المداخلات والتعقيبات – الدكتور علي الخطيب
يقول الإمام الصادق عليه السلام: “وهل الدين إلا الحب”، فبالحب ومن القلب والعقل نبني بالحكمة والموعظة الحسنة عالما متنوعاً عابداً لله، لأن الحقيقة واحدة، والطريق إليها مختلف.
عندما يقول الإمام علي عليه السلام: “الناس صنفان، إما أخ لك في الدين ـ ليس في الإسلام ـ أو نظير لك في الخلق” مما يعني أن المتدين البوذي، المجوسي، الهندوسي، المسلم، المسيحي واليهودي، هذا أخٌ لك في الدين، لأن الدين واحد، أو نظير لك في الخلق، فهؤلاء بشر مخلوقون و من قتل نفس بغير حق كأنما قتل الناس جميعاً.
وإذا أخطأنا بهذا الأمر لا يعول على خطأنا لأننا لسنا من أهل الاستنطاق.
لكن الحوار بين الأديان أمرمطلوب، والإسلام واضح مثلما قال سماحة الشيخ ملص وقد قال تعالى: “لا ينهانكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين”، هذا البرّ والحوار هو الطبيعي معهم، لكن من يخرجك من أرضك ويقاتلك في الدين ويهدم المنزل ويقتل البشر ويهلك الحرث والنسل هذا كيف يمكن أن تقيم معه حوار؟ هذا لا بد من أن نتعامل معه على طبق الآية “فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ”.
أما فيما يتعلق بالعلاقة بنا نحن في لبنان بين الإسلام والمسيحية وعلى صعيد عالمي، فان تعاون الإسلام والمسيحية كفيل بإقامة نظام عالمي مؤمن و مسالم، وهو ما أوضحه سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمة الله عليه في المؤتمر الذي عقد في روما “المسيحية في ثقافة الإسلام المعاصر”، قال بأنه كلما اقترب المسيحي من الصهيونية كلما ابتعد عن الإسلام، وكلما ابتعد عن الصهيونية كلما كان قريباً من الإسلام.
والمسلمين مصداق لما تفضل به سماحة الشيخ مصطفى قصير بأننا لسنا مبتدئين بالعدوان ولسنا جهاديين ابتدائيين، إنما نحن ندافع عن أرضنا وأهلنا وشعبنا وقيمنا، ومن اعتدى علينا فلا بد من أن نرد عدوانه، وكل إنسان ـ على وجه التعميم وليس على المسيحي فقط ـ في عالمنا المعاصر يبتعد عن الصهيونية وقتلها وجرمها وإفسادها في الأرض يكون قريبا من قضايانا ومن همومنا.
وبالعودة إلى ما تحدث عنه الجنرال الأميركي “بويكن”، هذا الجنرال ليس أول من اعتدى على القرآن وعلى قيم القرآن، فمنذ أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان البعض يعتبر أن القرآن سحر وأنه كلام كاهن وأنه كلام مجنون.
الخلاصة أنهم لم ولن يتمكنوا من إيقاف هذا المدّ القرآني الإلهي في الكون، “وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ” نحن ضد المحارب ومع المسالم، وعلى المسلم الأميركي تحديداً وهو الآن مستهدف في هذه الحملة أن يكون له رأيان: رأي معادي لمن يريد إخراجه من أرضه ومن
دينه، ورأي متسامح محاور لمن لا يريد أن يخرجه من أرضه ولا يحاربه في دينه، في الخلاصة نحن أهل حوار وأهل صدام، حوار مع من يبدأ معنا بفطرته الطبيعية بأن لا يعتدي علينا، وصراع مع يعتدي علينا ويسلب حقوقنا.
الأستاذ علي يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم. سؤالي هو بالنسبة لما قيل حول أهل الكتاب ومسألة الجزية في الآية القرآنية الكريمة وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ألم يأخذ الرسول الجزية بعد أن امتدت الدولة الإسلامية وشملت هؤلاء المسيحيين أو اليهود؟
وإذا كان هؤلاء قد دفعوا الجزية فعلاً فلم يعد هناك مبرر لقتالهم وبالتالي الآية القرآنية تظل نافذة وحتى لو أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في سيرته لم يقاتل، وظل يتعامل مع أهل الكتاب على أساس الحوار، لكن بعد أن دفعوا الجزية، فلنفترض أنهم لم يدفعوا الجزية فهل كان بإمكان الرسول ألا يقاتلهم حتى يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون؟
وإذا انطلقنا للمجتمع الحديث مثلاً وفيه دولة إسلامية وفيها أهل كتاب فولي أمر المسلمين هل يملك لنفسه ألا يقبض الجزية على أهل الكتاب؟
الشيخ ياسر شمص
نجد أن القرآن أو الشريعة تنظم العلاقات مع غير المسلمين من اليهود والنصارى، ولا يجد المتتبع للشريعة أن الجماعات الأخرى
من الوثنيين أو غير الوثنيين كالدهريين أو ما شابه أن القرآن الكريم نظم معهم علاقات، ففي ظل الحكومة الإسلامية كيف يتم التعامل مع هؤلاء من غير اليهود والنصارى؟ وهل يتناقض هذا مع ما قيل حول حرية التفكير والرأي؟ والحمد لله.
الشيخ مصطفى قصير
بسم الله الرحمن الرحيم. قبل أن أجيب على ما سأله الحاج علي يوسف أتوقف عندما تفضل به الدكتور علي، طبعاً نحن نوافق على كل ما ذكره، إلا أن ما ذكره في موضوع الأديان من أن كل الأديان هي حقيقة واحدة وأن الطرق متعددة، فلسنا في مقام البحث عن الحقيقة، والقرآن الكريم كما تفضل الشيخ مصطفى ملص بين عقائد محددة و ردعلى دعوى صحة أديان موجودة، ولكنه وضع خطوطاً عامة لبناء علاقات مع أصحاب تلك الأديان على قاعدة الأصول التوحيدية، مما يعني الإسلام ميّز بين البشر على هذا الأساس، ولذلك أنا أحب أن ألفت إلى هذه النقطة بالذات، فعندما نريد أن نبحث عن الحقيقة قد نصل إلى أن الحقيقة واحدة إلا أن طرقها أيضاً غير متعددة والبحث الآن ليس في هذا المجال. أما الشاهد الذي ذكره الناس صنفان إما أخُ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، لا ينتج النتيجة التي توصل إليها.
أما فيما يرتبط بأهل الكتاب والجزية، في الحقيقة الرسول صلى الله عليه وآله منذ البداية عندما عقد معاهدات مع أهل الكتاب قبل أن يحصل بينهم أي نزاع أي عندما دخل الرسول صلى الله عليه وآله إلى المدينة في الأشهر الأولى قام بعملية تنظيم العلاقات في المدينة مع مختلف الشرائح،
ومن تلك الشرائح قبائل اليهود، وفي تلك المعاهدات كان هناك بنوداً مالية، هذه البنود المالية لها علاقة بميزانية الدفاع عن المدينة، والرسول صلى الله عليه وآله عندما كان لا يمكنه الاستعانة بهم في تلك المرحلة للمساهمة في القتال بأنفسهم لأسباب ترتبط بأهداف القتال التي قد لا يؤمن بها أهل الكتاب، بللم يؤمنوا بها فعلا، ولا يمكن إلزامهم بالمساهمة في المواجهة، وإنما كان المطلوب منهم هو عدم المظاهرة، ونصت كل العهود التي عقدها مع أهل الكتاب في المدينة مع اليهود على عدم المظاهرة وعدم قبول لجوء أحد إليهم خارج المدينة، وبالتالي يعني الحفاظ على أمن المدينة بالجانب السلبي، يعني عدم المساهمة بالإخلال بهذا الجانب الأمني والمساهمة المالية ما أطلق عليه بعد ذلك اسم الجزية التي هي عبارة عن ضريبة مالية تقابل ما يدفعه المسلمون من ضرائب أخرى تحتاجها الدولة آنذاك..
وإذا أردنا تفسير الغاية من فرض الجزية، يذهب الكثير من علمائنا منهم مثلاً الشهيد مطهري في بعض كتاباته إلى تفسير فلسفة الجزية بهذا التفسير، في تلك الفترة ما كان يؤخذ ضمن عهود مع أهل الكتاب ابتدائياً وقبل أن يحصل القتال كان يتفاوت بحسب وضع كل قبيلة وكل حالة من الحالات، ولذا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يفرض شيئاً ثابتاً على كل الناس وإنما فرض بحسب الحالة وبحسب الظروف، لكن عندما أبدا أهل الكتاب في بعض الحالات معاندة وكان لا بد من قتالهم فهنا القتال غيي أي جعل له غاية، مع المشركين عندما تحصل خيانة كان بإخضاع المشركين وقتل المشركين و بالتالي إرضاؤهم بالإسلام، لكن بالنسبة لأهل الكتاب
لمن يمكث العهد ولمن يخرج عن الدين و عن العقود التي كانت مبرومة معهم كان يخرج الرسول لقتالهم، و إذا افترضنا أنهم تراجعوا وقبلوا بأن يعودوا عمّا كانوا عليه، فإذا قبلوا بدفع الجزية وتابوا أو دخلوا في الإسلام، أي التزموا أحد الفرضين، يعني إما الدخول في الإسلام أو القبول بالعودة إلى السلام ودفع الجزية أو بالتالي رفض الإثنين معاً الذي يعني استمرار القتال، هذا ما كان يحصل بالنسبة للفترة التي تحدثت عنها.
أما بالنسبة للمجتمع الحديث وأخذ الجزية، فالأنموذج القائم اليوم في الجمهورية الإسلامية والذي بني على الرأي الفقهي للإمام الخميني الراحل، حيث في بداية الثورة تعامل مع أهل الكتاب ومع ما يطلق عليه الأقليات الدينية على أساس أنهم من المعاهدين وبالتالي فإنهم ليسوا من المعادين ولذلك أعطوا كل حقوق المواطنية.
وأما الجزية فلم تفرض عليهم بنفس الطريقة، وإنما فرضت بالطريقة الأخرى التي هي اليوم في الدول الحديثة بعنوان الضرائب، هذه الضرائب تتناول مختلف الأفراد، وهذا الرأي الاجتهادي للإمام الخميني الذي طبق في إيران يدل على أنه فقهياًَ يمكن اللجوء إلى إلغاء عنوان الجزية بهذا العنوان، وكتبت هذه الكتب باعتبار أنه لم تقم لنا دولة إسلامية تأخذ الإسلام من النبع الصافي منذ أمير المؤمنين عليه السلام، لذلك عندما بقيت كتب الفقه تتناول هذا الموضوع من زاوية ضيقة وبعيدة عن التطبيق وبعيدة عن البحث الواقعي فقد نجد أنها لم تبحث بالشكل الجدي المنتج إلا في العصر الحديث عندما قامت الجمهورية الإسلامية، ولذا فأنا
أذكر هنا في ختام كلامي ما قاله أحد فقهائنا المعاصرين بأن الإمام الخميني الراحل في ثورته قدم للإسلام فقهاً تطبيقياً، وخدم البحث الفقهي لأنه طرح عليهم مسائل فقهية جديدة وليست فرضية وإنما مسائل قائمة، لهذا أثرى البحث الفقهي في الحوزات العلمية، وكثير من النقاط كانت تطوى سابقاً في كتب الفقه ـ كثير من فقهائنا لم يعنونوا باب الجهاد أصلاً في كتبهم ـ والآن الموضوع اختلف تماما، وعندما يبحث هذا الكتاب يبحث بخلفيات مختلفة على قاعدة فهم الزمان والمكان والظروف الاجتماعية المحيطة بالنص والمحيطة بالواقع الذي يراد استنباط الفتوى له، وهذا ما غيّر تماماً النظرة تجاه أهل الكتاب.
الشيخ مصطفى ملص
أود أن أذكر:
أولاً: فيما يتعلق بالجزية، الجزية في حقيقتها إذا أردنا أن نجد لها تكييفاً معاصراً لا تختلف كثيراً عن ضريبة الدخل أو ضريبة الإنتاج، لأنها في الأساس لا تفرض لا على العاجز ولا على الطفل ولا على المرأة ولا تفرض على غير المنتج، هي تفرض على المنتج، هذه الجزية يمكن إيجاد تخريج لها.
وثانياً: فيما يتعلق بعقد الذمة، أنا كتبت حول هذا الموضوع مقالاً في مجلة الوحدة الإسلامية، وخلال بحثي وجدت أن كل أو معظم ما أثبته الفقهاء في عقد الذمة هو متعلق بأعراف اجتماعية وليس متعلقاً بالدين و بالقرآن.
وثالثاً: فيما يتعلق بموضوع النسخ، والشيخ مصطفى في حديثه
عن القتال والأمر بالمعروف أو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة تحدث في موضوع النسخ، في الحقيقة لم أجد في معظم الموضوعات الأصولية أو العناوين الأصولية ما هو أكثر اهتزازاً من موضوع النسخ، بين قائل بأن نصف القرآن ينسخ نصفه الآخر، وبين قائل أن النسخ هو مقتصر على عدة آيات، حتى تجرأت وقلت أن ما أعجز المفسرين أو الفقهاء عن أن يصلوا إلى تفسير له ألحقوه بالنسخ وأراحوا أنفسهم.
ورابعاً: فيما يتعلق بموضوع الجهاد الذي تكلم فيه سماحة الشيخ وهو على صلة بالموضوع الذي تكلمت فيه أيضاً وبالأسئلة التي طرحت، أرى أن مفهوم الجهاد يجب أن يتوسع عندنا إلى أبعد الحدود، إذا كان الجهاد هو لخدمة دين الله أو لخدمة الدعوة أو لخدمة الدولة الإسلامية تحت أي عنوان من هذه العناوين، فالجهاد ليس فقط ضرباً بالسيف أو إطلاقاً للنار، الجهاد يتضمن بناء القوة الاقتصادية لأنها تساهم في النصر في المعركة، المستوى العلمي للأمة يساهم في النصر في المعركة أيضاً، اكتساب الحلفاء من الجهاد لأن اكتساب الحلفاء والأصدقاء يساعد على النصر في المعركة.
وخامساً: فيما يتعلق بموضوع كيف يعامل الإسلام غير أهل الكتاب في مجتمعهم؟ نحن لدينا نصاً نبوياً يقول: يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المجوس ـ وهم ليسوا أهل كتاب أو لديهم شبهة كتاب ـ كيف يتعامل المسلمين معهم؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: “سنوا فيهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم”، والمجوس يمكن أن نقيس عليهم كل من يشبههم.
الدكتور الخطيب
أريد أن أسأل سماحة الشيخ مصطفى هل الحكاية التالية التي سأوردها يبنى عليها عقلاً؟ وهي: أن الشهيد شمران رحمة الله عليه حكى لنا في إحدى المرات أن سعدي الشاعر يذكر في ديوانه أن النبي موسى كان ماراً في طريق وإذ بإنسان راع للغنم يقول: يا الله انزل اليّ فأنا أحبك، إن كنت خائفاً من الذئب أن يقتلك فمعي عصا فاقتله بها، خائفاً من العطش أحلب لك من العنزة وأسقيك، خائفاً من البرد أغطيك بلحافي، فقال له موسى: أنت مشرك ومضى، خاطبه الله: يا موسى بعثتك لكي تصل ما بيني وبين عبادي، هذا الشخص يكن لي كل الاحترام والمحبة، ولكن لسانه كليل، قربه وعلمه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ مصطفى قصير
هذه نقطة جداً حساسة، لأنه ليس كل من نسب إلى الله سبحانه وتعالى بعض اللوازم التي تستوجب التجسيد أو تستوجب الشرك عن جهل فهو مشرك، مثلاً بسطاؤنا نحن المسلمون عندما يدعون الله سبحانه وتعالى فقد يتوجهون إلى السماء وكأن الله في السماء من دون أن يلتفتوا إلى أن هذا هو تحديد للجهة وللمكان، وبالتالي يؤدي باللوازم الفلسفية إلى الشرك، هذا لا يؤدي إلى الشرك عند الغافل عن مثل هذه اللوازم، لكن إذا كان ملتفتاً إلى اللوازم فمعه يكون قد أشرك وهذا الفرق بينهم.