الرئيسية / من / القرآن الكريم والصراع على الإسلام

القرآن الكريم والصراع على الإسلام

تتمة – نظرة القرآن الكريم للأديان الأخرى – الشيخ مصطفى ملص

نظرة القرآن إلى الأديان

لقد أقر القرآن الكريم حق الاختلاف بين الناس، وحقهم في الإيمان والكفر وفقاً لمشيئتهم في الحياة الدنيا، والحساب على ذلك يكون يوم القيامة، حيث يكون تقويم أعمال البشر جميعاً كأفراد، وحيث عقوبة المخطئين عظيمة وأجر المحسنين عظيم.

قال تعالى: “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلً” الكهف/29-30.

ولقد جاء الإسلام وقدم نفسه إلى البشرية باعتباره الدين الخاتم، وأنه استمرار لما دعا إليه الرسل منذ بداية الخليقة، وأن رسل الله قد دعوا جميعاً إلى دين واحد وإله واحد، فهم خط واحد من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وعلى أنبياء الله أجمعين. قال تعالى: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” البقرة/285.
وقد وردت الآيات تدل على أن دين الأنبياء هو الإسلام.

قال تعالى: “وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” البقرة/130-131.

وفي بداية عهد الرسالة وفي محيطها كان هناك عدة أديان وعقائد. ففي مكة والمدينة وما حولها من جزيرة العرب كان هناك:
1- المشركون: وهم الذين يعبدون الأصنام يتقربون بها إلى الله تعالى، وكانوا يعتقدون أنهم على ملة إبراهيم أي على دينه، وقد قال الله تعالى فيهم :” أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ” الزمر/3.

وقال رداً على اعتقادهم أن إبراهيم عليه السلام كان على نفس عقيدتهم: “قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” الأنعام/161.

2- اليهود: ويزعمون أنهم أتباع نبي الله موسى عليه السلام، وأنهم أبناء نبي الله يعقوب عليه السلام والذي اسمه بالعبرانية “إسرائيل” من أبنائه الأسباط.
ويقول القرآن الكريم عنهم أنهم حرفوا كتاب لله الذي أنزل عليهم وهو “التوراة” ويصفهم بأنهم قتلة الأنبياء، قال تعالى: “مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيل” النساء/46.

3- النصارى: ويقولون أنهم أتباع عيسى المسيح الذي هو أحد الأنبياء كما يعرفه القرآن الكريم، وكان أتباع دين النصارى أو المسيحية على عهد نزول القرآن وما تلاه يعتبرونه ابن الإله، ويعتبر القرآن الكريم مقولتهم تلك بأنها افتراء عظيم على الله تبارك وتعالى.

وقد ذكر القرآن ذلك فقال تعالى: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ” التوبة/30-31.

وحكم القرآن الكريم بكفر من قال بالتثليث أي أن الله تعالى له أقانيم ثلاثة، وهذا ما ادعته النصرانية في معظم فرقها المعروفة بعد مؤتمري نيقية وخلقدونية لرؤساء الكنيسة في ذلك الزمن حيث تم البطش بالقائلين إن عيسى المسيح إنما هو بشر، وقد أنكر القرآن عليهم أشد الإنكار فقال تعالى: “لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ
اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيم”المائدة/72-73.

ومع ذلك فقد اعتبر القرآن الكريم أن النصارى أقرب إلى المسلمين من الفئتين الأخرتين وهم اليهود والذين أشركوا لأسباب ذكرتها الآية الكريمة التي تقول: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ” المائدة82 -83.

كما أنكر القرآن الكريم على اليهود والنصارى معاً ادعاؤهم أنهم أصفياء الله من خلقه، قال تعالى: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” المائدة/18.

وادعا كل فريق منهم القرب من الله لا يعني اتفاقهم بل إن كل فريق منهم يطعن في دين الآخر، وقد بين تعالى ذلك بقوله: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” البقرة/113.
4- المجوس: وهم عبدة النار كما عرف عنهم، ولم يتحدث القرآن الكريم عن معتقداتهم ولا عن أعمالهم.

5- الصابئة: وهم ممن لم يتحدث القرآن عن معتقداتهم ولا عن أعمالهم، وما تحدث به المسلمون عن المجوس والصابئة أتى من غير طريق القرآن الكريم.

وما ورد عنهم في القرآن الكريم كان قوله تعالى: “إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد” الحج/17.

هذا فيما يتعلق بالمجوس، فلم يذكروا في غير هذه الآية، أما الصائبة فقد ورد ذكرهم في آيتين أخريين متماثلتين واحدة في سورة المائدة ورقمها 69 والثانية في سورة البقرة ورقمها 62 وهي تقول: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” البقرة/62.

ثم هناك آيات قرآنية تتحدث عن أقوام غير محددين كعبدة الكواكب والنجوم والشمس والقمر وعبدة الطاغوت والأوثان والأصنام وغيرهم ولكن لما كانت معظم الأديان تندرج تحت مسميات المشركين أو اليهود أو النصارى أو المجوس أو الصابئة، فإن نظرة القرآن إلى هذه الأديان هي واحدة مع وجود مميزات خاصة لما كان أصله التوحيد وإن انحرف فيما بعد عن الهدي السليم كما هو حال اليهود والنصارى حيث يحل للمسلم أكل طعامهم وعند البعض ذبائحهم، ويحل نكاح نسائهم وهو ما بينه
قوله تعالى: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” المائدة/5.

ولأن المجوس كما يقال أن عندهم شبهة كتاب كما قال الشهرستاني في كتابه المسمى بالملل والنحل، فعندما سئل النبي عن كيفية التعامل معهم قال صلى الله عليه وآله وسلم: سنّوا فيهم سنّة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم. وهذا دليل مزية لأهل الكتاب على سائر أتباع الديانات والمعتقدات الأخرى.
حتى أن الخطاب القرآني لكل من اليهود والنصارى قام على إمكانية التحاور على أساس القاعدة الأساسية وهي قاعدة توحيد الله عز وجل.

القرآن الكريم ومعتقدات الأديان الأخرى

إن القرآن كما ذكرنا كتاب هداية، والرسالة التي يحملها للبشرية هي دعوة التوحيد، لا إله إلا الله. قال تعالى: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ…” محمد/19.

ونبذ الشرك من حياة البشرية، لذلك وانطلاقاً من مسألة إثبات الوحدانية ونفي الشرك، ناقش القرآن الكريم عقائد الكفار والمشركين، وأقام الحجة على بطلان صحة معتقداتهم، ورد عليها الردود التي تستحضر العقل ليكون الحكم والحاكم فيما اختلف فيه، ولأن المجال لا يتسع لإيراد كافة الإستدلالات على ذلك، فإننا

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...