دائما ما نجد الصراع داخل حلبة الانتخابات الإيرانية، كان و لازال حماسيا بين مختلف الاحزاب والتيارات السياسية الإيرانية، منذ إنتصار الثورة الإسلامية حتی الیوم، ويعود السبب برأي الكثير من المتابعين، الی المساحة الكبيرة من الحرية التي تتحلی بها الانتخابات في إيران. حيث وفق الدستور الإيراني يسمح لأي شخص دون النظر في إنتمائه السياسي او المذهبي او العرقي، أن يرشح نفسه للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية وكذلك لدخول مجلس الخبراء المسؤول عن انتخاب المرشد الأعلی والإشراف علی أداء عمله. ولهذا نری في كل موسم انتخابي مشاركة شعبية واسعة عادة ما تفوق الـ 70 في المئة، وتصل أحيانا الی أعلی من ذلك بكثير كما رأينا في بداية الثورة الإسلامية. وعلی سبيل المثال فقد وصلت المشاركة في الانتخابات الرئاسية السابقة الی 72.7%، وهذه النسبة الكبيرة من المشاركة تدل علی تأييد النظام بنسبة كبيرة من قبل الشارع الإيراني. الاقليات الدينة والذي لا يتجاوز أفراد أتباعها بضعة آلاف كـ اليهودية، تحظی هذه الاقليات بممثلين عنهم في البرلمان، ولا تختلف أحوال أتباع هذه الاقليات عن باقي فئات الشعب الإيراني.
وبعد ما ترشّح مايقارب الـ 12 الف مرشح للإنتخابات البرلمانية، تم تأييد أهلية حوالي عشرة آلاف أي مايعادل الـ 83% من هؤلاء المرشحين من قبل وزارة الداخلية، وفق ما صرح به “رحماني فضلي” وزير الداخلية الإيراني، وستجری الانتخابات الجمعة القادم (26 فبراير) في 53 الف دائرة انتخابية تحتوي علی 120 ألف صندوقا للاقتراع، وسط أجواء من المنافسة المحتدمة بين الآلاف من المرشحين الذين تم تأيد أهليتهم نهائيا من قبل مجلس صيانة الدستور. واوضحت وزارة الداخلية الإيرانية أنه سيتواجد ممثلا، يمثل القائم مقام وممثلا عن لجنة الإشراف وكذلك ممثلون آخرون عن الاحزاب والمرشحين، حتی إنتهاء عملية إجراء الانتخابات وفرز الآراء، في جميع الدوائر الانتخابية. وأكدت وزارة الداخلية الإيرانية أن توزيع هؤلاء الممثلين الذين ينتخبون مباشرة من قبل المرشحين المشاركين في الانتخابات، ياتي لقطع الطريق أمام كل من يريد أن يشكك بنزاهة الانتخابات.
وستجري الانتخابات في أنحاء البلاد، بين مختلف التيارات والاحزاب السياسية وياتي المحافظون والإصلاحييون في رأس هذه التيارات. ورغم أن لكلی هذين التيارين برامج سياسية واقتصادية خاصة، لكن رغم ذلك فانهما يستفيداني علی حد سواء من جميع إمكانيات البلاد، دون اي تميز. ومن يسير هذه الايام في شوارع المدن الإيرانية وخاصة العاصمة طهران، سيری قدر كبير من النشاط والدعاية الانتخابية التي تشير الی وجود منافسة قوية بين المرشحين لدخول البرلمان.
وباعتقاد الكثير من المراقبين فان المشاركة الواسعة في الانتخابات الايرانية، تعود لعدة أسباب وعلی رأسها، يمكن الإشارة الی عدم إنحياز الحكومة والنظام في إيران لصالح طرف علی حساب طرف آخر، حيث يشعر جميع المرشحين والتيارات السياسية المنتمون الیها، بان الانتخابات تجري في أجواء مملوءة بالشفافية والنزاهة، ولهذا نری دائما قبولا بالنتائج من قبل الجميع بعد إنتهاء فرز الآراء.
وبعد مضي 37 عاما علی عمر الثورة الإسلامية في إيران، اُجريت لحد الآن حوالي 37 إنتخابات، أي مايعادل إجراء انتخابات في كل عام. حيث يتم إنتخاب جميع المسؤولين التنفيذين بدء من أعضاء مجالس البلديات ونواب مجلس الشوري الإسلامي (البرلمان)، وصولا الی مرشد الاعلی للثورة الإسلامية، بشكل مباشر من قبل الشعب (المرشد ايضا ينتخب مباشرة من قبل أعضاء مجلس الخبراء والذي ينتخبهم الشعب بشكل مباشر).
النتائج التي افرزتها صناديق الاقتراع خلال الاعوام الماضية في إيران، تشير وبكل وضوح الی أن نتائج الانتخابات ظلت دائما تتمتع بنزاهة عالیة وبعيدة كل البعد عن التلاعب. فعلی سبيل المثال فقد فاز الرئيس “حسن روحاني” في الانتخابات الرئاسية السابقة، في حال كانت التكهنات تشير قبل معرفة النتائج الی أنه لم يحظی بفرص عالیة للفوز بهذه الانتخابات.
وباعتقاد الكثير من خبراء الشأن الإيراني، فان البرامج التي يقدمها مرشحوا الانتخابات، هي من تصنع الفوز أو تؤدي الی خسارتهم في الانتخابات. وفي هذه الانتخابات التي سنشهدها يوم الجمعة القادمة تشير الإحصائيات الواردة الی تقدم التيار المحافظ علی التيار الإصلاحي. وذلك بسبب أن المحافظين اختاروا الكثير من مرشحيهم من ذوي الخبرات الإقتصادية لمعالجة المشاكل التي يعاني منها الإقتصاد الإيراني، بعد إنتهاء العقوبات. فعلی سبيل المثال أدخل المحافظون أسماء 10 خبراء إقتصاديين في قائمتهم لمدينة طهران من أصل 30 مرشحا. وبالاضافة الی إجراء الإنتخابات البرلمانية نهاية هذا الاسبوع، ستشهد البلاد وبالتزامن مع هذه الإنتخابات، انتخاب 88 عضوا، لتشكيل مجلس الخبراء القادم.
وفي النهاية يجب علینا أن نتريث قليلا حتی نعرف هذه المرة كيف ستكون تركيبة البرلمان القادم وكذلك ما هي شاكلة مجلس خبراء القيادة، وستتضح هذه النتيجة بعد فرز آراء مايقارب الـ55 مليون إيرانيا يحق لهم التصويت الجمعة القادمة. إذن بعد أن انتهت إيران من حقبة الفرد الواحد ونظام الحكم الوراثي فی عام 1979 علی يد مؤسس الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني الراحل (ره)، ها هي اليوم تسير بكل هدوء نحو مزيدا من الديمقراطية عبر نظام الانتخابات، علی عكس الكثير من دول المنطقة التي لاتزال تعاني من نظام الحكم الملكي.