عندما نتفحّص آيات القرآن الكريم والروايات الشريفة نجد أنّه قلّما نزلت آيات بشأن فرعٍ من فروع الدين الإسلامي كما هو الحال بشأن الجهاد. فقد نزلَ البعضُ منها بلسان صريح، مستعملة مفردتي الجهاد والقتال، في حين نزل البعض الآخر بلسان غير مباشر، وبقصد تفصيل المسائل الجانبية المتعلّقة به:
أفضل من الحج:
ولأجل أن يبيّن القرآن المجيد أهمّيّة الجهاد، عمد إلى مقارنته بخدمة الحجّاج وعمارة المسجد الحرام، ثم صرّح بأفضلية الجهاد على ذلك، حيث قال تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ ، وكل الآيات التي تحدّثت عن علوّ منزلة المجاهدين في سبيل الله، تحكي في الوقت نفسه عن أهمّيّة الجهاد وفضله.
الفوز العظيم:
وقد صرّح القرآن الكريم بأنّ الله نفسه يشتري أرواح المؤمنين المجاهدين، وأموالهم، حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم
بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ .
البشرى والرضوان:
واعتبر الله تعالى المجاهدين هم الفائزون حقيقة في هذا العالم وبشّرهم برحمة منه ورضوان، وجنّات تجري من تحتها الأنهار، وخصّهم بها دون العالمين: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾ .
خير الأعمال:
قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “الخير كلّه في السيف، وتحت ظلّ السيف ولا يقيم الناس إلا السيف، والسيوف مقاليد الجنّة والنار” .
أفضل الأعمال:
إنّ تحريك العواطف الإنسانية وحثّ الناس على الجهاد كما في قوله تعالى: ﴿أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم
مُّؤُمِنِينَ﴾ ، واستخدام لسان الأمر: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ، واللجوء إلى التوبيخ، واللوم والتهديد، وبيان عقاب تاركه: ﴿بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ . وقسمَ القرآن بأنفاس خيول المجاهدين العادِيَةْ، وقدحِ النار من تحت حوافرها، والغبار المتصاعد من حركتها السريعة: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾ ، كل ذلك شاهد على عظمة الجهاد.
روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعث بسريّة كان فيها ابن رواحة، وتحرّك الجيش مع الفجر نحو المنطقة المحدّدة، ولكنّ ابن رواحة تخلّف عنه ليصلّي وراء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. وبعد الصلاة، رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ألم تكن في ذلك الجيش؟ فأجاب: بلى، ولكنّي أحببتُ أن أصلّي خلفك هذه الصلاة ثم ألحقَ بهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “والذي نفسُ محمدٍ بيده لو أنفقتَ ما في الأرض جميعاً ما أدركتَ فضلَ غدوتهم” .
أحبّ الأعمال:
أشار تعالى إلى أنّ المجاهدين هم في الحقيقة أحباؤه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ .
وعن أبي ذرّ الغفاري سأل النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله عزّ وجلّ؟ فقال: إيمان بالله، وجهادٌ في سبيله. قال: قلتُ: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: من عقرَ جواده وأُهرقَ دمُه في سبيل الله” .
درع الله:
وفي خطبة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام في أواخر عمره، حيث يقول: “إنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة، فتحهُ الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودِرعُ الله الحصينةُ، وجُنّتهُ الوثيقة” .
سنام الإسلام:
وعن أبي جعفر عليه السلام، حيث قال لأحد أصحابه: “ألاَ أُخبرك بالإسلام وفرعه وذروته وسنامه؟ قال: قلتُ: بلى جعلت فداك، قال عليه السلام: أمّا أصله فالصلاة، وفرعه فالزكاة، وذروته وسنامه الجهاد…” .
وبالإضافة إلى ما ذُكِرَ منَ الآيات والروايات، فإنّ التدقيق في دور الجهاد في الإسلام، ومنزلته بالنسبة لسائر الواجبات الدينية، يطلعنا أيضاً على أهمّيّته وعظمته. فالجهاد الدفاعي سبب في توفير الأمن، والذي في ظلّه فقط يمكن إقامة سائر الواجبات والحدود الإلهية.
وفي الجهاد الابتدائي أيضاً رفع للموانع من أمام تبليغ الدين الإلهي، وهو ما يسبّب في ميل عدد من المجتمعات البشرية نحو الدين الحقّ، ومن الواضح أنّه مع تحقّق هذا الميل وازدياد عدد المسلمين يصبح بالإمكان إرساء قواعد حكومة العدل وتنفيذ الأحكام الإسلامية بشكل واسع.
وباختصار، إنّ تبليغ أصول الدين والعمل بفروعه، مرهون في كثيرٍ من الموارد بأداء هذه الفريضة الإلهية الكبرى، وهو ما يدلّ بدوره على عظمتها.
المفاهيم الرئيسة
1- الجهاد لغة هو بذل الوسع والطاقة وتحمّل المصاعب في مواجهة العدو.
2- تطلق كلمة الجهاد غالباً على عملية صَدِّ العدو عن طريق الحرب، إلاّ أنّ معناها يتّسع ليشمل دفع كل ما يمكن أن يصيب الإنسان بالضرر.
3- الجهاد اصطلاحاً هو: “بذل النفس والمال والوسع في إعلاء كلمة الإسلام وإقامة شعائر الإيمان”.
4- حدّد الإمام الخامنئي معنى الجهاد ومعياريّته، حيث قال: “الجهاد هو كل كفاح من أجل تحقيق هدف سامٍ مقدّس”.
5- أولت الشريعة الإسلامية الجهاد أهمّية كبرى, حيث وردت آيات وروايات عدّة تبيّن أهمّية الجهاد ودوره في حفظ الدين والمجتمع والدولة.