يتمتّع الجهاد في جميع الأديان الإلهية بمكانة خاصة. فعلى الرغم ممّا يتصوره بعض الأفراد من أنّ الجهاد منحصر بالدين الإسلامي، ينبغي أن نعلم بأنّ جهاد الظلَمة والطواغيت كان على رأس أهداف كلّ الأنبياء والرسل عليهم السلام.
ويكشف لنا التحقيق في الآيات والروايات، وحتى في الكتب المعرِّفة للأديان السابقة أنّ سائر الأنبياء عليهم السلام قد قاموا بمواجهة الظَلَمَة كلٌّ في زمانه، وقد أدّت هذه المواجهات إلى وقوع الحروب وسفك الدماء.
وقد صرّح القرآن الكريم بدوره عن القتال العسكري للأنبياء عليهم السلام، حيث يقول تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ . ومعنى الآية أنّه في الوقت الذي أمر الله تعالى به الأنبياء بالجهاد برز رجال لله شديدو الإخلاص، استجابوا لنداء الجهاد وقاتلوا في ركاب الأنبياء ضدّ الكفّار والمشركين.
وقد وردت الإشارة أيضاً في آيات أخرى إلى جهاد بعض الأنبياء عليهم السلام، من قبيل ما ذُكر بشأن الأمر لموسى عليه السلام وأتباعه بالحرب والجهاد لأجل الدخول إلى الأرض المقدَّسة (وهي بيت المقدس أو كل بلاد الشام): ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ .
وفي آية يصوّر لنا القرآن دور داوود عليه السلام كجندي مضحّي في الحرب ضدّ جيش جالوت الظالم، وكيفَ أنّ هذا النبي عليه السلام بإقدامه على الجهاد وقتله لجالوت قد عمل بتكليفه، وكيف آتاه الله الملك والحكمة، وعلّمه ممّا يشاء بعد ذلك: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ .
ويشير تعالى كذلك في سورة النمل إلى التهديد العسكري الذي وجّهه سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ، والذي هدّد المشركين فيها بالحرب إن هم لم يقبلوا دعوته الإلهية: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ .
وقد جاء في الروايات أنّ إبراهيم عليه السلام ذهب إلى حرب الروم بهدف إنقاذ لوط عليه السلام من أيديهم، وأنّه كان أوّل شخص قام للجهاد في سبيل الله: “إنّ أوّل من قاتل في سبيل الله إبراهيم الخليل عليه السلام، حيثُ أسرتِ الروم لوطاً عليه السلام فنَفرَ إبراهيم عليه السلام واستنقذه من أيديهم” .
أمّا بشأن الأنبياء عليهم السلام الذين يذكر بأنّهم توجّهوا إلى الحرب، فينبغي أن نقول بأنّنا:
أوّلاً: لا نملكُ معلومات كاملة ودقيقة عن تاريخهم، حيث لم تُذكر تفاصيل حياتهم ودعوتهم لا في القرآن، ولا في أيّ كتاب آخر.
وثانياً: إنّ أكثرهم كنوحٍ وهودٍ وصالحٍ عليهم السلام عاشوا وضعاً مشابهاً لوضع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قبل الهجرة، إذ ليس فقط لم يكن لديهم عدد كافٍ من الأصحاب لإقامة الحكومة، وتشكيلها، بل كان أعداؤهم يحيطون بهم من كلّ جانب
أيضاً، ولم يكن أمامهم من فرصة للحرب والقتال مطلقاً. وقد كان حال عيسى عليه السلام بين الناس على هذا النحو في أيّامه، وأمّا انتشار دعوته وقبول الناس لدينه فقد تزامن مع ظهور الإسلام عملياً .