بعد مرور قرابة أربعة عقود على إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، لم يعد أحد يشكك بأن برنامج طهران الدفاعي غير قابل للتفاوض أو المساومة.
ورغم تكرار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لمزاعمه بشأن القدرات الصاروخية الإيرانية، يبدو أن هذه المزاعم نابعة في الأساس وأكثر من أيّ شيء آخر عن الفهم الخاطئ للسلطات الأمريكية لإرادة وعزم الإيرانيين على المضي بالدفاع عن أمنهم وإستقرار بلدهم.
وكان كيري قد زعم خلال زيارته الأخيرة للبحرين أن بلاده وحلفاءها في المنطقة مستعدون للعمل على إتخاذ تدابير جديدة لإيجاد حل سلمي للنزاع بشأن التجارب الصاروخية الباليستية الإيرانية. وأضاف أن على إيران أن تثبت للعالم أنها مستعدة للعمل على تقليص تجاربها الصاروخية المثيرة للقلق حسب زعمه.
وكانت الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا قد شنّت هجمة إعلامية شرسة ضد إيران بعد تجربتها الأخيرة لإطلاق صواريخ باليستية من طراز (قدرF وH ) التي يبلغ مداها 2000 كلم و 1700 كلم. وتقدمت فرنسا وبريطانيا وأمريكا وألمانيا بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي زعمت فيها أن التجارب الصاروخية الإيرانية تتناقض مع القرار 2231 الصادر عن هذا المجلس بشأن الإتفاق النووي بين طهران ومجموعة (5+1)، وطالبت بإتخاذ تدابير مناسبة ضد إيران.
وتأتي هذه المزاعم في وقت يؤكد فيه جميع المراقبين بأن قرار مجلس الأمن 2231 لايتضمن أي إلزام قانوني يمنع إيران من مواصلة تجاربها الصاروخية، ولا يطالبها إلاّ بالإمتناع عن إجراء تجارب لصناعة أسلحة نووية أو إطلاق صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
وبعد رفض مجلس الأمن لشكوى الدول الغربية نتيجة معارضة روسيا، سعت أمريكا لحرف أذهان الرأي العام العالمي بشأن الإتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية من خلال الزعم بأن طهران قد خرقت هذا الإتفاق، ووصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما إطلاق إيران للصواريخ الباليستية بأنه إجراء إستفزازي ويتعارض مع فحوى الإتفاق النووي حسب زعمه.
ويبدو أن أمريكا قد نسيت أو تناست أنها إرتكبت العديد من الإنتهاكات التي تتعارض مع مضامين الإتفاق النووي مع إيران وضرورة الإلتزام ببنوده، ومن هذه الإنتهاكات قرار مجلس النواب الأمريكي قبل بضعة أشهر القاضي بفرض مزيد من القيود على دخول مواطني العديد من الدول من بينها إيران إلى أمريكا والذي وصفه المراقبون بأنه نوع آخر من أنواع الحظر المفروضة على إيران على خلفية أزمتها النووية مع الغرب.
وكان قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي قد حذّر في وقت سابق من محاولات أمريكا للإلتفاف على بنود الإتفاق النووي، مشيراً إلى أن المسؤولين الأمريكيين يختلقون شتى الذرائع الواهية للتنصل من إلتزاماتهم في هذا المجال.
في سياق متصل إنتقد الكثير من المراقبين تصريحات المسؤولين الأمريكيين ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري بشأن الصواريخ البالستية الإيرانية، في وقت تغض فيه الإدارة الأمريكية الطرف عن صفقات بيع مختلف صنوف الأسلحة والمعدات العسكرية الحديثة والمتطورة التي تبرمها الشركات الغربية والأمريكية على وجه الخصوص مع العديد من دول المنطقة لاسيّما دول مجلس التعاون وفي مقدمتها السعودية والتي تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات.
كما وجّه الكثير من المراقبين إنتقادات لاذعة إلى الإدارة الأمريكية لصمتها إزاء الجرائم التي ترتكبها العصابات الإرهابية المدعومة من قبل حلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم السعودية وقطر وتركيا ضد شعوب ودول المنطقة لاسيّما في العراق وسوريا واليمن.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من القادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين قد أكدوا رفضهم لتصريحات المسؤولين الأمريكيين بشأن الصواريخ الباليستية الإيرانية، مؤكدين أن هذا البرنامج لا يمكن التفاوض بشأنه مع أي طرف أجنبي ولن تسمح طهران لأي كان بالتدخل في قراراتها بهذا الخصوص.
وأكد وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان أن مزاعم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشأن الحد من القدرات الدفاعية الإيرانية يعكس في الحقيقة عجز واشنطن أمام طهران، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن المسؤولين الأمريكيين يزعمون بأنهم يعمدون إلى تثبيت الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط، لكنهم في الواقع يسعون إلى إخضاع المنطقة لسيطرتهم عبر إتجاهين، الأول: من خلال بيع الأسلحة، والثاني: عبر تصريحاتهم المبطنة والتي تشير إلى أن بقاء الأنظمة الموالية لهم في هذه المنطقة رهن بتنفيذ السياسات الأمريكية.
من جانبه رفض مساعد هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية والمتحدث بإسمها العميد مسعود جزائري تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بشأن قدرات إيران الصاروخية، مشدداً على أن هذا البرنامج يشكل خطّاً أحمر، ولا يمكن التفاوض أو المساومة بشأنه، وهو تابع لإرادة الجمهورية الإسلامية وحدها ولیس من شأن الأمریکیین أو غيرهم إبداء وجهات نظر حول قدرات إيران الدفاعية سواء في مجال الصواريخ أو في غيرها من المجالات العسكرية.
وعلى الرغم من الإعتقاد بأن العديد من المسؤولين الأمريكيين لم يذعنوا بعد – في الظاهر على الأقل – بأن إيران لن ترضخ للتهديدات ولن تساوم بشأن برنامجها الصاروخي، إلاّ أن العديد من وسائل الإعلام الأمريكية قد أدركت هذه الحقيقة التي لا يمكن حرفها أو كتمانها عن الرأي العام العالمي، وهو ما أكده موقع (نشنال إينترست) الأمريكي على شبكة الإنترنت بالقول إن قدرة إيران العسكرية أمام أي تهديد خارجي تعتمد بشكل كبير على قوتها الصاروخية ولهذا لا يمكنها أن تتخلى عن هذا البرنامج بإعتباره يمثل حلقة مهمة من حلقات إستراتيجيتها الدفاعية التي تسعى لتقويتها وتطويرها باستمرار من أجل تعزيز أمنها وحماية إستقرارها.
وأضاف الموقع في تقرير له أن تهديدات واشنطن ومختلف أنواع الحظر الذي يفرضه الكونغرس الأمريكي على إيران لا يمكنها أن تمنع طهران من تطوير برنامجها الصاروخي، مشيراً إلى أن السبيل الوحيد لمواجهة هذا البرنامج يكمن بتقوية المنظومة الصاروخية لأمريكا وحلفائها في المنطقة على حد تعبيره.