سألني أحد الباحثين في مجال جماعات الإسلام السياسي السؤال الأتي :
أيهم أقرب للدعوة للمذهب الشيعي : الصوفية أم الجماعات الإسلامية ؟ واستطرد قائلاَ :
أظن أن الصوفية أقرب للتشيع من الجماعات الإسلامية ( السنية ) … ؟
فقلت له الإجابة التالية :
في البدء ومنذ حوالى أكثر من ثلاثة عقود ( 30 سنة ) حيث ظهر بمصر عدد كبير من الجماعات الإسلامية المتطرفة والغير متطرفة وكلها تنتمي إلى المذهب السنى ، كانت هذه الجماعات في هذا الوقت أقرب إلى التشيع والإلتحاق بمدرسة أهل البيت عليهم السلام من الصوفية ؟!
فتعجب الباحث قائلاَ :
وكيف ذلك …؟!!
فقلت له :
إن الجماعات الإسلامية التي ظهرت فجأة في مصر في السبعينات والثمانينات كانت تعتمد على (الدليل ) أو النص من القرأن والسنة ، ولا تعتمد على أقوال الرجال أو تقليد الأباء ، بل كانت هى إنتفاضة علي التقليد ، فهم لا يتقبلون الكلام إلا بدليل …
فمثلاَ :
عندما أذكر لهم بعض أفكار مدرسة أهل البيت ( ع ) يطلب منى الدليل من كتب أهل السنة ، فإذا أظهرت له الدليل من قرأن أو سنة فهو يعتبر أني قد أقمت عليه الحجة ، ولزمه الإقرار بصحة مدرسة أهل البيت ( ع ) …
فقال الباحث :
إضرب لي بعض الأمثلة ……؟
فقلت له :
1 ـ مثلا قضية وجوب إتباع أهل البيت عليه السلام كوجوب إتباع القرأن ، الدليل عليها الحديث الصحيح :
( تركت فيكم الثقلين : كتاب الله وأهل بيتى )
2 ـ ومثلا قضية حصر عدد الأئمة فى 12 إماما ، الدليل هو الحديث الذى يحدد عدد الإئمة ولقد ورد في صحاح السنة كلها بإثنى عشر خليفة ، مثل ماورد في صحيح مسلم ( مايزال الدين عزيزا أو منيعا مامضى فيهم إثنا عشر خليفة أو حتى تقوم الساعة كلهم من قريش )
3 ـ مسألة فريضة زكاة ( الخمس ) قوله تعالى :
( ۞ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)الأنعام
4 ـ مسألة عصمة أهل البيت ( ع ) قوله تعالى :
( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الأحزاب .
5 ـ مسألة وجوب الشهادة على الطلاق ، قوله تعالى في سورة الطلاق :
( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) الطلاق
6 ـ مسألة المسح على الرجلين فى الوضوء ، قوله تعالى في أية الوضوء :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) 6 المائدة
وهكذا باقي نقاط الإخنلاف .. بغض النظر عن تفسير هذه الأيات أو الروايات …
فقال لى صاحبي الباحث في شئون الجماعات الإسلامية :
هذا عن الجماعات الإسلامية ( السنية ) فماذا عن ( الصوفية ) .. ؟
فأجبته قائلاَ :
الصوفية في هذا الوقت ( أى منذ ثلاثة عقود تقريبا ) إذا حدثتهم عن ( الشيعة ) ومدرسة أهل البيت ( ع ) … قالوا :
نحن أصحاب هذه المدرسة وروادها ، ونحن أتباع ومحبي أهل البيت ، ونحن نحيي مناسبات مواليدهم في أرجاء مصر المحروسة ، ثم أنهم ـ في أغلبهم ـ لا يخرجون عن قول شيخهم فهو الحجة لديهم .. ولذلك كانوا لا يستيجيبون ، ولا يعتبرون أنه يوجد جديد في الأمر ، والبعض القليل ممن عندهم مكانة في الطريقة كان يستنكر الدعوة تحت ضغط الموروثات الخاطئة عن ( نزول الوحي خطأ ) أو ( سب الصحابة ) ..
الخلاصة أنه في هذه المرحلة كانت الجماعات الأسلامية أكثر إستجابة من الصوفية .. وهذا من واقع التجربة العملية ..
فقال لي صاحبي الباحث :
وما الذى تغير في هذا الوقت الحاضر الذى نعيش فيه ؟
فقلت له :
إنقلب الوضع فأصبحت الصوفية أكثر قرباَ من الشيعة بسبب إدراكها أنها مستهدفة فى دينها وفي عقيدتها مع الشيعة في خطر واحد وهو خطر التطرف والأرهاب والتكفير الذى يهدد الأمة كلها بجميع طوائفها ، ولذلك وجدنا في هذا الزمن تعاطف وقبول من بعض الصوفية للشيعة ، بل وإنشاء علاقات طيبة معاَ …
أما ( السلفية التكفيرية ) وباقى التيارات ( السنية ) السلفية أو الوهابية فنتيجة الحملات الشعواء التى شنتها قنوات الفتنة المذهبية على الشيعة والتشيع ، وحملات الكراهية والتكفير والإزدراء التى تعرض لها الشيعة خلال العقود الثلاثة الماضية وخاصة بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران ، إتخذت معظم هذه التيارات المتطرفة التكفيرية العداء للشيعة ديناَ لها ..بل أن هذه الكراهية والنفور تسلل إلى بعض العامة من الناس من إستنشاقهم للغبار السلفي الذى تسممت به عقول الكثيرين في فترة غياب الوعى …
ولكن الأن بدأ الناس بل والعالم في اليقظة والإتحاد ضد هذا الخطر الذى يهدد الحضارة والحدود والوجود ، لا فرق بين سني وشيعي ، ولا بين مسلم ومسيحى …
لعلنا على أبواب يقظة كبرى بعد هذه الفتنة الكبرى ،، يقظة تدعوا إلى الوحدة والتعايش والتعارف والتسامح والحب ، ومعرفة أن هذا الدين يسع الجميع ، وإلم يكن يسع الجميع فالإنسانية تسع البشر كلهم …
ونختم هذا المقال بقول الإمام الخميني :
( من فرق بين السنة والشيعة فليس بسني وليس بشيعي وليس بمسلم )
نحتاج فترة من الوقت حتى نطهر نفوسنا وقلوبنا من غبار التطرف والكراهية ، حتى نستطيع أن نسمتع بالجمال الذى يلف الكون كله ، جمال المحبة والرحمة للجميع …