يقول الإمام عليه السلام:”.. اعلموا عباد اللَّه: أن التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله ولا يحرز من لجأ إليه. ألاّ وبالتقوى تقطع حمة الخطايا”5.
وكأنه عليه السلام يشبّه الفجور في كلامه هذا بالحيوان اللاسع كالعقارب والحيات، ويقول: اقطعوا عن أنفسكم لسعة هذه العقارب بالتقوى. ويصرح في بعض كلماته أن التقوى ليست قيوداً تمنع عن التحرر بل هي منبع الحريات الواقعية وأساسها ومنشأها.
“.. فإن تقوى اللَّه مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كل ملكة، ونجاة من كل هلكة…”6.
واضح أن التقوى تهب للإنسان حرية معنوية، تحرره من أسر عبودية الهوى، وترفع عن رقبته حبال الحسد والحقد والطمع والشهوة، وهكذا تحرق عروق العبوديات المادية، بين ناس هم عبيد الدنيا والمال والمقام والراحة، بينما لا يخضع التقي لأعباء هذه العبوديات.
ولقد بحث الإمام عليه السلام في نهج البلاغة حول آثار التقوى كثيراً، ولا نرى نحن هنا ضرورة للبحث عن جميعها، وإنما نقصد هنا أن يتضح لنا المفهوم الواقعي للتقوى في مدرسة نهج البلاغة، ليتبين لنا معنى هذا التأكيد على هذه الكلمة في نهج البلاغة.
وإن من أهم آثار التقوى الذي أشير إليه في نهج البلاغة، أثران مهمان:
أحدهما: البصيرة النيّرة والرؤية الواضحة.
والآخر: القدرة على حل المشاكل والخروج عن المضائق والشدائد.
التقوى تقي الإنسان، والإنسان يحافظ عليها:
يصرّ نهج البلاغة على أن التقوى وثيقة تضمن للإنسان نوعاً من الأمن من الزلل والفتن، وفي نفس الوقت يلفت نظر الإنسان إلى أنه أيضاً يجب عليه أن لا يغفل لحظة عن حراسة التقوى وحفاظتها، فإن التقوى وإن كانت واقية للإنسان فمع ذلك يجب على
________________________________________
5- نهج البلاغة، الخطبة 157.
6- نفس المصدر، 228.
الإنسان أيضاً أن يكون واقياً لها! فهو من نوع المحافظة المتقابلة بين الإنسان والثياب، إذ الإنسان يحافظ عليها من التمزق والسرقة، وهي تحافظ على الإنسان من الحر والبرد، ولقد عبّر القرآن الكريم أيضاً عن التقوى باللباس فقال:
“.. وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ…” 7.
وقال الإمام علي عليه السلام بهذا الصدد:
“.. أيقظوا بها نومكم واقطعوا بها يومكم وأشعروها قلوبكم وادحضوا بها ذنوبكم… ألا فصونوها وتصوَّنوا بها…”8.
وقال عليه السلام:
“.. أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه، فإنها حق اللَّه عليكم، والموجبة على اللَّه حقكم. وأن تستعينوا عليها باللَّه، وتستعينوا بها على اللَّه…”9.
________________________________________
7- الأعراف: 27.
8- الخطبة، 189.
9- نهج البلاغة، الخطبة 189.