الرئيسية / القرآن الكريم / القرآن الكريم والصراع على الإسلام

القرآن الكريم والصراع على الإسلام

تتمة – أطروحة الجهاد على ضوء القرآن الكريم – الشيخ مصطفى قصير1

حروب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسراياه

1- قبل بدر الكبرى

نقل المؤرخون أن هناك عدة سرايا أرسلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل بدر هي:

– سرية بقيادة حمزة، قوامها ثلاثون راكباً، خرجت إلى سيف البحر والتقت بأبي جهل في ثلاثمائة راكب. ولم يحدث بين الطرفين قتال، وكانت هذه السرية في الشهر السابع من الهجرة.

– سرية عبيدة بن الحارث، الذي خرج في ستين من المهاجرين في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة، فلقيت جمعاً عظيماً من قريش في وادي رابغ ولم يجر قتال بين الفريقين، وكان على قريش أبو سفيان بن حرب، وذكروا أن سعد بن أبي وقاص رمى المشركين ولم يحصل قتال بالسيوف حتى انصرفوا.

– غزوة الأبواء بقيادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على رأس أحد عشر شهراً لاعتراض قريش فلم يلق كيداً، وقد وادع في الغزوة بني ضمرة على ألا يعينوا عليه أحداً وكتب بينهم كتاباً، وقيل بني مرة بن بكر.

– غزوة بواط لاعتراض قريش، فيها أمية بن خلف في مئة رجل من قريش وألفين وخمسمائة بعير، وكانت على رأس ثلاثة عشر شهراً ولم يقع فيها قتال، وقيل لاعتراض عير بني بن ضمرة.

– غزوة سفوان أو بدر الصغرى، على رأس ثلاثة عشر شهراً أيضاً في طلب كُرُز ابن جابر الفهري الذي كان قد أغار على
أطراف المدينة على بعض رعاتها وأخذ أنعامهم، فطلبه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى بلغ وادي سفوان في بدر ولم يدركه فرجع، وقيل كانت هذه الغزوة بعد غزوة العشيرة.

– غزوة ذي العشيرة، على رأس ستة عشر شهراً من الهجرة لاعتراض عير قريش التي جاء الخبر بأنها خرجت من مكة تريد الشام، وقد جمعت قريش أموالها في تلك العير، ولم يلق فيها عبيداً، لكن وادع فيها بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة.

– سرية عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة لرصد تحركات قريش، وقد خرجت السرية في كتمان تام لوجهتها، حيث كتب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً وأمره أن لا يفظه إلا بعد أن يسير يومين، فلما سار يومين نظر في الكتاب فوجد فيه أن سر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش أو قريشاً حتى تأتينا منها بخبر، ومرت بهم قريش هناك وانكشف أمر السرية فخافوا أن يصل خبرهم إلى مكة فتدركهم قريش فصمموا على قتال العير، فرموا رجلاً فقتلوه وأسروا رجلين منهم وفرّ الرابع واستاقوا العير. وقد أنكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك وامتنع عن أخذ الغنيمة، قالوا حتى نزل في ذلك الوحي فأخذه.

الغاية من هذه السرايا والغزوات

الملاحظ أن هذه السرايا والغزوات لم يحصل فيها أية مواجهة دموية إلا السرية الأخيرة التي لم تكن مأمورة بالقتال، بل كانت مهمتها استطلاعية، والذي يبدو واضحاً أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أراد في بداية تشكيله للكيان الإسلامي والانطلاق نحو تبليغ رسالته أن
يحقق عدة أمور كان لا بد منها:

الأول: الحفاظ على هيبة المدينة وحرمها، وإبعاد الأعداء الذين حالوا بينه وبين نشر الإسلام لسنوات طويلة، وبالتالي منعهم من الاقتراب من المدينة والمرور عليها، وهذا الأمر يعطي الدولة الجديدة هيبة خاصة ويقوي نفوس الذين يرغبون في الدخول في الدين الإسلامي.

الثاني: الحد من نفوذ قريش، وإسقاط هيبتها بين العرب، فقد كانت عقبة كبيرة في طريق الكثير من القبائل التي لولاها لدخلت في الإسلام، وكانت قوافل تجارة قريش تمر على أطراف المدينة في طريقها إلى الشام ذهاباً وإياباً، وكانت بالنسبة لقريش موقعاً اقتصادياً مهماً لا يستغنى عنه، فأراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من خلال اعتراض تلك القوافل أن يحقق هذين الهدفين ويجبر قريش على التخلي عن إصرارها على محاربة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومعارضة الإسلام ووضع العقبات في طريق انتشاره، ولقد كان يدخل ذلك في دائرة التعامل بالمثل، والحصار في مقابل الحصار.

وبالفعل فإن قريشاً أدركت هذا المعنى فكانت ترى أن تجارتها باتت في خطر، وأنها إن سكتت على الأمر انتشر ذلك في العرب وسقط عزها وعنفوانها، وما لها من مكانة.

وقد يفهم البعض من تلك السرايا أنها كانت تهدف إلى وضع اليد على الأموال واكتساب الغنائم، لكن هذا الفهم خاطئ مبني على النظرة السطحية، ولم يأخذ في الحسابات الأهداف الحقيقية للرسالة الإسلامية، ولم يقارن هذه النتيجة بالمنهج الذي اعتمده الرسول طيلة حياته الرسالية.
فالغنيمة لم تكن في يوم من الأيام هي الباعث على الحرب في الإسلام، نعم قد يشكل ذلك باعثاً عند البعض من المسلمين أو عند بعض الحكام، إلا أن الإسلام لم يحارب ولم يأمر بالحرب من موقع طلب الغنيمة.

2- بدر الكبرى

بدر كانت المعركة الأولى والمواجهة المسلحة الأولى بين قريش وحلفائها من جهة والرسول صلى الله عليه وآله وسلم والذين آمنوا معه من جهة أخرى.

ولقد جاءت بدر على أثر مقدمات ووقائع عدة هيأت للحرب من تلك المقدمات:
أولاً: مكاتبة قريش لمشركي المدينة التي يقولون فيها: “إنكم أوتيتم صاحبنا وإنكم أكثر أهل المدينة عدداً، وإنا نقسم بالله لتقتلنَّه أو لتخرجنه أو لنستعن عليكم العرب أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم”.

هذا الأمر شكّل بداية لعدة مراسلات، عمل من خلالها المشركون في مكة على تحقيق تحالف مع مشركي المدينة للقضاء على الإسلام، وبالفعل فقد ظهرت بوادر ذلك التحالف في بعض التصرفات.

ثانياً: خطة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القاضية بالتضييق على قريش في مصالحها الحيوية وإعاقة حركة قوافلها التجارية عبر أطراف المدينة وحريمها، كما تقدم.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة ذي العشيرة المتقدم ذكرها قد خرج لاعتراض عير قريش بقيادة أبي سفيان، وقد فاتته ولم يدركها، وكانت متجهة نحو الشام وفيها أموال قريش، يقال أنه لم
يبق أحد في مكة من ذوي المال إلا وقد شارك فيها، فلما علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعودتها انتدب المسلمين لاعتراضها، فبلغ أبا سفيان ذلك، فأرسل إلى مكة يستغيث قريشاً التي ثارت ثائرتها، وتجهزت بسرعة لاستنقاذ القافلة، لكن أبا سفيان غيّر طريقه ونجت القافلة من اعتراض المسلمين، ورغم ذلك فقد أصرت قريش على المضي إلى المدينة لمحاربة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أصر أبو جهل على مهاجمة المدينة رغم الأصوات التي نادت بالرجوع والاكتفاء بسلامة القافلة والأموال، ورغم رجوع البعض منهم كبني زهرة على ما نقل.

ولقد كان إصرار أبي جهل يهدف إلى استعادة هيبة قريش عند العرب، وقد هدّد من لا يخرج معهم بهدم داره، وبالفعل فقد تابع الجيش سيره باتجاه المدينة، ولما بلغ خبر مسيرهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صمم على الخروج لمواجهتهم وذلك بعد أن امتحن أصحابه، واختبر مقدار استعدادهم، وسار بهم حتى بدر.

وكان المشركون في ما يقرب من ألف مقاتل مدرعين و مسلحين، معهم 700 بعير، ومن الخيل أربعمئة، وقيل مئتان وقيل مئة.

وكان المسلمون 313 رجلاً، ليس معهم إلا سبعون بعيراً وفرس واحد أو فرسان، ومن السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف.
ونزل المشركون الذين سبقوا في الوصول إلى ماء بدر، نزلوا في العدوة القصوى وهي ربوة عالية استراتيجية والماء معهم.

بينما نزل المسلمون في العدوة الدنيا أسفل منهم على غير ماء، وقد بعث الله سبحانه المطر فأوحل الأرض في العدوة الوسطى ولبّدها في العدوة الدنيا، وعوض المسلمين ما فاتهم من الماء فأقاموا الحياض وجمعوا فيها ماء المطر فشربوا واغتسلوا.

وأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المشركين يقول لهم: “معاشر قريش إني أكره أن أبدأكم بقتال فخلوني والعرب وارجعوا فإن أكُ صادقاً فأنتم أعلى بي عيناً، وإن أكُ كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمري”.

ولقد أثَّر هذا الكلام بعتبة بن ربيعة الذي رجح قبول ذلك، إلا أن أبا جهل اتهمه بالجبن، وهذه تهمة عظيمة عندهم آنذاك، مما دفع عتبة إلى لبس درعه مع أخيه شيبة وابنه الوليد وتقدموا يطلبون البراز.

وأرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لمبارزتهم عبيدة وحمزة وعلي وقال لهم: “اطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم..”

وقد انتهت المعركة بالنصر الحاسم للمسلمين وقتل من المشركين سبعون وأسر مثلهم.

واستشهد من المسلمين تسعة أو أحد عشر وقيل أربعة عشر.

وإذا لاحظنا الفرق الكبير بين الفريقين على مستوى العدة والعدد، والفرق الكبير على مستوى الأهداف والإيمان، ندرك عظمة النتائج وأهمية المعركة والدور الإعجازي والغيبي فيها.

شاهد أيضاً

اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم

11- « يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن ...