تزامنا مع ذكرى ميلاد النبي عيسى عليه السلام قام الامام الخامنئي بزيارة منزل عائلة الشهيد الآشوري روبرت لازار.
«عندما ابلغنا والدة الشهيد بانه من المقرر ان يصل خلال عدة دقائق الى منزلكم , الامام الخامنئي… العبارة لم اكملها حتى ذرفت الوالدة دموعها , الاخوة مازالوا غير مصدقين , تخرج العبرة مع اول كلمات تخرج من افواه آلفرد وآلبرت».
فدهشتهم ليست مستغربة , فهي مثل دهشتنا , عندما دخلنا وشاهدنا على جدران منزل مسيحي , يوجد فقط اطارين لصورتين , احدهما اطار صورة الشهيد روبرت لازار , والاطار الآخر صورة الامام الخميني الراحل والقائد الخامنئي , اطاري الصورتين ملونتين وقديمتين.
الساعة 6:30 مساء , وكان في المنزل والدة وشقيقي الشهيد فقط , فیما زوجتا الشقيقين والاحفاد كانوا قد ذهبوا الى الكنيسة لحضور مراسم ليلة عيد ميلاد عيسى المسيح عليه السلام , الوالدة كانت تصر دوما على ان نتناول الفواكه والحلويات والمكسرات التي هيئوها لليلة عيد الميلاد .
واضافت وكالة مهر للأنباء ان والدة الشهيد جلست على الكرسي والى جانبها شجرة صنوبر صغيرة اصطناعية .. المنزل كان صغيرا جدا , والوالدة كانت قلقة بان يأتي اعلى مسؤول في البلاد الى مثل هذا المنزل الصغير, لكن مسؤولي برنامج الزيارة سعوا الى تبديد قلقها بانه ليس امرا مهما , اخذوا موافقتها باعادة ترتيب الكراسي ومائدة الطعام كي يظهر المكان اكبر مساحة , وشقيقا الشهيد جلسوا الى جانب والدتهم.
آلفرد ابتدأ الحديث قائلا “في عام 1996 عندما كنت عائدا من مدينة كاشان الى طهران , اصطدمت سيارتي في الطريق , اخذوا مستندات السيارة ونقلوها الى مدينة قم , عندما ذهبت الى مدينة قم , قالوا ان ضابط المرور المختص قد ذهب الى مسجد جمكران , وكان الوقت شهر رمضان.
كان يوم الخميس ووصلني خبر بان شقيقي قد جلبوا جثمانه وسيشيع غدا مع الف شهيد , كان يوم غد يوم القدس , ووالدتي لم تكن تعلم شيئا , كأنما ألهم قلبها , ذهبت الى صلاة الجمعة لحضور التشييع … كان ذلك اليوم صاخبا… لم يكن هناك مراسم تشييع مثل ذلك اليوم… حضر عدد كبير من المسلمين في حارتنا لتشييع جثمان شقيقي الشهيد , فتجمعوا في كنيسة مارغيوغيز , واخذوا يلطمون الصدور , وهتفوا: ان النبي عيسى المسيح , هو صاحب العزاء اليوم…
احد المسؤولين جاء وقال “سيدتي تتذكرين عام 2008 قلتي اريد ان ازور القائد؟ الآن القائد سوف يأتي لمنزلكم…” الوالدة تحدثت “قلت للجميع ليت القائد يشرفنا بحضوره في منزلنا, او ان نذهب نحن لزيارته”. آلفرد يذهب ويأتي بصحيفة قديمة. “كانت صحيفة همشهري المحلية , المنطقة 11 , بتاريخ 1 يناير 2008″ كانت تحتوي على نصف صفحة لمقابلة مع والدة الشهيد , وفيها عبارة ” الوالدة وفي عدة لقاءات مع مسؤولي مؤسسة الشهيد , طلبت منهم ان يوفروا امكانية لقاء القائد , ولكنها لم تحصل على جواب , كانت تريد رؤية القائد , وطال انتظارها الى ان تحقق هذا الأمر”.
الساعة تجاوزت السابعة مساء , استأنفت الوالدة الكلام “عندما ذهبنا مع قوافل النور لمشاهدة جبهات القتال , لم اذهب الى مكان استشهاد ابني , كان بعيدا جدا , لا فرق لدي فجميع الشهداء هم ابنائي , تم دفن ابني في مقبرة الاقليات الدينية في طريق ساوة , ودائما ازور قبره , قبل يومين كنت هناك , في عيد الفصح نذهب كذلك وفي عشرة الفجر ايضا نذهب لازالة الغبار عن قبره”.
ووسط هذا الحديث , وصل قائد الثورة الاسلامية , الوالدة ذهبت الى استقباله , الشقيقان تقدما وابديا ترحيبهما. الوالدة قالت “تحية لكم , تحية لجميع الشعب الايراني , فقال القائد “حفظكم الله” , الوالدة اجابت “تحت رعايتكم” , القائد ابتهل داعيا ” حشر الله اولادك مع اوليائه”.
الجميع يجلس , الوالدة تقول ” نوّرت منزلنا الصغير , انا سعيدة جدا بزيارتكم…”, العبرة لا تعطيها فرصة لاكمال حديثها , تتوقف لحظة وتستمر ” للجميع كنت اقول , ان القائد هو لنا ايضا , ليس قائد للمسلمين فقط … وبل قائد للجميع”.
قائد الثورة يقدم اعتذاره لتأخره في المجيء , ويعرب عن سعادته للقيام بهذه الزيارة في ليلة عيد الآشوريين , وحسب العادة يسأل عن الشهيد , آلفرد يجيب “كانت قد بقيت عدة ايام على انهاء خدمته العسكرية , لكنه رفض ان يعود , استشهد بعد اصدار القرار 598 بانهاء الحرب , في البداية قالوا انه تم أسره , وبعد ان رجعنا الى المنزل قال رفيقه ” كان حتى اللحظة الاخيرة يقف خلف المدفع الرشاش , كلما قلنا له ارجع , لم يستجب , الى ان وقعت قذيفة هاون في موقعنا واصيب بجراح , تم أسرنا , قالوا اين البقية , قلنا لم يبق أحد , ضربوني بكعب البندقية على رأسي وغبت عن الوعي , في بعقوبه عدت الى وعي , سألتهم هل جلبتهم معي أحد , قالوا لا ” , وهذه قصة بداية 8 اعوام من عدم معرفة والدتي بمصير ابنها البالغ من العمر 22 عاما”.
القائد قال ان هؤلاء مبعث الفخر , ليس لعائلة الشهيد فحسب , وانما لكل البلاد , اشار الى أمن البلاد تحقق بفضل هذه البطولات , وبعد ان اشار الى الوالدة قال “ان هذه الامور يعرفها الجميع ولكن النقطة الهامة هي ان “وراء هذه البطولة , بطولة هذه الأم”.
«هذه المعنويات قيمة للغاية , احيانا لا يتحمل شخص ما بحيث يمنع الآخرين ان يتابعوا عمله , ولكن رضا الوالدين ومن ثم صبرهما اوجد هذه الاجواء , اينما اذهب , الامهات في معظم الاحيان معنوياتهم افضل من الآباء , نحن الرجال لا نستطيع ادراك مشاعر الامهات , الرجال كذلك يحبون ابنائهم ولكن هناك فرق مع الامهات». ألفرد يؤيد كلام القائد , ويقول ” عندما ذهبت الى مقر معراج (مكان وصول جثامين الشهداء) ورأيت الجثمان , عرفته , شقيقي كان ضخما جدا , عرفته من عظامه , ولكن ابلغوني بانه يجب تأتي والدته لتؤكد هويته .. ” الوالدة خرجت من ذكرياتها وقالت “ابني كان بطلا”.
وبادر قائد الثورة الى الكلام مجددا « الاقلية المسيحية , من الارمن والآشوريين , خرجوا مرفوعي الرأس في الثورة والحرب , باعتبارهم ايرانيين اوفياء وعقلاء وشجعان وذوو بصيرة ». الوالدة تغلبت تدريجيا على ارتباكها وقالت «في كرمانشاه , عقدوا مؤتمرا صحفيا , قلت اني لا اجيد التكلم بالفارسية , قالوا ليست هناك مشكلة , تكلمت افضل من الجميع , قلت المسلم والمسيحي يجب ان يضعا يدا بيد لبناء ايران , قلت اعطوني سلاحا لاذهب لاقاتل» , وواصلت تقول «نحن لسنا دعاة حرب , بل هم بادروا بشن الحرب…» , القائد أيد كلام الوالدة «انهم … ليسوا على استعداد لتحمل استقلالنا».
والوالدة تقول شيئاً باللغة الآشورية لإبنها , وآلفرد يسأل القائد مترددا “هل تأكل كعكة تم اعدادها في المنزل”؟ القائد يقبل ووالدة الشهيد تفرح , ويتضح ان الكعكة من اعدادها. ووالدة الشهيد تقول بسرور للقائد ” انا اقول اعطوني عملا اخدم به البلاد” , القائد يقول ببشاشة «ان كلامك هذا عمل كبير… ان احد اعمال الانبياء هو “التبيين”, العديد من الاشخاص يسلكون طريقا منحرفا لانهم لا يعلمون , اذا كان هناك بيان فالطريق سيتوضح , هذه من خصوصية هذه السيدة , وقول هذا الكلام عمل كبير والنساء قمن بمهام كبيرة في الحرب , ذهبن الى الجبهات وقاموا بالتمريض , ولكن البيان اهم من هذه الامور , ان كلامك هذا سواء كان في الكنيسة او خارجها , واظهار هذه المعنوية عمل مهم جدا , وان ان شاء الله يطيل في عمرك ويحفظ لك هذه المعنوية”.
قائد الثورة: ان احد اعمال الانبياء هو “التبيين”, اذا كان هناك بيان فالطريق سيتوضح, فهذه من خصوصية هذه السيدة .. والنساء قمن بمهام كبيرة في الحرب , ذهبن الى الجبهات وقاموا بالتمريض , ولكن البيان اهم من هذه الامور , ان اظهار هذه المعنوية عمل مهم جدا.
القائد يتناول قطعة من الكعكة ويقول للمرافقين «الكعكة لذيذة جدا , الا تأكلون شيئا؟»… ان الوالدة وابنيها يقولون “صحة وعافية” , يتم توزيع الكعكة على المرافقين , الوالدة تقول ” يجب ان تتناولوا الفاكهة, وايضا المكسرات” , ثم تقول بخجل “البيت صغير..” القائد لا يسمح بان تستمر بخجلها ويقول “القلب يجب ان يكون كبيرا, عندما يمتلك الانسان هدفا , فاينما يكون هو جيد”.
يعطون الصحيفة التي تحتوي على مقابلة مع الوالدة الى القائد , يلقي نظرة عليها ويقول “متى تاريخها” يسمع انها كانت في عام 2008 , يقول بحسرة “لماذ قديمة الى هذا الحد؟ ليتني جئت اسرع من هذا الوقت . سواء انتم اتيتم او انا أتيت”.
الحديث يصل الى وضع المسيحيين في ايران , آلفرد يقول بعد الثورة , اصبح موضوع الدين اكثر اهمية , والآن حتى اساقفة الآشورييين هم من الايرانيين في حين كانوا سابقا يأتون من العراق , واساقفة الارمن كانوا يأتون من لبنان ايضا. قائد الثورة يستذكر اسقف الارمن الفقيد , آرداك مانوكيان الذي كان مع الامام الخميني رحمة الله عليه في بداية الثورة , وبعد ان يتحدث قليلا عن الآشوريين الذين يعتقدون انهم اقدم المسيحيين بعد المسيحيين في فلسطين (مسقط رأس النبي عيسى عليه السلام). يتواصل الحديث عن اللغة الآشورية وقربها من اللغة العربية والعبرية وحتى الفارسية.
عندما يحين موعد المغادرة , يقدم قائد الثورة هدية الى والدة الشهيد ويقول : «ان شاء الله عيدكم مبارك , كانت ليلة جيدة» , ان الوالدة وابنيها ايضا يقولون “بالنسبة لنا كانت ليلة لا تنسى ابدا” . القائد يقول «نحن نهدي الى المسلمين مصحف القرآن , اذا استطعت ان اجد انجيلا جيدا , لجلبته , هذه الاناجيل الحالية , على العموم عبارة عن رواية وليست كلام وحي , طبعا يوحنا , لوقا , بطروس ,… من كبار علماء المسيحية , اذ ان بعضهم استشهد . هؤلاء نشروا المسيحية في ايران والروم ,…, والا فان المسيحية كانت في الشرق , بين هؤلاء كان يوجد نبي ووصي نبي , الحواريون كانوا من كبار علماء الدين , في الاسلام وكل من ينكر عصمة النبي عيسى المسيح والسيدة مريم , فانه يعد خارجا من الاسلام , احترامنا للمسيحية بهذا الشكل , الانجيل كتاب سماوي مثل القرآن والتوراة , لكن الاناجيل الحالية , هذه التي قرأتها , عبارة عن رواية وليس شيئا نزل من السماء , اذا وجدتها فسأضعها على عيني».
القائد وحسب العادة يستأذن للمغادرة و يقف وقبل الخروج , يقدم هدايا للشقيقين والاحفاد كي يقدمونها بدورهم الى آبائهم , احد المرافقين يقول بهدوء “اخت الشهيد تعيش في اروميه” القائد ايضا يقدم هدية الى الوالدة لتقدمها الى ابنتها , بعد ذلك يودع القائد , ويذهب للقاء عائلة شهيد مسيحي آخر.
المصدر – وكالة مهر للأنباء