التاريخ المعاصر لمنطقة الشرق الاوسط ، بغض النظر عن الجهة التي كتبته ، يتحدث وبشكل واضح وغير ملتبس ولا يقبل التأويل ، عن دور في غاية السلبية للمملكة العربية السعودية ازاء قضايا الامتين العربية والاسلامية ، وهو دور تابع بالمطلق للسياسة الامريكية المعادية دوما لتطلعات شعوب هذه المنطقة ، والمتماهي الى درجة التماثل مع المخططات الصهيونية العالمية ، في استهداف كل عناصر القوة والعزة والمنعة في الامة.
قد يقول قائل انه من السهل ان يكيل المرء الاتهامات للسعودية او لاي بلد اخر ، كما يفعل صاحب المقال الان ، وهي ممارسة اصبحت نمطية هذه الايام ، دون ان يقف امام ممارسها اية قيد اخلاقية او اعتبارات مهنية ، ولكننا لسنا هنا من باب من يكيل الاتهامات للسعودية وسياستها ، جزافا وحقدا وتجنيا ، فمقولة : ان السياسة السعودية تعتبر عاملا مساعدا للسياستين الامريكية و “الاسرائيلية ، في المنطقة ، بحكم البديهيات ، وفقا للتاريخ المكتوب ، عربيا وغربيا وامريكيا وحتى “اسرائيليا”.
فهذه العلاقة الاستثنائية بين امريكا والسعودية باتت معروفة للقاصي والداني ، حتى وصل الامر بالمرشح الجمهوري دونالد ترامب المطالبة بتعويضات مقابل حماية السعودية ، ففي حديث لقناة “إن بي سي” قال ترامب : “سواء أحببنا ذلك أم لم نحببه، لدينا أشخاص دعموا السعودية.. أنا لا أمانع بذلك ولكننا تكبدنا الكثير من المصاريف دون أن نحصل على شيء بالمقابل.. عليهم أن يدفعوا لنا .. لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى”..”
هذا الكلام غيض من فيض ، ولا حاجة لنا بتكرار تصريحات زعماء “اسرائيل” والعلاقات الودية التي تربطهم ببعض الزعماء الخليجيين وخاصة السعودية ، واللقاءات التي اضحت علنية بين مسؤولي البلدين ، وما يقال عن لسانهم بشأن ضرورة التحالف بينهم من اجل التصدي لخطر “ايران والشيعة”ّ! على “السنة واسرائيل “!!!.
العلاقة بين الوهابية والصهيونية ، والتي يصفها البعض خطأ بالشاذة ، فهي في الحقيقة طبيعية جدا ، بين مفكرين يقومان على مبدأ واحد وهو : تفتيت الامة وتشتيت شعوبها ، هذه العلاقة كانت مكشوفة و واضحة لاغلب النخب العربية والاسلامية منذ البداية ، فلم تقدم الوهابية ومنذ زرعها في جزيرة العرب على فعل يمكن ان يكون اساسا لنهضة الامة على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، كما لم تقدم الوهابية ومنذ ظهورها على فعل يمكن ان يهدد وجود “اسرائيل” او يعرض المشروع الغربي في المنطقة للخطر ، بل على العكس تماما ، كانت الوهابية تعمل لتعبيد الطريق امام الغرب وامريكا للهيمنة على الشعوب العربية والاسلامية ، فقد كانت من اهم اسباب ضياع فلسطين.
التطبيقات العملية للوهابية على الارض العربية ، والتي صبت من الفها الى يائها في صالح “اسرائيل” ، التي اخذت تتنفس الصعداء ، تمثلت في انهيار الجيوش العربية واحدا تلو الاخر ، وانشغال بعضها في محاربة الفتن الطائفية التي زرعتها الوهابية في البلدان العربية ، كما يحصل الان في سوريا والعراق وليبيا ومصر ولبنان وباقي الدول الاخرى ، بعد ان غزتها جيوش الظلام من العصابات التكفيرية التي تحمل الوهابية عقيدة ودينا.
اخر التطبيقات العملية للوهابية ، هو ما يجري اليوم في اليمن ، ففي الوقت الذي كان الشعب اليمني قاب قوسين او ادنى من تطهير ارضه من دنس العصابات التكفيرية القاعدية ، بهمة الجيش وحركة انصارالله ، فاذا بالعدوان السعودي الظالم والغاشم ، المستمر منذ ستة اشهر ، ينفخ في جثة القاعدة والمجماعات التكفيرية الحياة ، عبر دعمها بكل اسباب القوة ، من اسلحة واموال وقصف عشوائي طال كل شيء ، بهدف اضعاف الجيش وحركة انصارالله ، وبعد نحو 5 اشهر تكمنت القاعدة والوليد السعودي الجديد في اليمن “داعش” وميليشيا الاصلاح التكفيرية وبعض المحسوبين على الحراك الجنوبي ، من ايجاد موضع قدم في عدن وبعض المحافظات الجنوبية ، وبذلك تكون السعودية ، كما كانت في العراق وسوريا وليبيا وغيرها ، قد قدمت مناطق من اليمن للقاعدة و “داعش” وباقي التكفيريين على طبق من ذهب.
بعد ان احتفلت السعودية وقطر والامارات بانتصار تحالفهم في “عدن” في استديوهات قناتي “العربية” السعودية ، و”الجزيرة” القطرية ، قبل نحو 50 يوما من الان ، وكان من المقرر ان ينتقل نائب الرئيس اليمني المستقيل والهارب عبد ربه منصور هادي ، خالد بحاح الى عدن لادارة شؤون اليمن من هناك ، فاذا باعلام القاعدة ترفرف على المباني الحكومية في عدن ، وباقي المناطق التي انسحب منها الجيش اليمني ومقاتلي حركة انصارالله ، كما لم تمض سوى ايام على “تحرير السعودية لعدن” ، حتى نسف انفجار كبير قصر الامن السياسي في مديرية التواهي في مدينة عدن، كما بدات القاعدة و “داعش” تصفية ومطاردة رفاق الامس من مرتزقة السعودية ، فقد اقدم مسلحون على اغتيال العقيد عبد الحكيم السنيدي، مدير عمليات امن عدن الموالي لعبد ربه منصور هادي ، وكذلك تم اغتيال حمدي زين نصر الشطيري احد قياديي ما يعرف ب”المقاومة الشعبية” والحراك الجنوبي، فيما نجا احمد سالم ربيع وكيل محافظة عدن من محاولة اغتيال اصيب فيها اثنان من مرافقيه.
بعض المناطق الجنوبية لليمن والتي “حررتها السعودية من الجيش اليمني” ستكون مسرحا لقتال دام بين مرتزقة السعودية من القاعدة و “داعش” وبعض دعاة الانفصال وميليشيا الاصلاح ، لاسيما ان هذه الجماعات قد تم تسليحها باسلحة متطورة من قبل السعودية ، الامر الذي سيحرق ما لم تحرقه الطائرات السعودية خلال الاشهر الماضية ، ويدخل جنوب اليمن في اتون حرب في غاية القسوة ، لا يعرف الا الله تداعياتها ومالاتها.
للاسف الشديد ، ان العالم كله لم يكن يتفرج على العبث السعودي المقصود والغبي في اليمن فحسب ، بل كان يساعد السعودية على تنفيذ اجندتها الكارثية في هذا البلد صاحب الموقع الاكثر من استراتيجي ، مقابل صفقات اسلحة ، ومساعدات مالية ، وامعانا في نشر الفوضى والدمار في دول المنطقة ، بينما من الصعب جدا تصور ان يسود اي هدوء في المنطقة ، واليمن يغلي بالصراعات ، فمن الخطا الاكتفاء بوصف القرار السعودي في احراق اليمن بالغبي والصبياني ، او انه يأتي في اطار تنفيذ وصية الملك المؤسس ، في ابقاء اليمن ضعيفا ، عبر اشغاله بالفتن والحروب ، فالامر ابعد من ذلك بكثير ، انها امريكا التي تستخدم الوهابية كسم زعاف لاضعاف الجسد العربي والاسلامي وشله ، ليصبح عاجزا امام وقف تمدد الغدة الصهيونية السرطانية ، لذلك علينا ان نبحث عن السعودية اذا ما حلت فتنة ما في اي بلد عربي او اسلامي.
نقلاً عن موقع شفقنا