الرئيسية / القرآن الكريم / القرآن الكريم والصراع على الإسلام

القرآن الكريم والصراع على الإسلام

تتمة – أطروحة الجهاد على ضوء القرآن الكريم – الشيخ مصطفى قصير1

دائرة الدفاع لدفع الظلم

ومن الجدير بالذكر هنا أن الدفاع لدفع الظلم له دائرة واسعة تتناول ما يلي:

أولاً: الدفاع عن الثروات المستهدفة والتي يطمع بها الأعداء.
ثانياً: الدفاع عن السيادة والاستقلال والأمن الإجتماعي.
ثالثاً: الدفاع عن الأرض والسماء.
رابعاً: الدفاع عن الحريات، حرية الأفراد، وحرية الأمة وعلى رأسها حرية التفكير وإبداء الأفكار وعرضها.

هذه الحقوق الإنسانية ليس من حق أحد أن يتنازل عنها، ولا أن يفرط بها ولا يمكن لأمة أن تعيش كأمة دون قوة رادعة تحمي هذه الحقوق.

“وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ”. (البقرة/25).

“وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”. (الحج/40).

هذه الآية الأخيرة جاءت بعد آية الإذن بالقتال مباشرة والتي علّلت الإذن بالعدوان الواقع:
“أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ..”. (الحج/39-40).

فالقتال لإزالة العوائق عن طريق الدعوة إلى الله عندما يصر الظالمون على سد الطريق بها ومنع صوت الدعوة من الوصول إلى كافة الناس، مثل هذا القتال يأخذ طابع الدفاع عن الحقوق الإنسانية، لأن من حق كل إنسان أن يسمع نداء الحق.

ويمكن لنا من خلال استعراض السيرة الجهادية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نتلمس تفسيراً عملياً لآيات الجهاد.

السياسة الجهادية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم

من الواضح لكل من قرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه ومنذ الأيام الأولى لبعثته المباركة واللحظات الأولى للانطلاق في الإنذار والتبليغ، واجه مصاعب جمة ومشكلات عصيبة، وقابله قومه بالجمود والرفض، وشنّوا ضده حرباً إعلامية نفسية مفتوحة لم توفر سلاح الدعاية والتشويه والتشنيع والاتهامات والدعاوى الكاذبة في سبيل إسقاطه بين الناس والطعن في شخصيته ومكانته كما هي طريقة أهل الجحود والعناد في كل عصر.

وقد تطورت حربهم ومواجهتهم مع الأيام، وكلما اكتشفوا تأثيره على الناس، إلى الاعتداء على شخصه الشريف وتعذيب أصحابه الضعفاء حتى استشهد منهم من استشهد تحت وطأة التعذيب.

ولم يكن يمنعهم آنذاك من التفكير بقتله إلا الخوف من أبي طالب رحمه الله، هذا بالإضافة إلى أنهم لم يكونوا حتى ذلك
الوقت يدركون حجم الخطر الواقعي الذي يشكله عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودينه الجديد.

واشتدت المحنة على الذين دخلوا في الإسلام وعلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبني هاشم عامة، فكان الحصار الذي فرض على بني هاشم والذي استمر ثلاثة أعوام منعوا خلالها من الاتصال بالناس ومن التعامل معهم ومبايعتهم بشكل تام.

وكانت أيضاً بسبب ذلك هجرة المسلمين إلى الحبشة بعد الضغط وممارسات التعسف والاضطهاد والفتنة، وقد حاولت قريش اللحاق بهم إلى الحبشة عبر مبعوثيها لتأليب الأجواء عليهم هناك والسعي لاستعادتهم ليكونوا تحت الرقابة المباشرة والحصار.

في مثل هذه الإجواء مرت المرحلة المكّية من حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والتي استمرت ثلاث عشرة سنة من الصبر والمعاناة وتحمل الشدائد في سبيل نشر معالم الدين وإيصال صوت الإسلام إلى الناس، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طيلة تلك المدة يأذن لأحد من المسلمين باللجوء إلى السيف رغم الاستفزازات المستمرة والصعوبات البالغة، ولقد كاد الكثير من المسلمين أن يفقد صبره وتحمله، إلا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يحرص على عدم الدخول مع قومه والرافضين لرسالته بأي عمل عسكري أو مواجهة مسلحة، وكثيراً ما كان يلجأ إلى شراء العبد الذي يدخل الإسلام واعتاقه لانقاذه من الفتنة والبلاء الذي ينصب عليه من قبل مولاه إذا أسلم.

وكان يأمر الضعفاء بكتمان إيمانهم، يأذن لهم بالتقية وإظهار كلمة الكفر، ولا يلتقي بهم إلا سراً بعيداً عن عيون المراقبين
بعد الهجرة

ثم كانت الهجرة المباركة إلى المدينة، التي شكّلت مفصلاً مهماً في تاريخ الإسلام ومرحلة جديدة أتاحت الفرصة لإنتشار الإسلام وإنطلاقه بكل الاتجاهات، وكسر الحواجز والمعوقات التي كانت تحول دون ذلك في المرحلة المكية.

ومن يلقي نظرة على هذه المرحلة، ويتتبع أحداث الفترة من هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى وفاته، يجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد خاض معارك عدة ولجأ إلى السيف أحياناً كثيرة في قتال مع المشركين انتهى بفتح مكة، ومع اليهود لم ينته إلا بإخراجهم من المدينة والسيطرة على معظم حصونهم ومعاقلهم خارجها.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اعتمد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منطق القوة وما هي العوامل التي دفعته لاتباع سياسة الحرب، وهل كان صلى الله عليه وآله وسلم يفرض الحرب على الآخرين أم أن الحرب كانت تفرض عليه فرضاً ويختارها الأعداء ؟

وبعبارة أخرى: هل كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعتمد على أسلوب القوة والسيف ليفرض الإسلام على الناس فرضاً، وهل كانت تنقصه الحجة والدليل في إثبات صدقه وصحة دينه ونبوته؟

والذي يدعونا لإثارة هذه التساؤلات والبحث عن الإجابة عليها أن عدداً من المستشرقين الذين لم يتفهموا واقع الرسالة الإسلامية، ولم يدرسوا بدقة وإنصاف سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإنما قرأوها بخلفية الباحث عن الثغرات فقط فخرجوا بتصور بعيد جداً عن الصواب مفاده أن الإسلام إنما انتشر بالسيف والقوة في محاولة للطعن في قدرة الإسلام على الحوار العقلي وتقديم الدليل المقنع.

إذن، الموضوع له أهمية كبيرة، وعلينا نحن المسلمين إدراك حقيقة الأمر والتعرف على السياسة الجهادية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

شاهد أيضاً

القرآن الكريم والصراع على الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين سيدنا ونبينا محمد وآله ...