إن من يتتبع ما ورد من النصوص الشرعية ، يجد أن المشرع الحكيم شدد في مسألة الكلام إلى الحد الذي يذهل الإنسان ، ويغمره بالحيرة عندما يطرق سمعه بعض ما ورد في ذلك . وما هذا التشديد والتهديد والوعيد إلا لإيقاظ الخلق من سبات الغفلة عن الحقائق التي تشكل لهم من الخطورة أجسمها ، وهم عنها غافلون .
وهذا التشديد على هذه المسؤولية ، والتبعات للكلمة ، قد يتجلى بأشكال مختلفة :
فتارة بتحدث الشرع عن أهمية الكلام ذاتها ، ومن ذلك ما ورد عن أبي عبد الله (ع) أنه قال لرجل وقد كلمه بكلام كثير .. فقال 🙁 ايها الرجل !.. تحتقر الكلام وتستصغره .. إن الله لم يبعث رسله حيث بعثها ومعها فضة ولا ذهب ، ولكن بعثها بالكلام ، وإنما عرف الله نفسه إلى خلقه بالكلام ، والدلالات عليه والإعلام ).
وأخرى يتحدث عن ما يترتب عليه من مسؤولية :
فعن علي بن الحسين عليهما السلام قال : ليس لك أن تتكلم بما شئت لان الله يقول :{ ولا تقف ما ليس لك به علم }وليس لك أن تسمع ما شئت ، لان الله عزوجل يقول : { ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا }.
وقال الإمام علي ( ع) : ( الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به ، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك ، فرب كلمة سلبت نعمة ).
وثالثة يشير إلى هول وفظاعة بعضها :{ كبرت كلمة تخرج من أفواههم } .
وأحيانا : بشدة التهديد الذي يطلقه المشرع في بعض االمورد ، كقوله تعالى { ولو تقول علينا بعض الاقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطنا منه الوتين }. وقوله تعالى { ولكم الويل مما تصفون } .
وأحياناً أخرى : بالتأكيد على مراقبة الله والملائكة للإنسان ، وانه سبحانه عند قول كل قائل وانه { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} .
وسادسة : بالإشارة إلى عواقب الكلام : كما حكى القرآن حال أهل جهنم عندما سئلوا عن الأسباب التي أوردتهم إلى سقر فأجابوا :{ وكنا نخوض مع الخائضين } ..ووبخ من يقول ما لا يفعل { لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } .
وكما ورد عن أمير المؤمنين ( ع) : ( بالكلام ابيضت الوجوه ، وبالكلام اسودت الوجوه ).
وعن رسول الله (ص) : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه .. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ).
وعن أبي عبد الله (ع) : ما من يوم إلا وكل عضو من أعضاء الجسد يكفر اللسان يقول : نشدتك الله !.. أن نعذب فيك .
و عنه (ص) : يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح فيقول : أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا ، فيقال له : خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الارض ومغاربها ، فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام ، وعزتي [ وجلالي ] لاعذبنك بعذاب لا اعذب به شيئا من جوارحك .
وسابعة: بنقل تجارب مرت على الإنسانية تجلت فيها عواقب الكلام وأدت إلى حلول الغضب الإلهي ونزول الصواعق والنكال ، كقوله تعالى : {فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } . وقوله :{ولعنوا بما قالوا } . وقوله : { أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة } .
يقول العلامة في الميزان : فقالوا { أرنا الله جهرة } أي إراءة عيان نعاينه بأبصارنا ، وهذه غاية ما يبلغه البشر من الجهالة والهذر والطغيان { فأخذتهم الصاعقة بظلمهم } . انتهى
وغيرها من الآيات الكريمة والروايات الشريفة والتي ستمر بك تفصيلاً إنشاء الله .
ولعله بهذا قد اتضح شيء من آثار الكلام ، وأن هذه الآثار قد تتعدى دائرة الأثر النفسي أو الانطباع الذهني للمتكلم والمستمع ، لتصل إلى التأثير التكويني على حياة الفرد والمجتمع والطبيعة ، ولا غرابة ..
فقد ورد في الحديث القدسي: ( يا ابن آدم إذا وجدت قساوة في قلبك ، وسقما في جسمك ، ونقصا في مالك ، وحريمة في رزقك ، فاعلم انك قد تكلمت فيما لا يعنيك ).
هذا كله في الجانب التكويني .. أما أبعاده وآثاره على المتكلم والمستمع والمجتمع فلا يخفى على ذي لب ، وقد ورد فيه الكثير الكثير ، وهذه الآثار وتلك هي ما ستقف عليها تفصيلا في الأبواب المقبلة إنشاء الله تبارك وتعالى .