21
تفسير سورة الإخلاص
(قل هواللّه أحد) معناه أنه غيرمبعض ، ولا مُجَزّأ، ولا موهم ، ولا توجد عليه الزيادة والنقصان .
(اللّه الصمد) عني بالصمد السيد المطاع الذي ينتهي إليه السؤدد، وهوالذي تَصَمَّد على الخلائق ، وتَصمد الخلائق إليه .
(لم يلد ) كما قالت اليهود لعنهم اللّه : عزير بن الله.
(ولم يولد) كما قالت النصارى لعنهم اللّه : المسيح الله.
(ولم يكن له كفواً أحد) أي ليس له ضد، ولاند، ولاشريك ، ولا شبه ، ولا معين ، ولا ظهير، ولا نصير، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
* * *
===============
خطبة بليغة عن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام ، ليس فيها ألف (1) :
«حمدت من عظمت مِنَّتُه ، وسبغت نعمته ، وتمت كلمته ، وسبقت رحمته ، ونفذت مشيئته ، وفالحت حجته ، حمد مْقِرٍ بربوبية، متخضع لعبوديته ، مؤمن بتوحيده ، و وحّدته توحيد عبد مذعن بطاعته (2)، متيقن يقين عبد لمليك ليس له شريك في ملكه ، ولم يكن له ولي في صنعه ،عجزعن وصفه من يصفه ، وضلّ عن نعته من يعرفه ، قرب فبعد، وبعد فقرب ، مجيب دعوة من يدعوه ويرزقه ويحبوه ، ذو لطف خفي ، وبطش قوي ، ورحمة موسعة،وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مونقة، وغضبهُ نقمة ممدودة موبقة .
وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله ونبيه وحبيبه وخليله ، بعثه من خير عنصر، وحين فترة، رحمةً لعببده ، ومنةً لمزيده ، وختم به نبوته ، ووضح به حجته ، فوعظ ونصح ، وبلَّغ وكدح ، رؤوف بكل عبدمؤمن ، سخي رضي زكي ،عليه رحمة وتسليم وتكريم ، من رب غفوررحيم قريب مجيب .
وَصّيتكم – معشرمن حضرني – بوصية ربكم ، وذَكَّرتكم سنة نبيكم ، فعليكم برهبة ورغبة تسكن قلوبكم ، وخشية تجري دموعكم ، قبل يوم عظيم مهول يلهيكم ويبكيكم ، يوم يفوزفيه من ثقل وزن حسنته وخف وزن سيئته ، وليكن مسألتكم مسألة ذل وخضوع وخشوع ، ومسكنة وندم ورجوع ، فليغتنم كل منكم صحته قبل سقمه ، وشبيبته قبل هرمه ، وسعته قبل فقره ، وفرغته قبل شغله ، وحضره قبل سفره ، قبل يهرم ويمرض ويمل ويسقم ، ويمله طبيبه ، ويعرض عنه حبيبه ، وينقطع منه عمره ، ويتغيرعقله وسمعه وبصره ، ثم يصبح ويمسي وهوموعوك وجسمه منهوك ، و حُدِيَت نفسه ، وبكت عليه عرسه ، ويتم منه ولده ، وتفرق عنه جمعه وعدده ، وقسم جمعه ، وبسط عليه حنوطه ، وشدّ منه ذقنه ، وغسل وقمص وعمم ، وودع وسلم ،
____________
1 – ذكر الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 393،بسنده عن أبي صالح ، قال : جلس جماعة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يتذاكرون فتذاكروا الحروف وأجمعوا ان الألف اكثر دخولاً في ألكلام من سائر الحروف ، فقام مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ،فخطب هذه الخطبة على البديهة فقال : .. .
2 – كذا في الأصل ، وفي مواضع اُخر وهومخالف لشرط الخطبة، ولم يرد المقطع الأخير في شرح النهج لابن أبي الحديد وكفاية الطالب وكتزالعمال ومصباح الكفعمي ، فتأمل .
===============
وحمل في سرير، وصُلي عليه بتكبير، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منضدة، وفرش ممهدة، فجعل في ضريح ملحود، وضيق مسدو فى بلبنٍ جلمود، وهيل عليه عفره ، وحثي عليه مدره ، ومحي منه اثره، ونسي خبره ، ورجع عنه وليده وصفيه و حبيبه وقريبه ونسيبه ،فهو حشو قبره ، ورهين سعيه ، يسعى في جسمه دود قبره ، ويسيل صديده من منخره وجسمه ، ويسحن (1) تربه لحمه ، وينشف دمه ، ويرم عظمه ، فيرتهن بيوم حشره ، حتى ينفخ في صوره ، وينشرمن قبره ، فلاينتصر بقبيلة وعشيرة، وحصلت سريرة صدره ، وجيء بكل نبي وشهيد وصديق ونطيق ، وقعد للفصل عليم بعبيده خبير بصير. فحينئذ يلجمه عرقه ، ويحرقه قلقه ، وتغزرعبرته ، وتكثر حسرته ، وتكبرصرعته ،حجته غيرمقبولة، نشرت صحيفته ، وتبينت جريمته ، ونظرفي سوء عمله ، فشهدت عينه بنظره ، ويده بلمسه ، وفرجه بمسه ، ورجله بخطوه ، ويهلكه منكرونكير، وكشف له حيث يصير، فسلسله وغلغله ملكه بصفد من حديد، وسيق يسحب وحده فورد جهنم بكرب شديد، وغم جديد، في يد ملك عتيد، فظل يعذب في جحيم ، ويسقى من حميم ، يشوى به وجهه ، وينسلخ منه جلده ، بعد نضجه (2) جديد.
فمن زحزح عن عقوبة ربه ، وسكن حضرة فردوس ، وتقلب في نعيم ، وسقي من تسنيم ، ومزج له بزنجبيل ، وضُمِّخ بمسك وعنبر، مستديم للملك مقيم في سرورمحبور، وعيش مشكور، يشرب من خمور، في روض مغدق ، ليس يصدع عن شربه .
ليس تكون هذه إلاّ منزلة من خشي ربه ، وحزن نفسه ، وتلك عقوبة من عصى منشئه وربه ، وسولت له نفسه معصيته ودينه (3)، ذلك قول فصل ، وحكم عدل ، خيرقصص قص ، [ووعظ نص ، تنزيل من حكيم حميد، نزل به روح قدس مبين على قلب نبي مهتد رشيد](4) صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة، ورب كل مربوب ، وعلى درسه ذوي طهرغيرمسلوب ، وعلى كل مؤمن ومؤمنة، والسلام »(5) .
____________
1 – سحنت الحجر: كسرته (الصحاح 5: 2133).
2 – كذا في الأصل : ولعل الصواب ما في الشرح الحديدي : ويعود جلده بعد نضجه كجلد جديد.
3 ـ كذا، ولعل الصواب : وذنبه .
4 – أثبتناه من شرح نهج البلاغة .
5 – وردت الخطبة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 140 ، وكفاية الطالب : 393، ومصباح الكفعمي : 741، وكنزالعمال 16: 208 | 44234 .
===============
** يقول العبد الفقير أبومحمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد ألديلمي ، أعانه اللّه على طاعته ، وأمده اللّه برأفته ورحمته ، ممل هذه الخطب المتقدمة : اني وجدت كلمات بليغة في توحيد اللّه وتمجيده – جل وعز- فأضفت إليها ما سنح من فتوح اللّه تعالى في خاطري، فأحببت إثبات ذلك ، وهي :
إن نفي العلل عن اللّه تعالى، يشهد له بحدث خلقه ، وإخراجه له من العدم ، إذ العلل لاتحل إلا معلولاً، ولايكون المعلول إلا محدثا، للزوم صفات الحدث فيه ، والقديم سبحانه وتعالى لاتحل فيه الصفات لسبب ، لأن السبب لازم للمتوقع الزيادة، والخائف النقص من غيره ، الفقيرإلى الموجد ذلك فيه ، الذي باتحاده يجد ما يتوقع .
والقديم هوالغني الحميد، الذي لاوقت له ، ولا حال من احلها كان ، ولا كانت له صفة من احل الحال ، والأحوال لاتجوزعليه ، ولايدخل تحت الصفة والدوائر، ولا عليه حجب وسواتر، ولا ساعات وشعاثر، ولاحاجة به إلى الكون ، إذ وجوده كفقده ، لم يأنس به ، ولم يستوحش لفقده ، ولا فقد عليه ، ومرجع كل شيء إليه ، كما هوالمبدىء المعيد، الفعال لما يريد، أزلي أبدي ، أزلي القدرة والعلم والحكم والنظر والإحاطة، أزلي الوجود والبقاء، مستحق لها بحقائقها، وله الشأن الأعظم ، والجد المتعالي ، والعلو المنيع ، والإمتناع القاهر، والسلطان الغالب ، والغلبة النافذة، والقوة الذي (1) لايعجز، إذ لافترة ولا مانع ، و(لاثم )(2) ليس لمراده دافع ، ولايستصعب عليه شيء أراده ، ولا به إلى ما أراد تكوينه وطر، إذ هوالغني غاية كل غاية، متفضل بما فطر، من غير قضاء وطر، فطر ما فطر، وعنصر العناصر، لإظهار قدرته وملكه ، وإظهار جوده وطوله وإحسانه ، وفيض الكرم الباهر، والجود الفائض ، وهوالجواد الفياض ، وليعرفوه ولايجهلوه ، ولم يك قط مجهولاً، ولاعلمهم به محيط .
لايقدر أحد قط حقيقة قدره ، إذ قدره لايقدر، ووصفه لايقرر، وهوالقدير الأقدر، المتعزز عن كون مع أزل له مقرر، المتعالي عن مدبرمعه دَبَّر، قدر الكون بتقديره ، حتى أخرجه إلى التكوين بتدبيره ، وليس للتقدير والتدبير فكر ولا خاطر، ولا حدوث عزم ، ولا يضمر في إرادة، ولايهم في مشيئته ، ولا روية في فعل ، ولا غلبة فوت ، عزَّ أن يستصعب عليه شيء أراده ، أيفوته شيء طلبه !؟ قدّم وأخّر حسب حكمته وهو المقدم
____________
1 – كذا والظاهر أن الصواب : التي .
2 – كذا ، والظاهر زيادتها .