جاء التدخّل الروسي في الأزمة السورية في خضام الحديث عن صراع مذهبي “سني-شيعي”، لينسف كافّة الإدعاءات التي تنشد “مذهبية” الصراع القائم بين محورين رئيسيين في المنطقة، ويعزّز فرضية الصراع “السياسي” على إختلاف مسمياته؛ محور المقاومة-محورالإعتدال، صراع إيراني-سعودي أو صراع الحق والباطل. ولعل من أهم “بركات” التدخّل الروسي إضفاء الطابع السياسي، وليس المذهبي، على الازمات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، بدءاً من ليبيا مروراً باليمن والعراق وصولاً إلى سوريا. ولو إقتصرت نتائج هذا التدخّل على هذه النقطة بالذات لكفى.
أحببت أن أبدأ بهذه النقطة التي تقع تبعاتها على عاتق كل مسلم أو عربي، للولوج منها إلى جوهر الصراع القائم في المنطقة حيث بات من السهل إلقاء تهم التكفير وإصدار فتاوى القتل عبر المنابر “المذهبية” الإنحرافية سواءً لدى الشيعة أو السنّة. لا يختلف إثنان على دور الوهابية في تصدير فتاوى التكفير بحق المسلمين الشيعة وكل من يخالفها من السنة، وبما أن وجه هذه “الصنيعة البريطانية” الدموي بات واضحاً للجميع، المسلمين والمسيحيين، السنّة والشيعة، أرى من الواجب عليّ التطرّق إلى الجناح الآخر في طائر الفتنة المتمثّل بالوهابية الشيعية بعنوانها “الشيرازي”.
تقف المرجعية الشيرازية في النقطة المخالفة تماماً لمرجعية ولاية الفقيه، وتهاجم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكل كبير على فضائياتها التي تبث من لندن وواشنطن، مدعيةً أن السيد الخامنئي يمارس “التقيّة” من خلال إصداره فتوى تحريم سبّ الصحابة وأمهات المؤمنين، وكذلك الأمر بالنسبة للسيد السيستاني وكافّة المرجعيات الدينية التي تمثل هذا النهج الأصيل. وفي الإجابة على هذا الإدعاء ترجع المرجعية الرشيدة إلى سيرة “آل محمد” (ص)، فهل كان أمير المؤمنين علي (ع) يسب أو يلعن الصحابة؟ هل تعرّض أمير المؤمنين لعرض أم المؤمنين عائشه؟ ألم يقل الإمام الصادق “شيعتنا كونوا زينا لنا ولا تكونوا شيناً علينا”؟ إلا أن هذا لا يعني أبداً نكران أي شيعي لأحقية الإمام علي بالخلافة، وهذا ما يؤيده العديد من علماء السنة في كتبهم المشهورة، ومن هنا ننسف إدعائهم “بالتقيّة” التي نعتبرها جزءاً من ديننا عند الضرورة تماماً كما يعتقد إخواننا أهل السنّة.
إن طرح هذا البحث في إطاره العلمي والأخلاقي غير مقبول بالنسبة للمتربصين بالإسلام، بجناحيه السنّي والشيعي، بإعتباره يندرج في إطار الحديث النبوي الشريف “إختلاف أمتي رحمة”، ولكن الغرب وبالتحديد بريطانيا تسعى لتعزيز الصراعات المذهبية عبر دعم نهج التشيّع اللندني أو “المرجعية الشيرازية” في خطابها الفتنوي الذي يتزعّمه في لندن كلّ من مجتبى الشيرازي وياسر الخبيث (الحبيب) الذي ينال من مرجعية ولاية الفقيه أكثر مما ينال من أهل السنة.
تصف المرجعية الشيرازية أتباع ولاية الفقيه بالـ”بتريين” (مصطلح جاء من كلمة “بتر” أي قطع، والبتري هو المقطوع أو المنقوص) أي ناقصي الإيمان أو غير مكتملي شروط الإيمان والعقيدة والشيعة، في حين أنها تصف عموم أتباع المذهب السُني، بالـ”مخالفين”، كل ذلك يأتي مقابل مرجعية ولاية الفقيه ومن يدور في فلكها، والتي بدورها تسعى جاهدة بكل السبل لرأب الصدع بين الشيعة والسنة عبر خطاب الوحدة الإسلامية.
إن مشكلة الأمة الإسلامية اليوم تكمن في جناحين الأول وهابي سعودي يقابله الأزهر الشريف، والثاني شيرزاي يقابله “الولي الفقيه”، وخشية الإطالة نشير إلى النقاط التالية بإختصار:
أولاً: لماذا لا تحجب القنوات الشيرازية (فدك وأهل البيت و..) والوهابية (وصال وصفا و..) من الأقمار الصناعية، مقابل حجب كل من المنار والميادين ورأي اليوم؟ ألا يدل ذلك على “سياسيّة” الصراع في المنطقة بإعتبار أن هذا القنوات تحجب بسبب مهاجمتها للسعودية في حين تتعزّز الفضائيات التي تسبّ الصحابة ليل نهار؟ ألا يعتبر هذا الأمر كافياً للإذعان بالدور الغربي في تنظیم ادارة هذه الفضائيات؟
ثانياً: تدعي الشيرازية حمايتها للشيعة و”الذود عن آل محمد” في حين أنها لم تقدّم للشيعة المحاصرين في سوريا والعراق من الدواعش مثقال خردلةٍ، فضلاً عن تقديم الذرائع للإرهابيين في قتل “الروافض” تحت شعار “الدفاع عن الصحابة وأعراض امهات المؤمنين”. في المقابل، تمعن الوهابية على إختلاف مسمياتها في قتل الشيعة الأبراياء دون أن تطال رؤوس الفتنة. ألا يدل ذلك على إنخراط هذين الجناحين في مشروع غربي لضرب الإسلام في الصميم بشقّيه السني والشيعي؟
ثالثاً: إن النهج الشيرازي يقف على العكس تماماً من النهج الإسلامي (الشيعي) الأصيل، سواء الولي الفقيه أو أغلب المراجع العظام وعلى رأسهم السيد السيستاني، ففي حين يوجب النهج الشيرازي سبّ الصحابة ويهتك بعرض أم المؤمنين عائشة، يحرم نهج “ولاية الفقيه”، وربّما كافّة المرجعيات الشيعية، النيل من الصحابة فضلاً عن النيل من أمهات المؤمنين. مقابل أسبوع الوحدة الإسلامية الذي دعا إليه الإمام الخميني، أنشأ بعض أتباع النهج الشيرازي أسبوع البرائة. كل هذا بالصرف النظر عن مسائل التطبير وغيرها من الخلافات التي تختص بأبناء المذهب الشيعي.
رابعاً: تتهم الشيرازية والوهابية نهج ولاية الفقيه بممارسة “التقيّة”، رغم أن الولي الفقيه يقتضي بسيرة أمير المؤمنين (ع) و سيرة أهل البيت (ع)، ولو فرضنا أن نهج ولاية الفقيه يمارس التقية ” أي يظهر خلاف ما يعتقده”، رغم أن هذا غير صحيح، ألا يحقن ذلك الأمر دماء ألاف الشيعة من هجمات الإرهابيين؟ من أراد أن يسب أو يلعن فليفعل ذلك في “الرقة” أو الموصل لا من وراء جدار أو من خلف البحار، لأننا نحن من نقتل من الإرهابيين لا السببابين اللعانين الذين غدوا في نعيم الغرب، في حين نذبح نحن بسيوف كلامهم، ونقتل برصاص أفواههم.
من باب الانصاف في النقد، لم يصدر الخطاب الفتنوي المشار إليه أعلاه من شخص زعيم المرجعية الشيرازية الحالية، السيد صادق الشيرازي، بل من الفضائيات الشيرازية التابعة لمؤوسساته والتي تعتبر أبرز أبواق الخطاب الفتنوي مقابل الفضائيات الوهابية السعودية، وعشرات “العمائم” التي تنضوي تحت عبائته وفي مقدّمتهم أخوه الذي يدير مؤوسسات المرجعية في لندن مجتبى الشيرازي وصهره ياسر الحبيب الذي خرج بعفو أميري “غير مستحق” من السجون الكويتية. أقول قولي هذا إقتداءً بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وحفاظاً على ثوب المرجعية الذي يجب أن يبقى ناصعاُ لا تلوّثه البصمات السوداء وآفات الجهلاء.
بناءً على ما تقدّم، يظهرالصراع القائم في منطقة الشرق الأوسط سياسي بإمتياز، تسعى العديد من الدول الغربية والعربية على رأسها السعودية لتحويله إلى صراع مذهبي بغية تحقيق مصالحها الخاصّة، في حين تلعب الوهابية من ناحية والشيرازية من ناحية آخرى، من حيث تدري أو لا تدري، دور رأس الحربة في هذا المشروع التدميري.