بنيت العلاقات الامريكية السعودية خلال الثمانينيات حسب معادلة النفط – الأمن الاستراتيجية، فاستقرار السعودية التي فيها ربع احتياطي النفط العالمي له اهمية بالغة لدى القوى الكبرى وخاصة امريكا وان اي تهديد موجه للسعودية يعني تهديد المصالح الامريكية والان نجد ان تعاظم النفوذ الايراني في منطقة كانت لسنوات تحت النفوذ الامريكي السعودي بات المشكلة الكبرى للرياض و واشنطن في المنطقة.
ان امريكا تستخدم بعض الادوات الاقليمية لاحتواء ايران وان السعودية تُعتبر من هذه الادوات لكن بعد تصاعد الخلافات الايرانية السعودية خلال الآونة الاخيرة اعلنت امريكا ظاهريا انها تريد احتواء الازمة والتوسط بين هاتين القوتين الاقليميتين، لكن السؤال المطروح هو هل الاستراتيجية الحقيقية لامريكا هي خفض التوتر بين طهران والرياض ام ان استمرار التوتر وادارة الازمة هي التي تلبي المصالح الامريكية؟
ان تحوّل امريكا الى دولة مصدرة للنفط لاول مرة وعدم الحاجة الامريكية للنفط السعودي يعني سقوط المكانة الاستراتيجية للسعودية وباقي دول مجلس التعاون عند الامريكيين لكن هذا لن يغير طبيعة العلاقات بين الجانبين بشكل سريع ورغم ذلك نجد ان هناك قلقاً انتاب السعوديين الذين اتبعوا سياسة هجومية في المنطقة وخاصة تجاه ايران.
الخلافات بين المواقف الامريكية والسعودية
رغم طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين لكن هناك خلافات كثيرة بين الجانبين خاصة بعد اندلاع الثورات العربية ومع ذلك اتفقت واشنطن والرياض على ضرورة منع تكرار الثورة الايرانية في الدول العربية وقد آمنت السعودية بضرورة استخدام القبضة الحديدية في مواجهة هذه الثورات لكن امريكا والغرب انتهجوا نهجا آخر لافشال هذه الثورات ومن بعد هذا الخلاف بدأت السعودية بزيادة افعالها التخريبية في المنطقة فتم مهاجمة السفارة الايرانية في بيروت وسقطت الموصل وتعززت قدرات داعش وباقي الجماعات التكفيرية وتم اسقاط “محمد مرسي” في مصر بدعم سعودي اماراتي.
ومن بعد ذلك عرقلت السعودية الاتفاق النووي الايراني لكنها فشلت في مساعيها كما خفضت السعودية اسعار النفط للاضرار بايران لكنها تضررت ايضا من هذه السياسة وواجهت عجزا في الميزانية قدرها 98 مليار دولار ومن ثم بادر آل سعود الجناة باعدام “الشيخ نمر باقر النمر” لادخال ايران في صراع طائفي وعلى الاثر قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع ايران وعلى الرغم من قيام امريكا بانتقاد السعودية ظاهريا لاعدام الشيخ النمر لكن البيت الابيض يريد حفظ علاقاته الاستراتيجية مع السعودية وادارة التوتر مع ايران.
ان امريكا التي خرجت من العراق خائبة اتبعت سياسة ابقاء الازمات مفتوحة دون حلها من اجل ادارة الازمات في الشرق الاوسط بحيث لا تهدد هذه الازمات مصالح امريكا وحلفائها في المنطقة وتقضي على قدرات اعداء امريكا في المنطقة وتبلي هؤلاء بأزمات داخلية ويمكن القول ان أزمات اليمن والعراق وسوريا وليبيا وبعض الدول الاسلامية الاخرى هي من هذا القبيل.
وفيما يخص ايران فقد كان وزير الخارجية الامريكي “جون كيري” يصول و يجول في الدول العربية اثناء المفاوضات النووية ويقول لهم ان ايران بحاجة الى احتواء بعد المفاوضات النووية بشكل اكبر، كما لاينفك وزير الدفاع الامريكي من القول خلال الأشهر الاخيرة بأن الدول العربية في المنطقة معرضة لخطر قادم من ايران وهذا كله يدل على أن سياسة خفض التوترات التي اعلن عنها الامريكيون هي في الحقيقة سياسة لاحتواء ايران والتحكم بها.
وهناك من المحللين من يقول بأن المساعي الامريكية الحالية لادارة الازمة بين ايران والسعودية هدفها تحقيق الاهداف الامريكية في المنطقة وخاصة في سوريا فالامريكيون يعتقدون ان السياسات السعودية المتشددة في المنطقة تضر بعملية السلام في سوريا وتقوي فقط الدور الروسي والايراني.
ان سياسة امريكا في ادارة الازمة بين ايران والسعودية تتضمن الان تحريض الرياض على شن هجوم بري في سوريا وهذا سيزيد الخلافات بين الرياض وطهران، وفي الوقت ذاته تسعى امريكا الى اظهار ايران كالطرف الأضعف في الصراع مع السعودية وهنا يمكن الاشارة الى الاتصالات التي اجراها المسؤولون الامريكيون بالايرانيين لثنيهم عن القيام بعمل انتقامي بعد اعدام “آية الله النمر” لتصبح ايران في موقف الضعف امام السعودية.