بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين وبعد.
لقد مرّ تبليغ الرسالة الإسلامية على يد النبيّ العظيم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد البعثة النبوية بالمراحل الآتية:
المواجهة الأولى وإنذار الأقربين: حين شاع خبر الإسلام في الجزيرة العربية، وبلغت الفئة المؤمنة المستوى الروحي الذي يؤهّلها لخوض الصراع ضد الباطل، كان لا بدّ من الانتقال إلى مرحلة الإعلان العام حيث كانت أولى خطواته إنذار الأقربين، لتبدأ المواجهة الشاملة بعد ذلك مع صناديد قريش وطواغيتها.
المواجهة الشاملة: كان لدعوة بني هاشم إلى الدين الجديد الأثر البالغ في أوساط القبائل العربية، فقد تبيّن لهم جديّة نبوّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وخطورة الدين الذي يدعو الناس إليه، وهنا تهيّأت الظروف والبيئة المناسبة ليصدع محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة ، وعندها شعرت قريش بالتهديد العلني المباشر لكل معتقداتها ومشاريعها وكيانها. وهذا ما جعلهم يوجّهون سهام التشكيك والاستهزاء والسخرية بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وما يدعو إليه، والتضييق
والقتل والتعذيب والمقاطعة…، على كل من آمن واتبع محمّد صلى الله عليه وآله وسلم, وهنا كانت فكرة البحث عن ساحات أخرى لتبليغ ونشر الرسالة.
الهجرة: بعد عامين من الإعلان العام بالرسالة شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصعوبة تأمين الحماية لكل المسلمين من طغاة قريش، لهذا حثّهم على الهجرة إلى الحبشة لوجود ملك فيها لا يُظلم عنده أحد.
وتسارعت الأحداث بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة، وقرّر القرشيون المقاطعة الشاملة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبني هاشم ومحاصرتهم حتى القضاء عليهم، ليفجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك بوفاة أبو طالب رضوان الله تعالى عليه المدافع القوي عن الرسول والرسالة، ووفاة أم المؤمنين خديجة رضوان الله تعالى عليها ثاني سندي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. في خضمّ هذه الأحداث الأليمة قرّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخروج إلى الطائف حيث تقطن ثقيف أكبر القبائل العربية بعد قريش، ولكن ضاق أهلها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فانصرف صلى الله عليه وآله وسلم راجعاً إلى مكة.
الهجرة الكبرى (نحو يثرب): بعد اكتمال الاستعداد الداخلي عند المسلمين في مكة المكرمة، وحصول نوع من التواصل بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشخصيات وقبائل من يثرب، تطوّرت فيما بعد إلى حد البيعة فكانت بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية حيث إستطاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تهيئة الأرضية المناسبة في يثرب، كساحة مناسبة لبناء الدولة.
وبنفس الوقت، اكتملت استعدادات قريش للتخلّص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد اجتماع دار الندوة الذي قرّر قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتفريق دمه بين القبائل،
عندها جاء الأمر الإلهي بالتحرّك والهجرة إلى يثرب. ويمكن إيجاز الخطوات التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالآتي:
– بناء المسجد ليكون مركزاً: للعبادة والعمل وإدارة المجتمع وشؤون الناس.
– المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: بهدف تأسيس روابط جديدة بين الناس على أساس رابطة العقيدة والدين متجاوزاً عُلقة الدم والعصبية والقبلية.
– معاهدة المدينة مع القوى الأخرى: بهدف إنهاء حالات الصراع والقتال مع الآخرين ولاسيما اليهود، والتفرّغ لبناء المجتمع الداخلي توجّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحو عقد معاهدة تعاون بين المسلمين وغيرهم من القوى، ويمكن القول إنّ هذه الصحيفة كانت بمثابة أوّل مشروع دستوري لبناء دولة إسلامية متحضِّرة في مجتمع المدينة.