
وجاءت الشفاعة في الآية مطلقة، فالمنفي عن الكافرين والمشركين جنس الشفاعة، أي جميع مراتبها حتى التخفيف، والآيات الدالّة على ذلك كثيرة في القرآن(8)، والرواية باختصاصها بأهل لا إله إلاّ الله مشهورة معروفة عندكم؛ فقد رواها أحمد، وهي: (قيل لي سل فإنّ كلّ نبيّ قد سأل، فأخّرت مسألتي إلى يوم القيامة فيه، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلاّ الله)(9)، وقال عنه في (مجمع الزوائد): ((رواه أحمد ورجاله ثقات))(10).
وكتاب البخاري الصحيح عندكم يشير إلى انتفاع أبي طالب بالشفاعة، فالجمع يكون أنّ أبا طالب غير داخل في هذا القسم الذي أشار لهم القرآن بعدم الشفاعة، بل في قسم أهل لا إله إلاّ الله.
ثمّ إنّ هذا المستشكل خبط خبط عشواء؛ إذ قسّم الشفاعة إلى قسمين: شفاعة عامّة، وسمّاها: العظمى، وهي تشمل أمّته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآحاد الناس، ثمّ قال: إنّها تشمل كلّ الناس برّهم وفاجرهم, وهذا أوّل خبط وتناقض, ثمّ قال: وهناك شفاعة خاصّة وهي تشمل أمّته من أهل لا إله إلاّ الله, وقال بعد ذلك: ومن شفاعته الخاصّة شفاعته لعمّه أبو طالب، مع إنّه لا يقول بإسلام أبي طالب, وهذا ثاني خبط وتناقض!
على أنّ علماءكم قد نصّوا على أنّ الشفاعة العامّة هي رفع الكرب يوم الحساب؛ قال في فتح الباري: ((لكن الشفاعة التي وردت في الأحاديث المذكورة في المقام المحمود نوعان، الأوّل: العامّة في فصل القضاء، والثاني: الشفاعة في إخراج المذنبين من النار))(11)، فلا علاقة للشفاعة العامّة بالنار أصلاً.
والشفاعة الثانية المختصّة بمن لا يشرك بالله شيئاً هي الإخراج من النار، ومن الواضح دخول أبو طالب فيها؛ لأنّ الضحضاح في النار.
وأمّا تمحّل ابن حجر في أنّ الحديث الصحيح (أي: حديث الضحضاح) خصّص العموم (أي: العموم في الآية)، فهو موهون بالأحاديث الكثيرة التي تحصر الشفاعة بمن قال: لا إله إلاّ الله، بل ورد في الحديث أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) علّق شفاعته لعمّه بقوله لا إله إلاّ الله؛ فقد روى ابن هشام أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جعل يقول له: (أي عمّ فانت فقلها أستحلّ لك بها الشفاعة يوم القيامة)(12)، وصحّحه الحاكم في المستدرك(13).
وبهذا سقط القول بأنّها من خصائص النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أن هدمنا أساسه.
وأمّا قول القرطبي باختلاف معنى المنفعة في الآية والحديث، وأنّها في الحديث بمعنى التخفيف، فقد رددناه آنفاً مع أنّه تأويل خلاف الظاهر ليس عليه دليل.

التاسع: كيف يكون كافراً من يقول: أنّ محمّداً نبيٌّ! فهو يقول:

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً ***** نبيّاً كموسى خط في أوّل الكتب

فهاهنا خرج أبو طالب عن ما مثله من المشركين لو قبلنا بما فهمه من الآيات بخصوصهم, ونحن مع ذلك لا نسلّم له هذا الفهم، فهو فهم سقيم يحمّله الوهابية وأتباع ابن تيمية على الآيات, وإلاّ فإنّ المشركين كانوا يعبدون الأصنام، وقد فصّل العلماء في جواب هذه الشبهة والردّ عليهم، وليس هنا محلّه.

العاشر: هناك طريق آخر لحديث أبي بكر الذي يشير إلى إسلام أبي طالب، وهو ما رواه الطبراني، قال: ((حدّثنا محمّد بن علي بن المديني فستقة، ثنا أبو عمر حفص بن عبد الله الحلواني، ثنا بهلول بن مورق الشامي، عن موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: جاء أبو بكر…))(14).
وآخر أيضاً مرسل رواه ابن عساكر في تاريخه بسنده عن ليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد(15).

الحادي عشر: ابن حجر ضعّف الأسانيد التي ذكرها في كتابه (الإصابة).
وهناك أسانيد أُخرى للأحاديث المذكورة، فقوله: إنّ الأسانيد واهية لا يضعف الأحاديث المذكورة بعد ورودها بطرق أُخرى.

الثاني عشر: نحن معك في لا بدّية البحث عن إيمان أبي طالب، بل وغيره من الصحابة، ولو بحث بحال بعض الصحابة مثل ما بحث في إيمان أبي طالب لوجد إيمان كثير من الصحابة مشكوكاً.

الثالث عشر: وجود الأحاديث المتعارضة عندنا لا يعني عدم قدرة الوصول إلى الحقيقة من ورائها، فيطرح بعضها، ويرجّح بعضها وفق مرجّحات نصّ عليها عندنا, ومع ذلك فهذه دعوى، وقد أجبنا على ما توهمه حديثاً معارضاً لإيمان أبي طالب من تفسير القمّي في النقطة الأولى.

الرابع عشر: المغيرة بن شعبة معلوم فسقه عندكم وعندنا، ولا يكفي تطبيق الآية عليه؛ فإنّها حتّى لو انطبقت لا تعطي العصمة لأعماله اللاحقة، وأعماله اللاحقة تنبئ عن فسقه (( إِن جَاءكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا… )) (الحجرات:6).
ودمتم في رعاية الله

(1) تفسير القمّي 2: 142.
(2) تفسير القمّي 2: 142
(3) الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: 85.
(4) الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: 82.
(5) كنز الفوائد: 80.
(6) الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: 83.
(7) فتح الباري 11: 368 باب (صفة الجنّة والنار).
(8) انظر: كتاب الغدير 8: 24.
(9) مسند أحمد 2: 222.
(10) مجمع الزوائد 10: 367.
(11) فتح الباري 11: 369.
(12) سيرة ابن هشام 2: 284 أبو طالب لا يعطي قريشاً فيطمع رسول الله في إيمانه.
(13) المستدرك على الصحيحين 2: 336 ذكر موت أبي طالب.
(14) المعجم الكبير 9: 40.
(15) تاريخ مدينة دمشق 66: 432 أبو طالب.

 

د. جواد كاظم منشد / العراق

تعقيب على الجواب (1)

أوّلاً: هل يستطيع من يعتقد بكفر أبي طالب أن يثبت كفره بأدلّة عقائدية أو تاريخية قبل الإسلام؟
هل هناك من روايات تشير إلى أنّ أبا طالب كان يعبد الأصنام منذ صباه حتى نهاية حياته؟

ثانياً: من الأدلّة على إيمان أبي طالب(عليه السلام): مواقف معاوية من أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ فالمعلوم أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) أنزله الدهر حتى قيل: عليّ ومعاوية، فكان أن دخل أمير المؤمنين(عليه السلام) في صراع فكري، وحينما احتجّ معاوية على أمير المؤمنين(عليه السلام): ((إنّا نحن بنو عبد مناف))، ردّ عليه أمير المؤمنين(عليه السلام) في رسالة منها: (ولكن ليس هاشم كأُميّة، ولا عبد المطّلب كحرب، ولا أبو طالب كأبو سفيان، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق…)، وهنا لو كان أبو طالب كافراً لردّ معاوية أنّ أباه أبو سفيان مسلماً – على قولهم – وأنّ أبا طالب كافراً، ولكنّه لم يردّ، ولم يصدر عن معاوية شيء من هذا القبيل.
والسلام عليكم.

 

 

شاهد أيضاً

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني45

32)وهذا كله على تقدير تحقق الإساءة إليك من الغير ، وإلا فعلى تقدير أنك ظالم ...