لم يكن للناس قبل الاسلام مادة للتاريخ , اللهم الا ما توارثوه بالرواية , مما كان شائعا بينهم من اخبار آبـائهـم واجـدادهـم وانـسـابهم وشعوبهم وقبائلهم وملوكهم , وما في حياة اولئك من قصص فيها الـبـطـولـة والكرم والوفا , وما كان من خبر الاسر التي تناوبت الامرة على الناس وماقاموا به من تـجـهيز الجيوش واقامة الحروب وبنا المدن والقصور , الى امثال ذلك , مما قامت فيه الذاكرة مقام الـكـتـاب والـلـسان مقام القلم , يعي الناس منه ويحفظون ثم يؤدونها كما هي او باضافة او نقيصة , وكثيرا ماكان باضافات وتحريفات .
كـان هـذا عند الفرس المجوس , واليهود الاسرائيليين , والعرب الجاهليين المشركين , واختص هـؤلا باخبار الجاهلية الاولى و انسابها , ومافيها من قصص عن البيت وزمزم وجرهم , وماكان من امـرهـا , ثـم مـاكان من خبرالاسر التي تناوبت الزعامة والامرة على قريش , وماجرى قبل ذلك لسدمارب في اليمن , وماتبعه من تفرق الناس في البلاد.
التاريخ بعد الاسلام :
ثم ظهرت الرسالة المحمدية بصفتها اعظم حادث في حياة البشر عامة والعرب خاصة , فكان محور تـاريـخ الـبشر عامة والعرب خاصة , فما اجتمع ملامنهم او تفرق الا وحديثهم عنه , ولاتحركت جـيـوشـهم و كتائبهم الا له اوعليه , حتى تتوجت جهوده بمعنى قوله سبحانه ( اذا جا نصر اللّه والفتح ورايت الناس يدخلون في دين اللّه افواجا ) فنبذوا ما كانوا فيه من الجاهلية الجهلا والضلالة العميا بهداية القرآن والاسلام .
ويـومـئذ وبـظهور النبي (ع ) وظهور دعوته , ظهر مورد جديد للتاريخ ,وهي احاديث الصحابة والـتـابعين واهل بيته (ع ) عن ولادته و حياته , وماقام به (ع ) من جهاد وجـهود في سبيل اللّه , واصطدام في ذلك مع المشركين ,ودعوة الى التوحيد , وماكان فيها من اثر للسيف والسنان واللسان والبيان ,واصبحت هذه هي مواد التاريخ الجديد بصورة عامة وسيرة الرسول بصورة خاصة .
تدوين السيرة النبوية وتاريخ الاسلام :
ولم يدون في تاريخ الاسلام او في سيرته (ع ) شي , حتى مضت ايام الخلفا , لم يدون في هذه المدة شـي سـوى القرآن الكريم وتقويم اعرابه بمبادئ وقواعد النحو على يد ابي الاسود الدؤلي باملا امـيـر الـمـؤمـنين علي ابن ابي طالب (ع ) , وقد كان رسول اللّه (ع ) يحفز المسلمين على كتابة القرآن حرصا على حفظه وصيانته , كما ان تفشي العجمة على السنة ابنا العرب على اثر اختلاطهم بـغيرهم عند اتساع الرقعة الاسلامية دفعت ابا الاسودالدؤلي الى عرض ذلك على علي (ع ) فكان ذلك حافزا على تدوين النحو.
وبـهـذا الاخـتلاط ايضا تفشت فيهم اخبار الماضين من ملوك الفرس وبني اسرائيل , فلما كانت ايام مـعاوية احب ان يدون في التاريخ القديم كتاب فاستقدم عبيد بن شرية من صنعا اليمن فكتب له كتاب اخبار الماضين من ملوك اليمن من العرب البائدة وغيرهم ومنهم الفرس والحبشة .
وقـد كان المسلمون يحبون ان يخلدوا آثار مايتعلق بسيرة الرسول (ع ) ,وقد كان هذا يحقق ما في نـفـوسهم من تعلق به ـ عليه الصلاة والسـلام ـ ,ولكنهم ـ ببالغ الاسف ـ منعوا عن تدوين احاديثه مـخـافـة ان يـختلط الحديث بالقرآن الكريم ـ كما زعموا ـ , بل منعوا حتى عن التحديث بحديثه , حـاشـاامـير المؤمنين عليا (ع ) , فانه لم يشارك في هذا المنع ولم يؤيده , بل كما املى النحو على كاتبه ابي الاسود الدؤلي كتب هو ايضابعض الكتب في الفقه والحديث , وامر كاتبه الراتب عبيد اللّه بـن ابـي رافـع ان يـكـتـب المهم من اقضيته , واحكامه في فنون الفقه من الوضؤ والصلاة وسائر الابواب ((1)) .
وبـهـذا الـموقف من امير المؤمنين (ع ) , وبفعل حاجة المسلمين الى احاديث نبيهم ظهر فيهم غير واحـد مـن حملة الاحاديث العلما الفقها ,ولكن حيث استمر هذا المنع رسميا من قبل الخلفا بعد علي وابـنـه الـحـسـن (ع )الـى ايـام عـمـر بن عبد العزيز , قام رجال كلهم محدثون , لم يدونوا في الحديث والفقه شيئا , ولكنهم عوضوا عن كتابة احاديثه بكتابة شي من سيرته (ع ).
اصول السيرة النبوية وتطورها في القرنين الاول والثاني :
لا شك في الاهمية الكبرى التي كانت لاقوال النبي (ع ) واعماله في حياته , واكثر منها بعد وفاته .
ومـن الـطـبيعي ان تورث هذه الاهمية عناية بتدوين تفاصيل حياته وجمع الاخبار و الاحاديث عنه (ع ).
وطـبـيعي ايضا ان تكون القصص الشعبية عن سيرته موجودة في حياته معتنى بها ـ كحال الناس في العناية بقصص الانبيا من قبل ـ.
وطبيعي ايضا ان يكون بعض الصحابة والتابعين قد تفوق على اقرانه في علمه بسيرته و مغازيه .
كتاب السيرة الاوائل :
ان اول من صنف في السيرة هو عروة بن الزبير بن العوام ( ت 92 ه).
وذكـر ابن سعد في كتابه ((الطبقات )) مايفيد : ان اول من تخصص فيهاهو ابان بن عثمان بن عفان (ت 105 ه) , روى بعضها عنه المغيرة بن عبدالرحمن .
ثم تنبه الى جمع اخبارها والتحديث بها وهب بن منبه اليمني (ت 110 ه).
ثـم عـاصم بن عمر بن قتادة ( ت 120 ه) الذي يروي عنه ابن اسحاق بعض اخبار سيرته كخبره عن دعا النبي للاستسقا في طريق تبوك , وكثرة النفاق .
ثم شرحبيل بن سعد الشامي (ت 123 ه).
ثم عبـد اللّه بن ابي بكر بن حزم القاضي (ت 135 ه) الذي طلب منه عمر بن عبد العزيز ان يكتب اليه ماعنده من الاحاديث فنشرها بين الناس .
ثم موسى بن عقبة (ت 141 ه).
ثم معمر بن راشد (ت 150 ه).
ثم محمد بن اسحاق بن يسار المدني وقيل بشار ـ بن خيار من سبي عين تمر بالعراق (ت 153 ه).
ثم راويته زياد بن عبد الملك البكائي الكوفي العامري (ت 183 ه).
ثم محمد بن عمر بن واقد المعروف بالواقدي صاحب كتاب المغازي (ت 207 ه).
ثم راوية ابن زياد البكائي عن ابن اسحاق : عبد الملك بن هشام الحميري اليمني البصري (ت 218 ه).
ولـم يصلنا من كتب هؤلا شي سوى سيرة ابن اسحاق برواية ابن هشام عن البكائي عن ابن اسحاق , ومغازي الواقدي , اللهم الا روايات في طيات امهات المصادر التاريخية فيما بعد.
المؤرخون الاوائل :
والى جـانب هؤلا ظهر من لم يقتصر على اخبار سيرة الرسول (ع ) ,بل جمع اليها اخبار الجاهلية قبل الاسلام , ثم اخبار الخلفا بعده , او جمع اخبار بعض الخلفا , او الائمة من اهل البيت (ع ) فقط , فكانوا مؤرخين بالمعنى العام .
منهم : محمد بن السائب الكلبي الكوفي النسابة (ت 146 ه).
وابو مخنف لوط بن يحيى الازدي الكوفي (ت 157 ه).
وهشام بن محمد الكلبي الكوفي (ت 206 ه).
ونصر بن مزاحم المنقري الكوفي (ت 212 ه).
وعبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 274 ه).
واحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت 279 ه).
وابراهيم بن محمد الثقفي الكوفي الاصبهاني (ت 283 ه).
وابو الفرج علي بن الحسين الاموي الاصبهاني (ت 284ه).
واحمد بن واضح بن يعقوب البغدادي (ت 292 ه).
ومحمد بن جرير الطبري (ت 310 ه).
وعلي بن الحسين المسعودي البغدادي (ت 346 ه).
ومحمد بن محمد بن النعمان التلعكبري المفيد (ت 413 ه).
الاثر الباقي في السيرة :
عـرفنا ان الكتابة في سيرة رسول اللّه (ع ) كانت قد حصلت في التابعين وتابعي التابعين , كما راينا قـائمة اسمائهم وتواريخ وفياتهم , ولكنها لم تكن كثيرة , بل هي مهما اطلنا الحديث عنها كانت قليلة جدا , لاتعدو ان تكون صحفا فيها بعض الاخبار عن سيرة المختار (ع ).
امـا الكتاب الذي كتبت له الموفقية والنجاح وشهرة الاعتماد والوثوق فهو سيرة محمد بن اسحاق , التي الفها في اوائل ايام العباسيين .
يـروون ا نـه دخل يوما على المنصور وبين يديه ابنه المهدي , فقال له المنصور : اتعرف هذا يابن اسحاق ؟ قال : نعم , هذا ابن امير المؤمنين : فقال :اذهب فصنف له كتابا منذ خلق اللّه آدم (ع ) الى يـومك هذا فذهب ابن اسـحاق فصنف له الكتاب واتاه به فلما رآه قال : لقد طولته يابن اسحاق فاذهب فاختصره فاختصره , والقي الكتاب الكبير في خزانة الخليفة .
وفـي هذا المعنى روي عن ابن عدي الرجالي المعروف ا نه كان يقول في ابن اسحاق : ((لو لم يكن لابن اسحاق من الفضل الا ا نه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لايحصل منها شي للاشتغال بمغازي رسـول اللّه (ع ) ومـبـعـثـه ومـبـتـدا الـخلق لكانت هذه فضيلة سبق بها ابن اسحاق , وقد فتشت احاديثه الكثيرة فلم اجد ماتهيئ ان يقطع عليه بالضعف , وربما اخطا واتهم في الشي كما يخطي غيره ولـم يـتـخلف في الرواية عنه الثقات والائمة الاثبات ,اخرج له مسلم في المبايعات , واستشهد به البخاري في مواضع , وروى له ابوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه )).
ثم اصبح ابن اسحاق في الحقيقة عمدة المؤلفين في السيرة , فما من كتاب في السيرة الا وهو مستمد منه وراو عنه , اللهم الا ما ناتي عليه من مغازي الواقدي ورواية كاتبه ابن سعد عنه , وما روي عن ائمة اهل البيت (ع ) ,وكذلك اصبح كتاب ابن اسحاق عمدة الكتب في السيرة لقرائها منذ ان كتبه الى يومنا هذا ولاسيما بعد تهذيبها من قبل ابن هشام ـ بحيث ا نك لاتكاد تجدرجلا يدرس سيرة الرسول الكريم الا وكتاب ابن اسحاق كتابه الاول والام في ذلك .
عمل ابن هشام في سيرة ابن اسحاق :
وقد جا بعده عبد الملك بن هشام الحميري البصري (ت 218 ه)بنصف قرن تقريبا , فروى سيرة ابـن اسـحاق برواية زياد بن عبد الملك البكائي العامري الكوفي (ت 183 ه) ولكنه لم يروها كما هـي بـل تـنـاولـهـا بكثيرمن التمرير والاختصار والاضافة والنقد احيانا , والمعارضة بروايات اخـرلغيره , عبر عن اعماله هذه بقوله في صدر سيرته : ((وانا ـ ان شا اللّه ـمبتدئ هذا الكتاب بـذكـر اسـماعيل بن ابراهيم , ومن ولد رسول اللّه من ولده , اولادهم لاصلابهم الاول فالاول من اسماعيل الى رسول اللّه ,ومايعرض من حديثهم ـ وتارك ذكر غيرهم من ولد اسماعيل للاختصار ـ الـى حديث سيرة رسول اللّه وتارك بعض مايذكره ابن اسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول اللّه فيه ذكر ولانزل فيه من القرآن شي , وليس سببا لشي من هذا الكتاب ولاتفسيرا له ولاشاهدا عليه , لـما ذكرت من الاختصار ,واشعارا ذكرها لم ار احدا من اهل العلم بالشعر يعرفها , واشيا بعضها يشنع الحديث به ( ومستقص ـ ان شا اللّه تعالى ـ ماسوى ذلك منه بمبلغ الرواية له والعلم به )) ((2)) .
اذن فـقد اسقط ابن هشام من عمل ابن اسحاق : تاريخ الانبيا من آدم الى ابراهيم , ومن ولد اسماعيل مـن لـيس في عمود النسب النبوي الشريف , كماحذف من الاخبار مايسؤ بعض الناس مـالـم يـثـبت لديه ولكن ه زاد فيه مما ثبتت لديه من رواية , ولذلك نسبت السيرة اليه وعرفت به , حتى لايكاد يذكر ابن اسحاق معه , فقد عرفت سيرة ابن اسـحاق بين العلمامنذعهد بعيد باسم سيرة ابن هشام , لما له فيها من رواية وتهذيب .
وبـهـذا الصدد قال ابن خلكان في ترجمة ابن هشام : ((وابن هشام هذاهو الذي جمع سيرة رسول اللّه مـن الـمـغـازي والـسـير لابن اسحاق وهذبهاولخصها , وهي السيرة الموجودة بايدي الناس المعروفة بسيرة ابن هشام )).
ولـم تـنقطع العناية بالتاليف في السيرة الى يومنا هذا , الا ان الموضوع في ذاته ليس امرا يقوم على الـتـجـارب , او فـكـرة يقيمها برهان وينقضهابرهان , شان النظريات العلمية التي نرى تجديدها وتـغـييرها على مر السنين ,وانما هو من العلوم النقلية لا العقلية , فكان المشتغلون به اولا محدثين نـاقـلين ,ث م جا من بعدهم جامعين مبوبين ثم ناقدين معلقين ولم يكن قابلاللتجديد في جوهره , الا بمقدار قليل حسب النقد الدقيق , وانما كان التجديد في اشكاله وصوره شرحا او اختصارا , او شيئا من النقد قليلا مشيرا الى مافيه من اخطا.
ولـعـل الـذين تناولوا السيرة بالتلخيص والاختصار , انما خففوا مـن ثقل الكتاب بعض اخباره التي اسـتـبـعـدوها غير مؤمنين بصحتها , ناقلين من الاخبار مايرون فيها القرب من الحق , ومستبعدين مالايجري في ذلك مع فكرتهم وعقيدتهم مفندين اياه رادين له .
ولعل من علل انتشار اخبار ابن اسحاق ثم كتابه في السيرة كثرة رحلاته , فالراجح في تاريخ مولده فـي الـمدينة ا نه كان سنة 85 ه ولا يرتاب الرجاليون واصحاب الطبقات في ا نه امضى شبابه في الـمـديـنـة فـتـى جميلا((فارسي الخلقة )) جذاب الوجه له شعرة حسنة ولذلك حكى ابن النديم بـشانه في فهرسته : ا نه اتهم با نه يجلس في مؤخر المسجد للصلاة فيغازل بعض النسا , فامر امير المدينة باحضاره و ضربه اسواطا ونهاه عن الجلوس في مؤخر المسجد ولعله لهذا لم يرو عنه من اهل المدينة غير راو واحد هوابراهيم بن سعد فحسب ((3)) .
ولـعـله لهذا رحل منها سنة 115 ه اي في الثلاثين من عمره الى الاسكندرية في مصر , ويظن ا نها اولى رحلاته , فانفرد برواية احاديث عن عدة من رجال الحديث بها.
ثم رحل الى الكوفة والحيرة , ولعله بها التقى بالمنصور فصنف لابنه المهدي كتاب السيرة كما سبق , فـرواهـا عـنـه زيـاد بن عبد الملك البكائي العامري وغيره , ورحل الى الجزيرة اي الموصل , والـري حـتـى اذا بـنـيت بغدادفرجع اليها وفيها القى عصا الترحال , وله من كل هذه البلدان رواة كثيرون وعاش في بغداد حتى توفي بها فدفن في مقابر الخيزران .
وقد كان ابن اسحاق يعد في طبقة تلامذة عبد الملك بن شهاب الزهري واقرانه , وله عنه روايات , ونـقـل اصـحاب الطبقات ان شيخه ابن شهاب الزهري لم يكن يتهمه بشي بل كان يوثقه , وتبعه في تـوثيق ابن اسحاق من الفقها الائمة : سفيان الثوري وشعبة , بالاضافة الى راويته زيادابن عبد الملك الـبـكـائي عـنـه وان كان هشام بن عروة بن الزبير من رواة السيرة , ومالك بن انس من ائمة الفقها يـتحاملان عليه بالجرح والتضعيف ويتهمانه بالكذب والدجل والتدليس , والقول بالقدر , والنقل عن غـير الثقات ,واخطا في الانساب ولكن لعله لان ابن اسحاق كان يطعن في نسب مالك وعلمه ويقول : ((4))اذن فالحملة متقابلة من الطرفين , والتضعيف ضعيف لانه معلوم الوجه والعلة ((الشخصية )).
مغازي الواقدي :
امـا الـواقـدي مـحـمـد بن عمر بن واقد مولى بني سهم , فقد ذكر تلميذه ابن سعد في ((الطبقات الـكـبـرى )) ا نه ولد في المدينة سنة 130 ه اي بعدخروج ابن اسحاق منها بخمسة عشر عاما , ولـذلـك لـم يرو عنه وان كان قدروى عن سائر رواة الاخبار عن الزهري , مع تشابه كبير بين فـقرات كتاب السيرة لابن اسحاق وكتاب المغازي للواقدي , ولذلك زعم مستشرقان هما( فلهوزن وهورفتس ) ا نه سرق منه ولم يسنده اليه , وفند زعمهما مستشرق آخر هو ( مارسدن جونس ) محقق المغازي كما في مقدمته للكتاب ((5)) ثم احتمل ان يكون الواقدي قد اعرض عن الرواية عن ابن اسحاق نظرا الى عدم توثيق علما المدينة له .
ثـم قـال : يـبدو واضحا للقارئ الحديث ان من اهم السمات التي تجعل الواقدي في منزلة خاصة بين اصحاب السير والمغازي تطبيقه المنهج التاريخي العلمي الفني , فانا نلاحظ عند الواقدي ـ اكثر مما نـلاحـظ عـند غيره من المؤرخين المتقدمين ـ ا نه كان يرتب التفاصيل المختلفة للحوادث بطريقة منطقية لاتتغير , فهو مثلا يبدا مغازيه بذكر قائمة طويلة من الرجال الذين نقل عنهم تلك الاخبار ثم يـذكـر الـمغازي واحدة واحدة مع تاريخ محدد للغزوة بدقة ,وغالبا مايذكر تفاصيل جغرافية عن مـوقع الغزوة , ثم يذكر المغازي التي غزاها النبي بنفسه , واسما الذين استخلفهم على المدينة اثنا غزواته , واخيرايذكر شعار المسلمين في القتال , كل ذلك بالاضافة الى وصفه لكل غزوة باسلوب موحد : فيذكر اولا اسم الغزوة وتاريخها واميرها.
وكثيرا مايقدم لنا الواقدي قصة الواقعة باسناد جامع , اي يجمع الرجال والاسانيد في متن واحد واذا كانت الغزوة قد نزل فيها آيـات كثيرة من القرآن الكريم , فان الواقدي يفردها وحدها مع تفسيرها ويضعها في نهاية اخبار الغزوة , وفي المغازي المهمه يذكر الواقدي اسما الذين استشهدوافيها.
وان مـا اورده فـي الـكتاب من التفاصيل الجغرافية ليوحي بجهده ومعرفته للدقائق في الاخبار التي جمعها في رحلته الى شرق الارض وغربهاطلباللعلم ((6)) وقد روى الخطيب البغدادي وابن سيد الـنـاس ((7)) عن الواقدي ا نه قال : ماادركت رجلا من ابنا الصحابة وابنا الشهدا ولامولى لهم الا سـالـتـه : هل سمعت احدا من اهلك يخبرك عن مشهده واين قتل ؟ فاذااعلمني مضيت الى الموضع فـاعـايـنـه , ومـا علمت غزاة الا مضيت الى الموضع فاعاينه , حتى لقد مضيت الى ((المريسيع )) فنظرت اليها.
ورووا عـن هارون الغروي قال : رايت الواقدي بمكة ومعه ركوة فقلت : اين تريد ؟ قال : اريد ان امضي الى حنين حتى ارى الموضع والوقعة .
ويشهد لنباهة الواقدي بهذا الشان ماقصه تلميذه وراويته ابن سـعدفي الطبقات :
ان هـارون الـرشـيد ويحيى بن خالد البرمكي حين زارا المدينة في حجتهما , طلبا من يدلهما على الـمـشـاهـد وقـبـور الشهدا , فدلوهما على الواقدي ,فصحبهما في زيارتهما فلم يدع موضعا من الـمـواضـع ولامـشهدا من المشاهد الا مر بهما عليه فمنحه هارون الرشيد بعشرة آلاف درهـم , فصرفها في قضاديون كانت قد تراكمت عليه وزوج بعض ولده وبقي في يسر وسعة ((8)) .
ولكنه يعود فيقول : انه لحقه دين بعد ذلك فذهب الى العراق سنة180 ه ((9)) ويفصل الخطيب عن الـواقـدي يـقـول : كـانـت للناس في يدي مائة الف درهم اضارب بها في الحنطة , وتلفت الدراهم , فـشخصت الى العراق فقصدت يحيى بن خالد البرمكي ((10)) , ويفصل ابن سـعد عنه ايضا يقول : ثـم ان الـدهـر اعـضنا , فقالت لي ام عبداللّه : ياابا عبد اللّه ماقعودك وهذا وزيرامير المؤمنين قد عـرفـك وسـالـك ان تـسير اليه حيث استقرت به الدار فرحلت من المدينة ولما دخل بغداد وجد الخليفة والبلاط قد انتقلوا الى الرقة بالشام فرحل اليهم حتى لحق بهم ((11)) فيقول : صار الي من السلطان ستمائة الف درهم ماوجبت علي فيها الزكاة ((12)) ثم رجع معهم الى بغداد وبقي بها , حتى قدمها المامون فجعله قاضيا لعسكر المهدي ((13)) وكان العسكر في الجانب الشرقي وكان الواقدي فـي الـجـانـب الغربي فلما انتقل حمل كتبه على عشرين ومائة وقر ((14)) فولي القضا مدة اربع سنوات قبل وفاته , واوصى الى المامون فقبل وصيته وارسل اليه باكفانه وقضى دينه ((15)) .
ذكـر ابـن سـعد ـ وهو تلميذه وكاتبه وراويته ـ يقول : مات ببغداد ليلة الثلاثا لاحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين ودفن يوم الثلاثا في مقابر الخيزران , وهو ابن ثمان وسبعين سنة ((16)) .
مكانة الواقدي في الرواية والعلم :
وتـتـجـلـى مـكـانته في الرواية والعلم في وصف كاتبه وتلميذه ابن سعد له حيث يقول : كان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح واختلاف الناس في الحديث والاحكام , واجتماعهم على مااجمعوا عليه , وقد فسر ذلك في كتب استخرجها ووضعها وحدث بها ((17)) .
وقـال عـنه ابن النديم في الفهرست : انه كان عنده غلامان يعملان ليلاونهارا في نسخ الكتب , وقد ترك عند وفاته ستمائة قمطر من الكتب يحتاج كل منها الى رجلين لحمله ((18)) .
ونـقـل الـخـطـيب البغدادي عن علي بن المديني : ان ماجمع الواقدي من الاحاديث بلغ عشرين الف حديث ((19)) .
ونـقـل ابن سيد الناس عن يحيى بن معين ا نه قال : اغرب الواقدي على رسول اللّه في عشرين الف حـديـث ثم قال ابن سيد الناس : وقد روينا عنه من تتبعه آثار مواضع الوقائع وسؤاله من ابنا الشهدا والـصـحـابـة ومـوالـيـهـم عـن احـوال سـلـفـهـم مايقتضي انفرادا بالروايات واخبارا لاتدخل تحت الحصر ((20)) .
ونـقـل الذهبي عن ابراهيم الحربي ا نه كان يقول عنه : انه كان اعلم الناس بامر الاسلام , فاما امر الجاهلية فلم يعلم منها شيئا ((21)) ثم ذكروا له زها ثلاثين كتابا.
ونرى في قائمة كتبه كتاب الطبقات , ولنا ان نتمثله في كتاب الطبقات الكبرى لتلميذه وكاتبه محمد بن سعد , فقد نقل عنه كثيرا ولاشك ا نه صنفه على غرار كتاب شيخه وروى فيه عن غيره ايضا.
ومـن كتبه كتاب الردة , ذكر فيه ارتداد العرب بعد وفاة النبي (ع ) ,ومحاربة الصحابة لطلحة بن خويلد الاسدي ومسيلمة الكذاب وسجاح في اليمامة والاسود العنسي في اليمن وقد نقل عنه تليمذه ابـن سـعـد فـي الـطبقات والطبري في تاريخه اخبار الاحـداث التي تلت وفاة النبي , وانما هو من كتابه في الردة .
ويمكن القول بان مانقله ابن سعد , والطبري عنه عن الواقدي من اخبار الجاهلية فهو من كتاب سموه : ((كـتـاب الـتـاريخ والمغازي والمبعث )) ,هكذا بتقديم المغازي على المبعث وتاخير المبعث عن الـمغازي , الذي عدوه غير كتاب المغازي والطبري ينقل المغازي عن الواقـدي مباشرة ولكنه حين يورد اخبار الجاهلية وماقبل الاسلام فانه يرويها عن ابن سعد عن الواقدي , مما يدل على ا نه اعتمد فـي الـمغازي على كتاب المغازي للواقدي ,واما في اخبار الجاهلية فهي من كتاب آخر له لعله هو التاريخ والمبعث .
ومـن كـتـبه ((فتوح الشام وفتوح العراق )) , وقد نقل البلاذري في كتابه ((فتوح البلدان )) عن الـواقـدي كـثـيـرا , وهو من تلامذة ابن سعد كاتب الواقدي , فهو قد روى كتاب شيخه له ورواه الـبـلاذري كما نقل ابن كثير في ((البداية والنهاية )) كثيرا من حوادث سنة 64 ه والطبري نقل عنه كثيرا من حوادث النصف الثاني من القرن الثاني اي التي عاشها الواقدي .
حول تشيع الواقدي وابن اسحاق :
قـال ابـن النديم ((22)) في فهرسته عن الواقدي : كان يتشيع , حسن المذهب ,يلزم التقية , وهو الذي روى ان عليا كان من معجزات النبي (ع ) كالعصالموسى واحيا الموتى لعيسى بن مريم (ع ) , وغير ذلك من الاخبار ((23)) .
ونـقـل هذا القول عنه السيد الامين العاملي صاحب ((اعيان الشيعة ))وترجم له ((24)) , وكذلك ذكـره آقـا بـزرك الطهراني في ((الذريعة الى تصانيف الشيعة )) ((25)) عند الحديث عن تاريخ الـواقـدي بـينما لم يذكره الشيخ الطوسي في فهرسته ولارجاله ولاذكر كتابا من كتبه حتى مقتل الحسين (ع ).
وابـن ابـي الـحديد حينما ينقل فقرة طويلة عن الواقدي ثم يورد رواية اخرى مختلفة عن الاولى يبدؤها بقوله : ((وفي روايـة الشيعة )) ((26)) , مما يدل على ا نه لم يعتبره شيعيا ولاممثلا لهم .
ومن الطريف ان يلاحظ ان ابن اسحاق ايضا كان يتهم بالتشيع ((27)) .
ولـعـل الـسبب في وصفهما بالتشيع لايرجع الى عقيدتهما الشخصية , بل الى ماورد في كتابيهما من الاخـبار التي يعرضونها مما تقتضيه طبيعة التاليف في مثل هـذه الموضوعات لا عن عقيدة صحيحة بـهـا , والـى مـااورداه فـي بعض المواضع من كتابيهما بشان جماعة من الصحابة منهم بعض الخلفا فيذكرانهم بعبارات لاتضعهم في الموضع الموضـوع لهما عند كثير من المسلمين .
ولذلك فان اكثر النقاد من المحدثين الاوائل كانوا يضعفون الواقدي في الحديث .
فقد قال البخاري والرازي والنسائي والدارقطني : انه متروك الحديث ,ولكنهم لم يجمعوا على ذلك , فقد وصفه الدرآوردي با نه : امير المؤمنين في الحديث .
وقال يزيد بن هارون : الواقدي ثقة .
ووثـقـه مـصـعـب الزبيري , ومجاهد بن موسى , والمسيب وابو عبيد القاسم بن سلام , وابو بكر الصغائي ((28)) .
وقال ابراهيم الحربي : هو آمن الناس على اهل الاسلام ((29)) .
وقـال ابن النديم : كان عالما بالمغازي والسير والفتوح واختلاف الناس في الحديث والفقه والاحكام والاخبار ((30)) .
امـا بـالـنسبة لابن اسحاق : فقد عقد الخطيب البغدادي في كتابه ((تاريخ بغداد)) وكذلك ابن سيد الناس في كتابه (( عيون الاثر )) فصلين فندا فيهما جميع المطاعن التي وجهت اليه .
وبالنسبة لتشيعه وقوله بالقدر قالا ماملخصه : اما مارمي به من التدليس والقـدر والتشيع فلا يوجب رد روايـته , ولايوقع فيها كبير وهن ,اما التدليس فمنه القادح وغير القادح , ولايحمل ماوقع هنا مـن مـطلق التدليس على التدليس المقيد بالقادح في العدالة , وكذلك القدر والتشيع لايقتضيان الردالا بضميمة اخرى لم نجدها هنا والعجيب ا نك لاتجد شيئا من هذاالتشكيك في عبد الملك بن هشام مهذ ب سيرة ابن اسحاق , فلو كان العيب في هذا الباقي من سيرة ابن اسحاق لشمل الشك ابن هشام ايضا.
وعندئذ نطمئن الى ان العيب ليس في هذا الباقي بل فيما قال عنه ابن هشام : ((وتارك بعض مايذكره ابـن اسحاق في هذا الكتاب اشيا بعضهايشنع الحديث به , وبعض يسؤ بعض الناس ذكره , وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته , ومستقص ماسوى ذلك )).
وعندئـذ تجد محور اتهام التشيع ايضا وقد راينا ا نا اذا استثنينا هذين المتهمين بالتشيع لم يبق لعامة الـمـسـلمين شي يذكر في السيرة ولا المغازي وعندئذ ندرك ايضا ان السابقين الاولين الى تدوين سـيـرة الـرسـول ومـغـازيـه اي الـصـدر الاول مـن تاريخ الاسلام هم من شيعة ائمة اهل البيت (ع )اوالمقاربين لهم المتهمين بهم .
نقد كتب السيرة :
لـعل النظر الى تراث السلف الصالح ـ ولاسيما سيرة الرسول الكريم ـبنظرة التقـديس , هو الذي ادى بـالـمؤلفين في السيرة على اختلاف طبقاتهم ان لايقفوا موقـف الناقد البصير , فلم نر منهم من يـعـرض لـمـا تحمله السيرة بين دفتيها من اخبار ضعيفة بعيدة عن الحقيقة لينقدها وياتي على نقاط الـضـعـف فـيها , فهذا ماحرمه هذا العلم في جميع ادواره السالفة الى عهدنا هذا الاخير ,حيث اخذ الـمستشرقون والمتاثرون بهم يتناولون خبرا او خبرين من السيرة وسيلة للطعن في شخص النبي الـكـريم (ع ) او مايتصل به , فمن بعض اصحاب الاقلام الجديدة بان في السيرة اخبارا لاتمت الى الحق بصلة في قليل ولاكثير ,ثم تجرؤوا فاقدموا على تهذيب السيرة مما الصق بها وهي ليست منها ((31)).
وغرام الرسول (ع ) بزوجة زيد ربيبه ان سيرة محمد (ع ) كسائر العظما اضيف اليها ماليس منها , اما عن حب وهوى وحسن نية وطوية , وامـا عـن حـقـد وسؤ قصد متعمد , ولكنهاتمتاز عن سير جميع العظما بان شيئا كثيرا منها ضمه الـوحـي الالـهـي وضـمـن حـفـظه القرآن الكريم , وكثيرا منها مروي على لسان الحفاظ الثقات مـن الـمـحدثين فعلى هذه الاسس الصحيحة يجب ان تبنى السيرة , وان تحلل التحليل العلمي النزيه بملاحظة ظروف الوسط وحال البيئة وجوانبها المختلفة من عقائد ونظم وعادات وتقاليد وطقوس , وان لايـبـنـى الاسـاس عـلى المعجزات والكرامات وخوارق العادات الا ماخرج بالدليل بل يبنى عـلـى اسـاس ((ان اللّه ابى ان يجري الاشيا الا باسباب )) ((32)) اللهم الا ما خرج بالدليل الثابت المعقول .
الخلاف في كتب السيرة وبينها :
ان الدارس لكتب السيرة والتاريخ يلاحظ ان ماروته من انباالخوارق والمعجزات وغيرها من كثير مـن الانبا , ينقص ثم يزيد بزيادة الازمان التي وضعت فيها هذه الكتب , فقديمها اقل رواية للخوارق مـن مـتـاخرها , وماورد من الخوارق في الكتب القديمة اقل بعدا عن مقتضى العقل مما ورد في كتب المتاخرين .
فـهـذه سيرة ابن هشام او قل ابن اسحاق اقدم السير المعروفة اليوم تغفل كثيرا عما ذكره ابو الفدا في تاريخه وماذكره القاضي عياض في ((الشفا)) وعن جميع كتب المتاخرين تقريبا.
وهـناك سبب آخر يوجب تمحيص ماورد في كتب السلف ونقده نقداعلميا دقيقا , هو ان اقدمها كتب بـعـد وفـاة الـنـبي بمائة سنة او اكثر , وبعدان فشت في الدولة الاسلامية دعايات سياسية وغير سياسية كان اختلاق الروايات والاحاديث من وسائلها للغلبة على خصومها , فكيف بما كتب متاخرا في اشد ازمان الاضطرابات والقلاقل ؟ وكيف بما ورد في المتاخر من كتب السيرة ؟ فهل يمكن الاخذ به بدون تمحيص بدقة علمية ؟ وقد ادت المنازعات السياسية وغيرها التي حدثت بعد الصدر الاول من الاسلام , الى اختلاق كثير من الروايات والاحاديث تاييدا لها , هذا والحديث لم يدون الى اواخر عصر الامويين .
ذلك لان عمر عزم على ذلك فاصبح يوما يقول : اني كنت اردت ان اكتب السنن , ثم عدلت عن كتابتها , فـاني ـ واللّه ـ لا اشوب كتاب اللّه بشي ابدا غير القرآن فليمحه (ع ) ـ حتى امر عمر بن عبد العزيز بجمع الحديث ((34)) .
اما كيف روى مثل البخاري مثل قصة الغرانيق ـ مثلا ـ ؟ فقد اعتذرعن مثل ذلك النووي في شرحه لـصحيح مسلم قال : ((اخذ جماعة على البخاري ومسـلم احاديث اخلا بشرطيهما فيها ونزلت عن درجة ما التزماه ))وقد التزما بمقياس السند والثقة بالرواية في قبول الحديث ورفضه , ولكنه وحده غير كاف لذلك .
بـل ان خـير مقياس يقاس به الحديث والخبر عن النبي ما روي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : ((انـكـم سـتختلفون من بعدي , فما جاكم عني فاعرضوه على كتاب اللّه فما وافقه فمني وماخالفه فليس مني )) ((35)) فهو مقياس صحيح اخذ به كثير من الثقات , وهو يتفق مع قواعد النقد العلمي , وقال ابن خلدون بشانه : ((انني لا اعتقد صحة سند حديث ولاقول صحابي عالم يخالف ظاهر القرآن , وان وثقوا رجاله , فرب راو يوثق للاغترار بظاهرحاله وهو سي الباطن ولو انتقدت الروايات من جهة فحوى متنها كماتنتقد من جهة سندها لقضت المتون على كثير من الاسانيد بالنقض وقدقالوا : ان مـن عـلامة الحديث الموضوع : مخالفته لظاهر القرآن , او القواعدالمقررة في الشريعة , او لبرهان العقل , او الحس والعيان وسائر اليقينيات )).
حقا ان اختلاف المسلمين بعد وفاة النبي (ع ) بلغ حدا دعا الدعاة فيهم الى اختلاق الالاف المؤلفة من الاحاديث والروايات .
لـمـا قـتـل عـثمان وبدات الحروب الداخلية بين المسلمين بخصومة خصماعلي (ع ) , وايد امير الـمـؤمنين من ايده , ثم استتب الامر لبني امية جعل المحدثون المتصلون ببني امية يضعفون مايروى عن علي بن ابي طالب (ع )وفضائله , وكما جعل انصار عائشة يشيعون عنها مايؤيد دعواها.
ومـن طـريف مايروى في ذلك : مارواه الذهبي في ترجمة اسماعيل بن المثنى الاسترآبادي : كـان يـعـظ بـدمشق , فقام اليه رجل فساله عن قول النبي : انا مدينة العلم وعلي بابها ؟ فاطرق اسماعيل لـحظة ثم رفع راسه وقال :نعم لايعرف هذا الحـديث عن النبي الا من كان في صدر الاسلام , انما قـال الـنـبـي : انـا مـديـنة العلم وابو بكر اساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفهاوعلي بابها الحاضرون بذلك , فسالوه ان يخرج لهم اسناده , فوعدهم به ((36)) وذكر القصة ابن عساكر فقال : فانعم ولم يخرجه لهم ((37)) اجل , هكذاكانت الاحاديث تلفق لاغراض سياسية ولاهوا عاجلة حتى كثرت وشاعت .
هذا , وقد تولى كتاب السيرة كتابتها ـ كما مر خبرها ـ للخلفا : فابن اسحاق كتب سيرته للمنصور وابـنـه الـمـهدي , والواقدي كتب مغازيه للرشيدووزيره يحيى بن خالد البرمكي , اللهم الا هشام الـكـلـبـي والـمدائني فانهما لم يكتبا لاحد منهم , ولكنهم كلهم ماكان لهم ان ينازعوا مع الخليفة في آرائه خوفا منه , ولذلك فانه لا ينطبق على ماكتبوه مقاييس الصحة بدقة .
ومن امثلة الاختلاف في النقل الذي يبدا بذكر معجزة نراها تزيدبزيادة الزمـان الى معاجز : ماحدث في اثنا مسيرة جيش العسرة الى تبوك :
فقد روى ابن هشام قال : ((قال ابن اسحاق : فلما اصبح الناس ولاما معهم شكوا ذلك الى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه ج وآله ج وسلم ـفدعا رسول اللّه , فارسل اللّه سحابة فامطرت حتى ارتوى الناس واحتملواحاجتهم من الما)) ((38)) .
امـا صـحيح مسـلم فيروي قصة تبوك بصورة اخرى لاتقتصر على هذه المعجزة بل تزيدها زيادة كثيرة على غير ماورد في سيرة ابن اسحاق :
فـقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن معاذ بن جبل : ((ان النبي قال لمن سار معه الى تبوك : انكم سـتـاتـون ـ ان شا اللّه ـ غدا عين تبوك , وانكم لن تاتوها حتى يضحى النهار , فمن جاها منكم فلا يـمس من مائها شيئاحتـى آتي فجئناها وقد سبقنا اليها رجلان , والعين مثل الشرك تبض بشي من ما فـسـالهما رسول اللّه : هل مسستما من مائها شيئا ؟ قالا : نعم , فسبهماالنبي وقال لهما ماشا اللّه ان يـقـول ( ووجـهه ثم اعاده فيهافجرت العين بما منهمر ـ او قال : غزير ـ حتى استقى الناس , ثم قال :يامعاذ يـوشـك ـ ان طالت بك الحياة ـ ان ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا)) ((39)) فهل ارتوى المسلمون في طريق تبوك بما العين المنهمر ـ بعد السباب اليس في القليل الاول غنى عن الثاني الكثير ؟ ولانقتنع بالقليل منه هـذا وقـد روى ابن اسحاق بعد روايته خبر السحابة خبرا آخر يؤيده قال : ((فحدثني عاصم بن عـمـر بن قتادة قال : قلت لمحمود بن لبيد : هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم ؟ قال : نعم واللّه ان كـان الـرجـل ليعرفه من اخيه ومن ابيه ومن عمه وفي عشيرته , ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك , ولـقـداخبرني رجال من قومي قالوا : لما كان من امر الما بالحجر ماكان ودعارسـول اللّه حين دعا فـارسل اللّه السحابة فامطرت حتى ارتوى الناس قالوا : اقبلنا على رجل من المنافقين معروف نفاقه كـان يسير مع رسول اللّه حيث سار , فقلنا له : ويحك اللهم الا ان يكون ذكر كثرة النفاق في بعض الصحابة مما يشنع ذكره ويسؤ بعض الناس , وان كان لم يحذفه ابن هشام , واختار مسلم ماسلم من ذكره , وهذاهو الراجح في الظن .
شرائط دراسة التاريخ :
لا شـك فـي ان البحث في التاريخ امر خطير وعمل شاق جدا , فالباحث فيه كمن يريد ان يلج بحرا خضما هائجا , وانما يمد ببصره الى قاعه ليغنم منه لالئه ودراريه .
والباحث في التاريخ ان كان يطمح من بحثه الى احقاق الحق وازهاق الباطل , فانه لايتسنى له ذلك الا اذا كـان واسـع الاطـلاع , بـعيد النظر , شديدالحب للحق , موطنا نفسه على اتباعه , مبتعدا عن الـتـعـصـب المذهبي المقيت ,ورعا في اصدار الاحكام , خبيرا بطرق الاستنباط , عارفا بامراض الـتاريخ وعلله , ملما بظروفه ومراحله , مؤثرا مصلحة الاسلام والمسلمين على ماسواها , متحرر الفكر , غير مشدود لما ورثه من اهله وقومه .
وذلـك لمساس التاريخ ـ ولاسيما سيرة الرسول الكريم ـ بمختلف نواحي الحياة فمنه تؤخذ العقيدة الدينية , واحكام الاسلام , ومعارفه وعلومه , وادبه واخلاقه , و على اساسه تقول الاجيال كلمتها في كل شي , و على ضوئه تحكم على كل شي .
وقد ابتلي التاريخ والسيرة ـ ككثير من الامور ـ بنظرتين مفرطة واخرى مفرطة :
فـمن مقبل على التاريخ والسيرة مكب على اخذ مافيه , غثه و سمينه ,ينتهل منه ريه في كل جوانب الـحـياة , ويعتبره من اسلم المسلمات بها , دون حذر عما داخله من الدس والخرافات بعيدا عما نبه الـيـه الـرسول من حتمية ظهور المفترين عليه , غير معتبر بما اعترف به الزنادقة الملحدون مما رواه المؤرخون : ا نهم وضعوا آلاف الاحاديث كذبا على اللّه ورسوله حللوا بهاالحرام وحرموا بها الـحـلال , وازالوا بها الحق عن نصابه , وزوروا كثيرا من الاحاديث الصحيحة وافتعلوا الكرامات والمناقب حبا في المال والمناصب .
وآخـرون فـرطـوا فـيـه فـغلبوا التشاؤم وتنكروا للتاريخ جملة وتفصيلا ,اتهموه ببعض مافيه وتـحـاملوا عليه , وجعلوا ذلك حجة لاعراضهم عنه وابتعادهم منه وذلـك ظلم قبيح وفصم لعرى الاجـيـال , وحـرمان للمتاخرين من دروس الماضي , وهدم لبنا الدين وطعن في تعاليم الانبيا الذين حثواعلى تدارس الماضي والاسـتماع اليه , مع تمحيص الحق عما علق به من شوائب الباطل .
وبـيـن هـاتـيـن النزعتين المفرطة والمفرطة تنجلي النمرقة الوسطى باهتمام مفكري المسلمين وعـلـمـائهم بالدراسات التاريخية , وبذل الوسع لاماطة اللثام عن كثير من جوانبه التي بدت قائمة مشوهة بفعل الدخلا عليه , ممن جندواانفسهم لهدم الدين وطمس معالم الحق والتجني عليه ((40)) .
طمس معالم الحق :
قلنا نعرض الروايات ـ التي ى دعى ا نها تسجل سيرة الرسول الكريم (ع ) ـ على القرآن الحكيم , ذلـك لانـا لـو راجعنا وصف هذا النبي العظيم في القرآن الكريم , لوجدناه يصفه با نه : ( على خلق عـظـيـم ) ((41)) و( خـاتـم الـنبيين ) ((42)) ينهى الناس عن الاستخفاف به ( لا تجعلوا دعا الـرسـول بـيـنـكـم كـدعا بعضكم بعضا ) ((43)) ويلعن الذين يؤذونه ( ان الذين يؤذون اللّه و رسوله لعنهم اللّه ) ((44)) .
ولـكنا لو راجعنا بعض تلك الروايات التي يدعى ا نها تسجل لناسيرته لوجـدناه فيها : طفلا كسائر الاطـفال , ورجلا يتكلم كسائر الجهال , بل اضعف عقلا من سائر العقال , فهو بحاجة دائمة الى من يـشـرف عـلـيـه ويـدبرشؤونه , وياخذ بيده ويرشده , ويحل له مشاكله ويشد قلبه ويطمئنه , ويـؤيـده ويـساعده , والا فهو يغضب فيكون غضبه عجزا واضطرابا بل وسبابا ((45)) ويرضى فيكون رضاه سخفا وميوعة والا فـكيف نفسر : ا نه راى الراي فنزلت الايات تصوب راي غيره وتفند رايه , فقعد يبكي ؟ نـه كـان لـه شـيـطان يعتريه وياتيه في صورة جبرئيل شـيـطـانـه ا نه مر على سباطة قوم فبال قائما فـي حالة مثيرة فعشقها السودان في مسجده , وخدها على خده والـطامة الكبرى التي شملت شيخ الانبيا ابراهيم : انه كان اولى بالشك من ابراهيم يزيد في قبحه على ماذكر اكثر بكثير ,كل ذلك مما ((قد فاجاتنا به الانبا والسير)) في المجاميع الـحـديـثـة وكـتب السيرة وادهـى مافي الامر وامر ا نها مدونة في الكتب التي توصف بانها اصح كتاب بعد الذكرالحكيم , وهي تحاول ان تصور لنا سيدنا ومولانا ونبينا افضل الانبياوالمرسلين واشرف السفرا المقربين قال محققو سيرة ابن هشام في مقدمتهم : ((ولعل النظر الى تراث السالفين ولاسيما مايتصل منه بعلم الـسـير نظرة فيها الكثير من التقديس , هوالذي حال دون هؤلا وهؤلا ان يقفوا من هذا العلم موقفا فـقدناه في جميع المؤلفين المتقدمين على اختلاف طبقاتهم , فلم نر منهم من عرض لما تحمله السير بين دفتيها من اخبار تتصف بالبعد عن الحقيقة , فنقدها واتى على مواضع الضعف منها.
هـذا مـاحرمه هذا العلم في جميع ادواره السالفة الى ماقبل ايامنا هذه بقليل , اذ راينا الايمان بان في الـسيرة اخبارا لا تتصل بالحق في قليل ولاكثير , تصحبه الجراة ثم الاقدام , وراينا فكرة جديدة تـجـري بها اقلام مجددة , يتناول اصحابها الخبر او الخبرين من السيرة , مما كان يتخذ مطعناعلينا في شخص النبي ـ صلى اللّه عليه وآله ـ او مايتصل به , فخلصوه ممالصق به مما ليس منه , واقاموا حوله سياجا من الحجج والبراهين , صح بهاواصبح حجة على الطاعنين فيه .
ومـثـل هـذا مـافـعـلـه الاستاذ الامام الشيخ محمد عبده في قصة النبي ـ صلى اللّه عليه وآله ـ , وتـزويجه زينب بنت جحش من زيد بن حارثة ثم ماكان من تزوج الرسول ـ صلى اللّه عليه وآله ـ اياها بعد تطليق زيد لها مماارجف فيه الطاعنون ولغوا لغوا كثيرا.
ومـنهم من عرض للكتاب في قصة او قصتين منه فصاغها في اسلوب جديد , ومثل للناس الخبر في قالب قصصى خرج به عن اسانيده وذكر رواته ـ تلك الطريقة التي هي سر تقديس هذه الاخبار في هـذه الـكـتـب تخفي منه شيئا وهذا الاسلوب الجديد بما يتضمن من التهكم بالفكرة السقيمة والخبر الغث , يخلق به المؤلف في القارئ روح التحفظ في قبول الافكاروتسلمها.
ومـنـهم من جرى مع ابن اسحاق في شوطه , فتناول السيرة كما تناولهاابن اسحاق , مبتدئا بميلاد الرسول (ع ) وما سبقه او عاصره من حوادث ,ثم جرى يذكر حياة الرسـول الى ان قبضه اللّه الى جـواره , نـاقـلا مـن الاخـبـارمـايـرى فـيها القرب من الحق , و مستبعدا مالايجري في ذلك مع فـكـرتـه ومـايعتقد , مفندا مزاعم الطاعنين رادا على المكذبين فجا كتابه سيرة للرسول جديدة في اسلوبها , نقية من اللغو والهرا)) ((46)) .
اجـل , اذا كـان الـمـراجع الى هذه الم راجع ـ الصحاح وغيرها ـ ملي النفس بتقديس النص تقديسا عشوائيا ساذجا , فهو يمتنع ويمنع عن تقويم النصوص تقويما سليما يزنها بميزان الاعتبار.
ولا مبرر لهذا التقديس ما لم يثبت ان هذا الحديث م ما صدر عنه اومن شؤونه او من صفاته , اللهم الا اذا كـان لايعرف شيئا مما يجب ان يتوفرفي شخص رسول اللّه وخليفته وحجته على عباده , وكان خالي الذهن عن المنطلقات الاساسية والضوابط الحقيقية التي يجب ان يتوفر عليها من يحاول دراسة التاريخ بصورة علمية , وسيرة الرسول الكريم بصورة خاصة ((47)) .
سحاب مركوم على الحق المظلوم :
اما كيف حدث كل هذا الحديث الموضوع للنيل من كرامة الرسول الكـريم (ع ) ؟ فنحن نرى ذلك من التعتيم الذي اصطنعه بنو امية وبنو مروان على معالم الشخصية النبوية , مستفيدين من سياسة المنع مـن الـحديث عـن النبي (ع ) بل احراق ماكتبه كبار الصحابة عنه : ابتدا من الخليفة الاول اذاحرق خـمـسمائة حديث كان قد جمعها هو من احاديث رسول اللّه (ع ) ((48)) ثم اشتد الامر على عهد الـخليفة الثاني فانه جمع ماكتبه الصحابة عن رسول اللّه (ع ) واحرقه , ولعل ذلك بعد ان اتصل به كعب الاحبار الحبر اليهودي المسلم .
ولقد كان اليهود على فرقتين : فرقة تؤمن بالكتابة والتدوين وهم الفريسيون , وفرقة اخرى تؤمن بـوجـوب الـحـفـظ وعدم جواز كتابة شي غيرالتوراة , ويقال لهؤلا : القرا ((49)) وضعف امر الـفـريسيين وكثر القرا , ويظهران كعب الاحبار كان من القرا , كما يظهر من جوابه لعمر حينما سـالـه عـن الشعر , فكان مما قاله عن العرب : ((قوما من ولد اسماعيل اناجيلهم في صدورهم (اي يحفظونها على ظهر القلب ) ينطقون بالحكمة )) وقد كان كعب عند حسن ظن الخليفة به فكان مقربا عنده , فلعله قبل هذه النظرية من كعب الاحبار.
ويـشهد لذلك مارواه ابن سعد في ((الطبقات )) والخطيب البغدادي في كتابه ((تقييد العلم )) ونقله عـنـهما الشيخ ابو رية في كتابه ((اضوا على السنة المحمدية )) قالوا : كثرت الاحاديث على عهد عـمـر بـن الـخطاب , فانشدالناس ان ياتوه بها , فلما اتوه بها امر بتحريقها ثم قال : مشناة كمشناة اهـل الكتاب ((50)) او قال : ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فاكبوا عليها وتركواكتاب اللّه , وانـي واللّه لا اشوب كتاب اللّه بشي ابـدا الـصـحـابـة عن الخروج من المدينة ,واستعمل على الامصار صغارهم ممن لا اطلاع له في الدين ولامـعـرفـة لـه بـاحـكـامـه ((51)) وروى ابـن سعد في ((الطبقات )) والخطيب البغدادى في كـتابه الاخر ((جامع بيان العلم وفضله )) ونقله عنهما الشيخ ابو رية في كتابه ((اضوا على السنة المحمدية )) : ان الذين جاؤوا بعـد عمر ساروا على نهجه في المنع عن الحديث الا حديثا كان على عهد عمر ((52)) .
فـنـتـج عن سياسة المنع عن الحديث وعن كتابته ان نسي الناس سنن الرسول (ع ) حتى في الصلاة الـتـي هـي عمود الدين وركن الاسلام والكتاب الموقوت الذي يؤديه المسلمون في كل يوم خمس مـرات , اصـبـحـوا لايـعـرفون احكامها وحدودها , حتى اقرب الناس الى مهبط الوحي والتنزيل الذين يفترض فيهم ان يكونوا اعرف باحكام الاسلام وشرائع الدين اذن فكيف بحال غيرهم من عوام الـناس ؟ الثقافة الاسلامية ,وبالاخص فيما يقل الابتلا به .
فـقـد روى الـبـلاذري فـي ((انـساب الاشراف )) والبيهقي في سننه والمتقي الهندي في ((كنز الـعـمـال )) عـن عبدالرزاق وابن ابي شيبة : ان عمران بن الحصين صلى خلف علي (ع ) فاخذ بيد مطرف بن عبداللّه وقال : لقد صلى صلاة محمدولقد ذكرني صلاة محمد ((53)) .
ولا شـك في ان من سنن الرسول في الصلاة الجهر بالبسملة في الصلاة فكان علي (ع ) يجهر بها , فـبـالغ بنو امية في المنع عن الجهر بها سعيا في ابطال آثارعلي (ع ) ((54)) حتى روى النسائي والـبـيـهـقـي فـي سـنـنـهما عن ابن عباس ا نه كان يقول : اللهم العنهم فقد تركوا السنة من بغض على ((55)) حتى بلغ الحال بالناس على عهد على بن الحسين (ع ) ان كانوا لايعرفون كيف يحجون بل حتى كيف يصلون ((56)) ولذلك تجرا ابن الزبير على ان يقدم الصلاة قبل الخطبة يوم الجمعة ,كما رواه الشـافعي في كتابه ((الام )) عن وهب بن كيسان , ثم قال : كل سنن رسول اللّه قد غيرت حتى الصلاة ((57)) .
ولـذلـك نـجد الامام السجاد (ع ) يقول في دعائه يوم الجمعة ويوم الاضحى : ((اللهم ان هذا المقام لخلفائك واصفيائك , و مواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين , يرون حكمك مبدلا وكتابك منبوذا , وفرائضك محرفة عن جهات شرعك , وسنن نبيك متروكة )) ((58)) .
وروى ابـن سـعد في ((الطبقات )) عن الزهري قال : دخلت على انس ابن مالك بدمشق وهو وحده يبكي , فقلت : مايبكيك ؟ قال : لا اعرف شيئامما ادركت , الا هذه الصلاة وقد ضيعت ((59)) .
وروى الامـام مـالـك بـن انـس بن مالك في كتابه ((الموطا)) عن جده مالك قال : مااعرف شيئا مما ادركـت الناس الا الندا بالصلاة ((60)) واستثنى الحسن البصري القبلة فقط فقال : لو خرج عليكم اصحاب رسول اللّه ماعرفوا منكم الا قبلكتم ((61)) .
ولـم يـسـتـثـن عـبداللّه بن عمرو بن العاص شيئا اذ قال : لو ان رجلين من اوائل هذه الامة خلوا بمصحفيهما في بعض هذه الاودية لاتيا الناس اليوم ولايعرفان شيئا مما كان عليه ((62)) .
ومـع هـذه الـحـال فـمـن الطبيعي ان يروج سوق الوضاعين الكذابين وان يصبحوا هم مصدر العلم والمعرفة والثقافة للامة المسلمة هكذا شاالحكام , وهكذا استحق المحكومون اذ ابتعدوا عن ائمة اهل البيت (ع ) ((63)) .
اما لماذا حاول بنو امية ورواتهم ان يستفيدوا من هذا الفراغ المفتعل بفضل المنع عن الحديث , للنيل من كرامة الرسول الكريم (ع ) وسائرالمقدسات الاسلامية ؟ فان ذلك يعود الى :
ا ـ ان الـحـقـد والعدا الاموي الموروث من القديم ضد بني هاشم ـ بمافيهم النبي (ع ) ـ لم يدعهم يقتنعوا با نه نبى مرسل حقا :
فـقـد قـال ابـو سـفيان للعباس لما راى كثرة زحام الناس على التبرك بماوضؤ النبي يوم فتح مكة : ياعباس وقـال مـعاوية لما سمع المؤذن يقول : اشهد ان لااله الا اللّه : للّه ابوك يابن عبداللّه الهمة , مارضيت لنفسك الا ان يقرن اسمك باسم رب العالمين ((64)) .
وقال للمغيرة بن شعبة ـ بعد ان ذكر ملك ابي بكر وعمر وعثمان وا نـهم هلكوا فهـلك ذكـرهم ـ : وان اخـا هـاشم يـبـقـى مـع هـذا ؟ ((65)) , ولما سـمع المامـون بالخبر امـر بلعنه ((66)) .
وقال ـ او تمثل ـ ابنه يزيد بقول ابن الزبعرى :
لعبت هاشم بالملك فلا ـــــخبر جا ولاوحي نزل .
لست من خندف ان لم انتقم ـــــمن بني احمد ماكان فعل ((67)) .
وتبعه الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان يقول :
تلعب بالخلافة هاشمى ـــــبلا وحي اتاه ولاكتاب .
فقل للّه : يمنعني طعامي ـــــوقل للّه يمنعني شرابي ((68)) .
وقـرا ذات يوم ( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ما صديد ) ((69)) فدعا بالمصحف فنصبه غرضا للنشاب واقبل يرميه وهو يقول :
اتوعد كل جبار عنيد ـــــفها انا ذاك جبار عنيد.
اذا ماجئت ربك يوم حشر ـــــفقل : يارب خرقني الوليد ((70)) .
وكـان الـولـيـد هـذا مهملا لامره قليل العناية باطرافه , وكان صاحب ملاه وقيان , واظهار للقتل والجور , وتشاغل عن امور الناس بشرب ومجون ,فبلغ من مجونه ا نه اراد ان يبني على الكعبة بيتا يـجلس فيه للهو , ووجه مهندسا لذلك ((71)) مجوسيا ليبني له على الكعبة مشربة للخمر , واراد ان يـنـصـب قـبـة ديـبـاج عـلى الكعبة ويجلس فيها ومعه الخمر , فخوفه اصحابه من ثورة الناس فامتنع ((72)) .
ب ـ ولذلك فهم ـ كما راينا ـ كانوا يريدون القضا على هذا الدين ودفنه نهائيا , وذلك لا نه كان يقف في وجه شهواتهم ومربهم ويضربمصالحهم .
ج ـ وبالتصوير المشوه للر سول الكريم (ع ) والاسلام العظيم كانوايحاولون تبرير كل انحرافات وسـخـافات الجهاز الحاكم , والتقليل من فضاعتهاوبشـاعتها في اعين الناس , وذلك برفع الفوارق الكبيرة بين مواقفهم ومواقف النبي الاعظم (ع ).
اما مايمثل لنا شخصية الرسول الكريم المستهدفة للامويين فلنذكر منه نماذج :
1ـ نسمع الكميت بن زيد الاسدي يمدح الرسول الكريم فيقول في قصيدته البائية :
الى السراج المنير احمد , لا ـــــيعدلني عنه رغبة ولا رهب .
عنه الى غيره , ولو رفع النا ـــــس الي العيون وارتقبوا.
وقيل : افرطت بل قصدت ولو ـــــ عنفني القائلون , او ثلبوا اليك ياخير من تضمنت الار ـــــض وان عاب قولي العيب .
لج بتفضيلك اللسان ولو ـــــاكثر فيك الضجاج واللجب .
فيا ترى من الذي يحاول ان يعدل به عن مدح النبي (ع ) بالترغيب والترهيب ؟ ومن يرتقبون ان يمدح عـوضـا عـنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ؟وياترى بماذا خاطب الكميت النبى (ع ) غير ان يقال له : يـاخـير من تضمنت الارض الذي يكثر الضجاج واللجب على النبي (ع ) ؟ ولعله قد احس بامر خطير خلف هذه السياسة الاموية فقال في اخرى :
رضوا بخلاف المهتدين , وفيهم ـــــمخباة اخرى تصان وتحجب .
فلعله يقصد بالمخباة الاخرى تخريب دين النبي (ع ) بعد تشويه سمعة شخصه .
او مـاذكره الرجاليون واصحاب الطبقات في ترجمة خالد بن سلمة المخزومي الشهير بالفافا : ا نه كان ينشد بني مروان هجو النبي (ع ) ((73)) .
وقـد سـبـق هـذا مـاذكروه في ترجمة عمرو بن العاص ا نه لم يرض بضرب نصرانى سب النبي (ع ) ((74)) .
ولحق هذا مارواه المؤرخون في علل خروج زيد بن علي بن الحسين (ع ) : ا نه دخل على هشام بن عبد الملك فسمع ان النبى (ع ) يسب عنده فلم يذكره ولم يغير على قائله ((75)) .
او ا نه يقصد بالمخباة مارواه ابن عبد ربه الاندلسي في ((العقد الفريد)) :ان الحجاج كتب الى عبد الـمـلك : ان خليفة الرجل في اهله اكرم عليه من رسوله اليهم , وكذلك الخلفا ياامير المؤمنين اعلى منزلة من المرسلين ((76)) .
ولـئن كـانـت هذه مخباة يوما فان ذلك لم يدم طويلا حتى حج الحجاج وراى الحجاج يطوفون بقبر الرسول (ع ) ومنبره بالمدينة فقال : تبا لهم انمايطوفون باعواد ورمة بالية المؤمنين عبد الملك ؟ قال المبرد : ان ذلك مما كفرت به الفقها الحجاج ((77)) .
وبـهـذه النظرة فلا مانع لديه ان يرمي الكعبة بالمنجنيق ـ بل كما قيل ـبالعذرة ايضا ((78)) ولا يـرى ايـة حـرمة لمقام ابراهيم (ع ) فيحاول ان يضع رجله على المقام فيزجره عن ذلك محمد بن الحنفية ((79)) .
وعـلى هذه النظرة ايضا : ((هلا طافوا بقصر امير المؤمنين عبد الملك ))فلا استبعاد لما احتمله الـسـيد المرتضى العاملي : ان يكون الحجاج حين بنى مدينة (واسط) في العراق وسطا بين الكوفة والـبـصرة , حول قبلتها من جهة الحجاز (الكعبة ) الى جهة الشام : اما قصر امير المؤمنين ( قبة الصخرة التي بناها وامر الناس بالحج اليها :
فـقد ذكر اليعقوبي : ا نه لما استولى ابن الزبير على مكة والحجاز كان ياخذ الحجاج بالبيعة له فلما راى ذلك عبد الملك منعهم من الخروج الى الحج , فضج الناس وقالوا : تمنعنا من حج بيت اللّه الحرام وهـو فـرض مـن اللّه عـلـيـنـا ؟ قـال ((لاتـشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام , ومسجدي , ومسجدبيت المقدس )) فهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام صـعـد الى السما , تقوم لكم مقام الكعبة سدنة , واخذالناس بان يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة ((80)) .
والى هذا اشار الجاحظ في بعض آثاره فقال في المفاضلة بين بني هاشم وبني امية : وتفخر هاشم با نهم لم يهدموا الكعبة , ولم يحولوا القبلة , ولم يجعلواالرسول دون الخليفة ((81)) .
ويـفصل هذا ايضا في بعض رسائله فيقول : حتى قام عبد الملك بن مروان وابنه الوليد بالهدم وعلى حـرم الـمـديـنـة بالغزو , فهدموا الكعبة واستباحواالحرمة , وحولوا قبلة واسط ـ الى ان قال ـ فـاحـسـب ان تحويل القبلة كان غلطا , وهدم البيت كان تاويلا , واحسب مارووا من كل وجه :ا نهم كانوا يزعمون : ان خليفة المر في اهله ارفع عنده من رسوله اليهم ((82)) .
واحـتـمـل السيد المرتضى العاملي : ان يكون هذا هو سر استحباب التياسر في القبلة لاهل العراق دون غـيرهم عنـد ائمة اهل البيت (ع ) , ويظهران خصوم الشيعة قد التفتوا الى هذا منهم , ولذلك كانوا يتهمون من يتحرى القبلة بالرفض .
فـقـد روى الخطيب البغدادي : ان قاضي واسط اسد بن عمرو قد راى قبلة واسط رديئة فتحرف فيها فاتهم بالرفض ((83)) .
2ـ والـمقايسة بين الرسول والخليفة , والتوهين بالكعبة لم يكن يقتصرعلى الحجاج , بل روى ابو الـفـرج الاصـبهاني الاموي : ان خالد بن عبد اللّه القسري عامل هشام بن عبد الملك على مكة ذكر النبى (ع ) فقال : ايما اكرم :رسول الرجل في حاجته او خليفته في اهله ؟ من النبي (ع ) ((84)) .
وروى عـن ابي عبيدة قال : خطب خالد القسري يوما فقال :ان ابراهيم الخليل استسقى اللّه ما فسقاه اللّه مـلحا اجاجا (يقصد زمزم ) وان امير المؤمنين استسقى اللّه ما فسقاه عذبا نقاخا ((85)) يقصد الـعـيـن الـتـي اجـراهـالـسـلـيـمان بن عبد الملك بمكة قبل ان يحج اليها واجراها الى المسجد الحرام ((86)) .
وروى ا نـه قـال لـغـلامه يوما : ابن امي يجعل الما العذب النقاخ مثل الملح الاجاج ؟ ((87)) .
وروى عـن الـمـدائنـي : ان خالدا كان يقول : لو امرني امير المؤمنين لنقضت الكعبة حجرا حجرا ونقلتها الى الشام ((88)) .
وروى ا نـه حـبـس بـعض التابعين فاعظم الناس ذلك وانكروه فبلغه ذلك , فخطب فقال : قد بلغني مـاانـكرتم من اخذي عدو امير المؤمنين ومن حاربه , واللّه لو امرني امير المؤمنين ان انقض هذه الكعبة حجرا حجرالنقضتها ((89)) .
3ـ وتـحـامل ابـن الزبير على بني هاشم تحاملا شديدا واظهر لهم العدواة والبغضا , حتى بلغ ذلك منه ا نه ترك الصلاة على محمد (ع ) في خطبته لـه اهيل سؤ يشرئبون لذكـره ويرفعون رؤوسهم اذا سمعوا به بني هاشم منهم محمد بن الحنفية وعبد اللّه بن عباس امتنعوا عن بيعته فحبسهم وهددهم ان يحرقهم بـالـنـار : وقـام خطيبا فنال من على بن ابي طالب (ع ) ولما عجزعنهم اخرجهم من مكة , فاخرج مـحـمـد بـن الحنفية الى رضوى وعبد اللّه بن عباس الى الطائف حتى توفي ابن عباس بها سنة 68 ه ((90)) .
واعـتـبـروا اقوال الصحابة حجة كقول رسول اللّه (ع ) : قال الشيخ ابوزهرة في كتابه عن الامام مـالك : ووجدنا مالكا ياخذ بفتواهم ـ اي الصحابة ـ على ا نها من السنة , ويوازن بينها وبين الاخبار المروية ان تعارض الخبر مع فتوى صحابي وآله ج وسلم ـ حتى ولو كان صحيحا ((91)) .
ونـقـل هـذا السيد المرتضى العاملي في مقدمته لسيرته ثم علق عليه يقول : وليس هذا الا لان شان رسـول اللّه لم يكن عند هؤلا في المستوى الطبيعي اللائق به كما هو ظاهر ثم نقل عن ((الرسائل المنيرية )) قوله : والعجب منهم من يستجيز مخالفة الشـافعي لنص له آخر في مسالة بخلافه , ثم لايرون مخالفته لاجل نص رسول اللّه ((92)) .
هذه هي صورة عن مكانة النبي (ع ) وتعاليمه وقيمة اقواله لديهم , نكتفي منه بهذا.
ونقول : ان وجود هذه الخطط التي استهدفت شخصية الرسول الكريم بل كل المقدسات الاسـلامية , توجب علينا ان نقوم نصوص سيرته وروايات تاريخه وتاريخ الاسلام .
بماذا نقوم النصوص ؟
وان نحن اردنا ذلك فمن الضرورى ان نعتمد فيه قبل كل شي على :
1ـ عرضه على القرآن الكريم ـ كما مر ـ فقد روي عنه (ع ) ـ كمامرايضا ـ ا ن ه قال : تكثر لكم الاحاديث بعدي , فاذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب اللّه , فما وافق كتاب اللّه فاقبلوه , وماخالف فردوه ((93)) .
وعـن على بن الحسين (ع ) قال عن القرآن : ((وميزان قسط لايحيف عن الحق لسانه , ونور هدى لايطفا عن الشاهدين برهانه , وعلم نجاة لايضل من ام قصد سنته )).
وروى الكلينى عن الامام الصادق (ع ) قال : مالم يوافق كتاب اللّه فهوزخرف ((94)) .
وعــن ابن عباس قال : اذا سمعتموني احدث عن رسول اللّه فلم تجدوه في كتاب اللّه او حسنا عند الناس , فاعلموا اني كذبت عليه ((95)) .
وعن ابن مسعود قال : فانظروا ما واطا كتاب اللّه فخذوه وما خالف كتاب اللّه فدعوه ((96)) .
وعـن مـعـاذ بـن جـبـل قـال :فـاعـرضوا على الكتاب كل شي من الكلام ولاتعرضوه على شي من الكلام ((97)) .
, فالزموا المساجد واستشيروا القرآن ((99)) .
ولن ينقضي العجب من بعض اهل الزيغ حيث نسب هذا القول ـ وهوعرض الحديث على القرآن ـ الى اهـل الزيغ فقال : وقد امر اللّه عزوجل بطاعته ـ اي النبي (ع ) ـ واتباعه امرا مطلقا لم يقيد بشي كما امرنا باتباع كتاب اللّه , ولم يقل : ماوافق كتاب اللّه , كما قال بعض اهل الزيغ ((100)) .
واعـجب من ذلك ان بعضهم نسب هذا الحديث الى الزنادقة والخـوارج وضـعـوا ذلك الحديث , يعني ماروي عنه ا نه قال : مااتاكم عني فاعرضوه على كتاب اللّه فان وافق كتاب اللّه فانا قلته وان خالف كتاب اللّه فلم اقله و : انما انا موافق كتاب اللّه وبه هداني اللّه .
وهذه الالفاظ لاتصح عنه عند اهل العلم بصحيح النقل من سقيمه ,وقد عارض هذا الحديث قوم مـن اهـل الـعـلـم وقالوا : نحن نعرض هذاالحديث على كـتاب اللّه قبل كل شي ونعتمد على ذلك , فلما عـرضـنـاه عـلى كتاب اللّه وجدناه مخالفا لكتاب اللّه , لا نا لم نجد في كتاب اللّه :ان لايقبل شي من حـديث رسول اللّه , بل وجدنا كتاب اللّه يطلق التاسي به والامر بطاعته , وكذا ينهى عن المخالفة عن امره , جملة على كل حال ((101)) .
وقـال ابـو بـكر البيهقي : والحديث الذي روي في عرض الحديث على القرآن باطـل , فانه ينعكس على نفسه بالبطلان , فليس في القرآن دلالة على : عرض الحديث على القرآن ((102)) .
وقالوا بقول مطلق : السنة قاضية على الكتاب , وليس الكتاب بقاض على السنة ((103)) .
وحـاول الخطابي في شرحه لسنن ابي داود ان يجد من الحديث ماينفي احاديث العرض على الكتاب , وذلـك في شرحه لقوله (ع ) ((لا الفين احدكم متكئا على اريكته ياتيه الامـر مما امرت به او نهيت عنه فيقول : ماندري ,ما وجدنا في كتاب اللّه اتبعناه )).
قـال الـخـطـابي معلقا على هذا الحديث : في الحديث دلالة على ان لاحاجة الى عرض الحديث على الـكتاب , وا نه مهما ثبت عن رسول اللّه شي كان حجة بنفسه فاما مارواه بعضهم ا نه قال : اذا جاكم الـحـديث فاعرضوه على كتاب اللّه فان وافقه فخذوه فانه حديث باطل لا اصل له وقد حكى زكريا الساجي عن يحيى بن معين ا نه قال : هذا حديث وضعته الزنادقة ((104)) .
وقـد بحث هذا الموضوع العلا مة المحقق السيد مهدي الروحاني في كتابه ((بحوث مع اهل السنة والسلفية )) وخلص الى القول : بان هذه الاحاديث ـ اي احاديث عرض الحديث على الكتاب ـ ناظرة الـى قبول الموافق وردالمخالف , ام ا مالايوافق ولايخالف فهو باق تحت حجية الاخبار , فعدم وجود معنى حديث ما في كتاب اللّه لايفيد مخالفة هذا الحديث له .
2ـ بـالاعـتماد على القرآن الحكيم علينا ان نحدد معالم شخصية الرسول الكـريم التي تمثل اسمى انسان وجد ويوجد على وجه الارض , متصفابصفات الفضل والكمال متخليا عما عداها , حتى جعله اللّه لـنـا اسوة وقدوة مطلقا فقال : ( ولكم في رسول اللّه اسوة حسنة ) ((105)) فهو كما وصفه حفيده الامام الهادي (ع ) في الزيارة الجامعة : ((عصمكم اللّه من الزلل وآمنكم من الفتن , وطهركم مـن الـدنس , واذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيرا)) فهوالمعصوم عن المعاصي والمبرا من كل عـيـب وعـاهة وآفة منفرة للناس عنه , فلايرى في اعماله اي تشتت او ضعف , ولا في اقواله اي تناقض او تهافت اوسخف , بل الفضائل الكاملة , والصفات الانسانية الرفيعة الفاضلة : حكمة وعلما , وشجاعة وحزما , وسكينة ووقارا , و و بكلمة : هو خليفة اللّه في ارضه وحجته على عباده .
فنلاحظ ان كان النص منسجما مع هذه الشخصية العظيمة قبلناه , والا رددناه والا فكيف ننسب الى هذه الشخصية ا نه حمل حليلته عائشة على متنه لتشاهد اغاني السودان ؟ او ا نه بال قائما ؟ 3ـ وبـالاقـتـدا بـالـقــرآن الكريم الذي انما خاطب اولي الالباب والعقول , وجعل العقل ـ القطعى الاتـفـاقى ـ حكما فيما يقول وذم العقلا على مخالفتهم لحكم عقولهم فليكن ذلك هو موقفنا في جميع القضايا التاريخية ايضا , فنتاكد من امكان حدوثه تاريخيا.
هـذا بـعـد الـتاكد من سلامة النص من التناقض والمعارض , والنظر في طبقات الرواة وعلاقاتهم الـسـيـاسـيـة وغيرها , والتاكد من سلامة سند النص من الوض اعين والكذابين واصحاب الاهوا السياسية وغيرها.
بـعـد كـل ذلـك وبالاخذ بنظر الاعتبار جميع تلك المقاييس , يكون بامكاننا ان نقوم النصوص غير الـقـلـيـلة التي تسعى ان تصور الرسول الكريم (ع ) بمظهر صبى جاهل عاجز مهين فرصة التسلل الى سيرته (ع ).
وحينئذ يكون بامكاننا ان نتقدم الى المسلمين بنص من ثروة التراث يكون مصدر فخر واعتزاز.
وهذه ميزة يمتاز بها تاريخ الاسلام , وهي ا نه ينطلق عن قواعدبامكانها ان تهدي الباحث الى الطرق الامـيـنــة والتي بامكان سالكها ان يصل بها الى الحقيقة التي يريدها مطمئن النفس راضي الضمير , شريطة التزامه بتلك القواعد والضمانات المشار اليها فيما مر.
واستداركا لما فات :
واسـتداركا لما مر نقول : ان المدون من تاريخ الاسلام ـ بما فيه ممامرذكره ـ مع ذلك يعتبر اغنى تـاريخ مطلقا , ذلك لامتيازه بدقته وشموله ,فتراه يلم ح اللمحات , ويلتفت مع اللفتات , ويتحرك مع الحركات , ويتحدث عن الاحداث , ويتكلم بالكلمات , ويقف في المواقف بدقة وشمول منقطع النظير , ويملك لذلك من النصوص الشي الكثير , بحيث لايشابهه اي تاريخ مطلقا , فانه ليس بامكان اي تاريخ آخـر ان يـثـبـت الـكثير من احاديثه عن الحوادث الكبرى بصورة قطعية فضلا عن الجزئيات من الامور.
لـكـن لا بـد لـمـن يريد الافادة من كتب التاريخ الاسلامي من ان يفتح عينه ووعيه لكل كلمة منه , فيطالعها بوعي ويقظة وحذر , يسعى لاستخلاص ماينسجم منه مع الواقع ويرد ماعداه , مما مال به الـقـائل او لـعـبت به الاهوا ,ولاسيما مايتعلق منه بصدر الاسلام , مما يتحكم فيه الهوى المذهبي والـتـزلـف الى الخلفا والامرا والحكام فيذكر الامر منقطعا عن علله وعوامله ومنفصلا عن اسبابه وجذوره , وذلك بفعل التعصب البغيض والظلم الكثير فالمؤرخ كان لايكتب ولا يثبت الا ماينسجم مع نفسية الحاكم , ويتفق وقوله , مهما كان مخالفا للواقع والحقيقة , ولاتجاه المؤرخ عقيدته ايضا , فهو يـشـوه امـورا صـدرت مـن الـحـاكــم او غـيـره ويـحيطها بالغموض والابهام , او يهمل احداثا ويـتـجـاهل شـخصيات لها اثرها في التاريخ , ويختلق احداثا او شخصيات لاوجـود لها ,او يسهب الكلام في وصف غرام او مجلس رقص او غنا وشراب ويعنى بامور حقيرة تافهة .
بـيـنـمـا مـهـمة المؤرخ ان يعكس حياة الامة وماعرض لها من ازمات فكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية , وبصورة عامة كل مامرت به من اوضـاع واحوال , وذلك بدقة وامانة وليس بخاف مافي ذلـك مـن الاثر الكثيرفي حياة الامة ووضعها في الحال الحاضر : عقائديا وعلميا وادبيا واجتماعيا ,حـسب اختلاف الاحداث عمقا وشمولا ولا ينفي ترتب هذا الاثر البارزان يكون الحدث التاريخي قد مر على تاريخه اكثر من الف عام .
قلنا : ان المسلمين اهتموا بتدوين تاريخهم مالانراه لغيرهم , وانه بالرغم مما ذكر فهو اثرى تاريخ امة مطلقا ولكن هذا لايعني ان تدوينه لم يتاثر بالاهوا السياسية ومختلف العصبيات المذهبية وغيرها , مـمـا ادخـل فـيـه الابـاطيل والموضوعات الامر الذي فرض علينا ان نتخذ من المبادئ القرآنية والاسـلامية , وشخصية الرسول الكريم (ع ) , مقياسا لتقييم كثير من النصوص والحكـم عليها من خلال انسجامها مع كل ذلك , وهكذا بالنسبة الى كل شخصية من امام معصوم وغيره حصلنا منه على عـلـم عـام بـسـيـرتـه واخـلاقـه , مـسـتعينين بالكثير من ادوات البحث الاخرى التي توفرها الـمـمـارسة الطويلة في هذا الموضوع , كتناقض النصوص , او التوصل الى عدم امكان وقوع ذلك الحدث في تلك الفترة الزمنية او بالنسبة الى الشخصية المنسوب اليها.
بحث الاسناد :
ان هـذه الـحـالة ـ حالة عدم الامانة التامة ـ لاتدعنا نعتمد على الاسانيدلتكون ميزانا نهائيا ومقياسا مـطـلقا في موضوع التاريخ , اذ ان ذلك يعني ان نحصر انفسنا في حصار نصوص يسيرة تكاد لاتفي حـتى بالفهرسة الاجمالية لسيرة الرسول الكريم (ع ) ومجمل تاريخ صدر الاسلام , ويعني ان نفقد الـكـثـير من النصوص الصحيحة التي لم تحتفظ بسند فيه ادنى شرائطالقبول , وسوف يفقد الناقد حرية حركته بين النصوص للاستنتاج .
اذن , فـلا يـمـكن ملاحظة شروط الاسناد الا بالنسبة لما روي عن ائمة اهل البيت (ع ) , اما في خـصـوص النصوص التاريخية فانه لايتيسر ملاحظة ذلك , ذلك لان التاريخ قد دون بايد قد تكون امـيـنـة ولكن لا على الاطلاق ولاسيما بالنسبة لاسناد مادونوا من اخبار , وعلى هذا , فلا بد من مـلاحظة اكثر مايمكن للتاكد من عدم الجعل والتحريف فيها قبل قبولها على ا نها من التاريخ المعتمد عليه .
وبـكـثـرة الاكاذيب والاباطيل في الاحاديث والاقاويل التاريخية , بسبب تلاعب الاهوا المذهبية والـسـيـاسـيـة كـما سبق , فان الاستناد الى افراد معينين من المؤرخين او نوعية معينة من الكتب التاريخية ربما تحرم الباحث من كثيرمن الحقائق التاريخية المبعثرة هنا وهناك , والتي امكن لها ان تصل الينا عبرالموانع المتعددة سليمة من كثير من التحريف , بما ان الساسة لم يروها , او لم يروا فـيها ما يشكل خطرا عليهم , وكذلك المتعصبون من ارباب المذاهب ,فبقيت بعيدة عن متناول ايديهم ورماحهم وغوغائهم , وآمنة من تعنت المتعصبين وجبروت الطواغيت كي نتلقفها اليوم بسلام .
دراستنا نحن للتاريخ :
ونـحـن هـنـا نحاول بدورنا ان نستخلص صورة نقية واضحة ما امكننامن تاريخنا تاريخ الاسلام , وبـصـورة اسـاسـيـة نهتم لنبتعد عن ذلك القسم الموضـوع المكذوب من النقول التاريخية , والتي لاتـعـدو فـي الـحـقـيـقة والواقع عن اوهام من خيالات اصحاب الاهوا والاغراض من المحدثين والقصاصين .
والـبـداية الطبيعية لتاريخ الاسلام هي سيرة الرسول الكريم (ع ) , وهذه البداية الطبيعية تفرض عـلـينا ان نلاحظ اولا شيئا عن تاريخ ماقبل البعثة النبوية الشريفة , كي نتعرف على المناخ والجو الذي ظهر فيه الاسلام الى العالم .
واعـتمدنا فيما كتبناه هنا ـ حتى الامكان ـ على اسبق ماكتبه اورواه السابقون الاولون ولاسيما من مـدرسـة اهـل الـبـيت (ع ) دون المتاخرين فضلاعن المعاصرين الا قليلا , اذ هو علم نقلى ليس لـلـمـتـاخـر الا مـاكـتـبـه الـمـتـقدم اللهم الا في كـيفية الاخراج والتاليف والتصنيف والترتيب والتنظيم والتنسيق , ثم توجيهه وتحليله كل في حدود امكانه وطاقته .
وقـد امسك اولئك المؤرخون القدامى عن اية دراسة او تحليل للحوادث والوقائع التاريخية , ولعله صيانة لنصوص احاديث تلك الحوادث ,لا بشان النبي (ع ) فحسب , بل ان التاريخ الاسلامي بصورة عـامـة كـتـب بـدون دراسـة او تـحـلـيـل او تـحـقـيـق اجل ان اول من فتح هذا الطريق بوجه الـمؤرخين الاسلاميين هو العالم العربي القاضي عبد الرحمن بن محمد الخضري المالكي المعروف بـابـن خـلدون (ت 808 ه) , فانه اسس في ((مقدمته )) اسس التاريخ التحليلي , وهي بما فيها من اشتباهات كثيرة في تحليل بعض الحوادث تعد اثرامفيدا جديدا مبتكرا في بابه .
وقد كتبت بشان النبي العظيم من النوعين الاول والثاني , اي التاريخ الوقائعي والتحليلي كتب كثيرة , ولكن يعوز النوع الاول : التحليل , ويعوزالنوع الثاني في كثير من الاحيان ا نها على جانب كبير من الاخطا العجيبة ,حيث انها اعتمدت على مصادر غير معتبرة او على كتب المستشرقين .
فبالنظر الى هذين الاشكالين الاساسيين عمدنا في حدود امكاننا في دراستنا هذه ان نتجنبهما , وذلك بان :
1ـ نـسجل الحوادث المهمة التي تتميز بدروس لنا فيها , وان ننقل ذلك من المصادر الاصلية الاولى المؤلفة في القرون الاولى الاسلامية .
2ـ وان نـقـف عـنـد ما اورده المعترضون والمستشكلون من المستشرقين وغيرهم مما انتقدوا به الاسـلام ورسوله , فنجيب على كل ذلك باجوبة صحيحة قطعية واضحة بينة , وان ندفع اية شبهة او اشـكـال قـد يـورد عـلـى الـتـاريـخ الاسلامي لدى شيعة ائمة اهل البيت (ع ) حسب المصادر والشواهدالتاريخية الناطقة .
واللّه الـموفق والمعين , وهو الهادي الى الحق والى طريق مستقيم , فهوحسبي ونعم الوكيل , نعم المولى ونعم النصير.
محمد هادي اليوسفي الغروي .
الفصل الاول
البيئة العربية والظروف العالمية .
قبيل ظهور الاسلام .
الجاهلية فى القرآن الكريم :
قلنا : ان البداية الطبيعية لتاريخ الاسلام تفرض علينا ان نتعرف اولاعلى حالة العرب قبل الاسـلام كي نتعرف على المناخ والجو الذي انطلقت فيه الدعوة الى الاسلام , وخير كلام في هذا المقام كلام الامام العلا مة الطباطبائي في تفسيره ((الميزان )) قال :
ان القرآن يسمي عهد العرب المتصل بظهور الاسلام بالجاهلية , وليس الا اشارة منه الى ان الحاكم فـيـهم يومئذ الجهل دون العلم , وان المسيطرعليهم في كل شي الباطل دون الحق , وكذلك كانوا , على مايقص القرآن من شؤونهم :
قال تعالى : ( يظنون باللّه غير الحق ظن الجاهلية ) ((106)) .
وقال ( افحكم الجاهلية يبغون ) ((107)) .
وقال : ( اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) ((108)) .
وقال : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى ) ((109)) .
كانت العرب يومئذ تجاور في جنوبها الحبشة وهي نصرانية , وفي مغربها امبراطورية الروم وهي نـصرانية ايضا , وفي شمالها الفرس وهم مجوس ,وفي غير ذلك مصر والهند وهما وثنيتان , وفي ارضهم طوائف من اليهود وهم وثنيون يعيش اكثرهم عيشـة القبائل , وهذا كله هو الذي اوجد لهم اجـتـمـاعاهمجيا بدويا فيه اخلاط من رسوم اليهودية والنصرانية والمجوسية , وهم سكارى في جهالتهم .
وكـانـت الـعـشـائر الـبدو على ما لهم من خسـاسة العيش ودناته يعيشون بالغزوات وشن الغارات واختطاف ما في ايدي الاخرين من متاع او عرض ,فلا امن بينهم ولا امانة , ولا سلم ولا سلامة , والامر لمن غلب , والملك لمن وضع يده عليه ((ومن عز بز)).
امـا الـرجـال فالفضيلة بينهم سفك الدما والحمية الجاهلية والكبروالغرور واتباع الظالمين وهضم حقوق المظلومين , والتعادي والتنافس ,والقمار وشرب الخمر والزنا , واكل الميتة وحشف التمر.
واما النسا فقد كن محرومات من مزايا المجتمع الانساني لا يملكن من انفسـهن ارادة ولا من اعمالهن عـمـلا , ولا يـمـلـكن ميراثا , ويتزوج بهن الرجال من غير تحديد بحد , كما عند اليهود وبعض الوثنيين , ومع ذلك فقدكن يتبرجن بالزينة ويدعن من احببن الى انفسهن , وفشا فيهن الزناوالسفاح حتى المحصنات المزوجات منهن , ومن عجيب بروزهن ا نهن ربماكن يطفن بالبيت ليلا عاريات من ثيابهن (لا نهن لا يجدن احراما طاهرا).
وامـا الاولاد فـكانوا ينسبون الى الابا لكنهم لا يورثون صغاراويذهب الكبار بالارث , ومن الارث زوجة المتوفى , ويحرم الصغار ـ ذكورااو اناثا ـ والنسا نعم لو ترك المتوفى صغيرا ورثه ولكن الاقويا يتولون امر اليتيم وياكلون ماله , ولو كان اليتيم بنتا تزوجوها واكلوا مالها ثم طل قوها وخلوا سـبيلها , فلا مال تقتات به ولا راغب في نكاحها ينفق عليها والابتلا بامر الايتام من اكثر الحوادث المبتلى بها بينهم لدوام الحروب والغارات والغزوات فطبعا كان القتل شائعا بينهم .
وكان من شقا اولادهم ان بلادهم الخربة واراضيهم القفرة البائرة كان يسرع اليها الجدب والقحط , فـكـان الرجل يقتل اولاده خشية الاملاق : ( ولاتقتلوا اولادكم خشية املاق ) ((110)) وكانوا يـئدون الـبـنات : ( واذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت ) ((111)) وكان من ابغض الاشيا ان يبشر الرجل بالانثى : ( واذابشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سـؤ مابشر به ايمسكه على هون ام يدسه في التراب الا سـا مايحكمون ) ((112)) .
وامـا وضـع الـحـكومة بينهم : فاطراف الجزيرة وان كانت ربما ملك فيهاملوك تحت رعاية اقوى الـجيران واقربها كايران لنواحي الشمال , والروم لنواحي الغرب , والحبشة لنواحي الجنوب , الا ان قرى الاوساط كمكة ويثرب والطائف وغيرها كانت تعيش في وضع اشبه بالجمهورية وليس بها ,والـعشائر في البدو بل حتى في داخل القرى كانت تدار بحكومة رؤسائهاوشيوخها , وربما تبدل الوضع بالسلطنة .
وهـذا هو الهرج (الفوضى ) العجيب الذي كان يبرز في كل عدة معدودة منهم بلون , ويظهر في كل نـاحية من ارض شبه الجزيرة بشكل مع الرسوم العجيبة والاعتقادات الخرافية الدائرة بينهم اضف الى ذلك بلاالامية وفقدان التعليم والتعلم في بلادهم فضلا عن العشائر والقبائل .
وكـل هـذا الذي ذكرناه من احوالهم واعمالهم والعادات والمراسيم الدائرة بينهم هو مما يستفاد من سـياق الايات القرآنية والخطابات التي تخاطبهم بها , اوضح افادة , فتدبر في المقاصد التي ترومها الايـات والـبـيـانـات الـتـي تـلقيها اليهم بمكة اولا , ثم بعد ظهور الاسلام وقوته بالمدينة ثانيا , وفي الاوصاف التى تصفهم بها , والامور التي تذمها منهم وتلومهم عليها ,والنواهي المتوجهة اليهم في شـدتـهـا وضعفها اذا تاملت كل ذلك تجد صحة ماذكرناه والتاريخ كذلك يذكر كل ذلك ويعرض من تـفـاصـيـلـه مـا لـم نـذكـره ,لاجمال الايات الكريمة وايجازها القول فيه واوجز كلمة واوفاها لافـادة مجمل هـذه المعاني ما سمى القرآن به هذا العهد ((الجاهلية )) فقد اجمل في معناها كل هذه التفاصيل هذا حال عالم العرب ذلك اليوم .
واما العالم المحيط بهم ذلك اليوم من الفرس والروم والحبشة والهندوغيرهم , فالقرآن يجمل القول فيه ايضا.
امـا اهـل الـكـتـاب منهم اعني اليهود والنصارى ومن يلحق بهم (من المجوس والصابئة ) فقد كانت مـجـتـمعاتهم تدار بالاهوا الاستبدادية والتحكمات الفردية من الملوك والرؤسا والحكام والعمال , فـكـانـت مـقـتـسمة طبعا الى طبقتين : طبقـة حاكمة فعالة لما تشا , تعبث بالنفس والعرض والمال وطـبـقة محكومة مستعبدة مستذلة لا امن لها في مال ولا عرض ولا نفس ولا حرية ولا ارادة الا ما وافـق مـن يـفـوقـهـا وقد كانت الطبقة الحاكمة استمالت علماالدين وحملة الشـرع وائتلفت بهم , واخذت مجامع قلوب العامة وافكارهم بايديهم , فكانت بالحقيقة هي الحاكمة في دين الناس ودنياهم , تحكم في دين الناس كيفما ارادت بلسان العلما واقلامهم , وفي دنياهم بالسوط والسيف .
هـذا وقـد انقسمت الطبقة المحكومة ايضا حسب قوتها في السطوة والثروة فيما بينهم , الى طبقتي الاغـنيا المترفين والضعفا و العجزة والعبيد ,والى رب البيت ومربوبيه من النسا والاولاد , وكذا الـى الـرجـال الـمـالكين لحرية الارادة والعمل في جميع شؤون الحياة والى النسا المحرومات من جميع ذلك والتابعات للرجال محضا والخادمات لهم فيما ارادوه منهن من غيراستقلال ولو يسيرا.
ومجمل هذه الحقيقة يظهر من قوله سبحانه : ( قل يا اهل الكتـاب تعالواالى كلمة سوا بيننا وبينكم ان لا نـعـبـد الا اللّه ولا نشرك به شيئا ولا يتخذبعضنا بعضا اربابا من دون اللّه فان تولوا فقولوا اشـهـدوا بـا نا مسلمون ) ((113)) وكذاقوله سبحانه : ( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند اللّه اتقاكم ) ((114)) وقوله في النسا : ( اني لا اضـيـع عـمـل عـامـل مـنـكـم من ذكر او انثى بعضكم من بعض ) ((115)) وفيما اوصى به في التزويج بالفتيات والاما : ( بعضكم من بعض فانكحوهن باذن اهلهن ) ((116)) .
الجاهلية في نهج البلاغة :
وبـعـد استعراض هذه الايات من القرآن الكريم بشان الجاهلية يكفيناان نتذكر بعض ماجا عن علي (ع ) في ((نهج البلاغة )) في ذلك :
((وانـتـم مـعـشـر الـعرب على شر دين وفي شر دار , منيخون بين حجارة خشن وحيات صم , تـشـربـون الـكدر وتاكلون الجشب , وتسفكون دماكم وتقطعون ارحامكم , الاصنام فيكم منصوبة والاثام فيكم معصوبة )) ((117)) .
((والـنـاس ضـلا ل فـي حـيـرة , وحـاطبون في فتنة , قد استهوتهم الاهواواستزلتهم الكبريا واستخفتهم الجـاهلية الجهلا , حيارى في زلزال من الامروبلا من الجهل )) ((118)) .
((والاحـوال مـضطربة , والايدي مختلفة , والكثرة متفرقة , في بلا ازل واطباق جهل : من بنات موؤدة واصنام معبودة وارحام مقطوعة وغارات مشنونة )) ((119)) .
معنى الجاهلية :
ومـن مـصـاديـق الـحمية الجاهلية ما حاوله البعض ان يحرف في معنى الجاهلية من معنى عدم العلم وفـقـدان الـمـعرفة لديهم الى ا نها من الجهل بمعنى الحمية والغضب , كما قـد يقال : جهل زيد على عمرو بمعنى غضب عليه ,وا نها ليست من الجهل بمعنى عدم العلم والمعرفة .
وهـذا الـتـوجيه ليس ـ كما قلنا ـ الا مصداقا من مصاديق الحمية الجاهلية , فان الظاهر من اطلاق الـجـهـل لـيس الا بمعنى ما يقابل العلم والمعرفة , ولا تحمل على معنى الحمية والغضب الا مجازا بـقـريـنـة مـا , كـمـا فـيـمـايـستشهدون به من قولهم جهل عليه , فان تعدية الجهل الى المفعول بلفظة ((على )) اجلى قرينة لفظية لذلك , والا فلا تحمل الكلمة الا على ما يقابل العلم فقط.
ولـيـت شـعري ما يقول اصحاب هذا التوجيه غير الوجيه في معنى ماجا في الايات الكريمة الاربع ((ظن الجاهلية )) و((حكم الجاهلية )) و((الحمية الجاهلية )) و((تبرج الجاهلية )) فهل يصح ان تفسر الجاهلية في هذه الايات بمعنى الغضب ؟.
وقد راينا امير المؤمنين (ع ) وصف الجاهلية بالجهلا تاكيدا للمعنى المعروف مـن الجاهلية , ثم قال : ((وبلا من الجهل )) و((اطباق جهل )) مما يؤكدذلك ايضا ويدفع اي ترديد فيه .
((لـقـد اوضـح لـنـا الامـام امير المؤمنين (ع ) في كلماته المتقدمة حالة العرب ومستواهم العلمي والثقافي , وا نهم كانوا يعيشون في ظلمات الجهل والحيرة والضياع .
وهـذا يـكـذب كـل ما يدعيه الاخرون ـ كالالوسي وغيره ـ من ان العرب كانوا قد تميزوا ببعض العلوم : كعلم الطب والانوا والقيافة والعيافة )) ((120)) .
ويـقول ابن خلدون بهذا الصدد ((ان الملة ـ العربية ـ في اولها لم يكن فيها علم ولا صناعة , وذلك لمقتضى احوال السذاجة والبداوة فالقوم يومئذ عرب لم يعرفوا امر التعليم والتاليف والتدوين , ولا دفعوا اليه , ولادعتهم اليه حاجة فالامية يومئذ صفة عامة )) ((121)) .
ويـقـول عــن عـلم الطب عند العرب : (( طب يبنونه ـ في غالب الامر ـعلى تجربة قاصرة على بعض الاشخاص متوارثا عن مشايخ الحي وعجائزه ,وربما يصح منه البعض الا ا نه ليس على قانون طـبـيعي ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب كثير , وكان فيهم اطبا معروفون كالحارث بن كلدة وغيره )) ((122)) .
ويكفي ان نذكر هنا ما رواه البلاذري في اميتهم : ان الاسلام دخل وفي قريش سبعة عشر رجلا , وفي الاوس والخزرج في المدينة اثنا عشر رجلايعرفون القراة والكتابة ((123)) .
ويـقول ابن خلدون عن نوعية الخط عندهم ((وكانت كتابة العرب بدوية وكان الخط العربي لاول الاسـلام غـير بالغ الى الغاية من الاحكام والاتقان والاجادة ولا الى التوسط , ذلك لمكان العرب من الـبـداوة والـتـوحـش وبـعـدهـم عن الصنائع وانظر ما وقع ـ لاجل ذلك ـ في رسمهم المصحف حـيـث رسـمه الصحابة بخطوطهم وكانت غير مستحكمة في الاجادة فخالف الكثير من رسومهم ما اقـتـضته رسوم صناعة الخط عند اهلها , ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبركا بما رسمه اصحاب الرسول )) ((124)) .
بل ربما كـانوا يعتبرون القراة والكتابة عيبا , فقد قال عيسى بن عمر :قال لي ذو الرمة : ارفع هذا الحرف فقلت له : اتكتب ؟ فقال بيده على فيه اي اكتم علي , فانه عندنا عيب ((125)) .
وقـال ابـن خـلـدون بهذا الصدد : ((مع مايلحقهم من الانفة عن انتحال العلم حينئذ , لا نه من جملة الصنائع , والرؤسا ـ ابدا ـ يستنكفون عن الصنائع والمهن وما يجر اليها)) ((126)) .
فـالـذي رواه الرواة والمؤرخون يفيد نفي وجود اي لون من الوان التعليم , او وجوده ولكن بنسبة صـغـيـرة جـدا حـيث لا يتجاوز عدد المتعلمين عدد اصابع اليدين والرجلين في كل بلدان الحجاز وحواضره .
ذهـب بعض المتاخرين من المؤرخين العرب ـ منهم محمد عزة دروزة في كتابه : القرآن المجيد ـ الـى ان هـناك في المدن الحجازية فئة من المتعلمين بنسبة لا يمكن تجاهلها وكل ما سجله هؤلا في كتبهم لتاييد رايهم هو : ـ ان البيئة الحجازية ـ ولا سيما مكة والمدينة ـ كانت بيئة تجارية ـ , كما اشـار الـى ذلك القرآن الكريم في سورة قريش , فكانت ـ بحكم عملها وطبيعتها ـ على اتصال وثيق ومـسـتـمر مع البلاد المجاورة من الشام واليمن والعراق والتي كانت على جانب لا باس به من العلم والثقافة .
وكـانت البيئة الحجازية تضم فئات كتابية : يهودية ومسيحية اصيلة ونازحة من البلاد المجاورة , والتي كانت تتداول ما بينها الكتب الدينية وغيرها قراة وكتابة .
هـذا مـن جـهة , ومن جهة اخرى فقد ورد في القرآن العزيز اطول آية في سورة البقرة تطلب من الناس تسجيل كافة المعاملات والتصرفات وكتابتها نقـدا او دينا صغيرة او كبيرة ((127)) فكيف تـطـلـب هـذه الايـات مـن الـنـاس تـحـقـيق كل ذلك دون وجود قسم من المتعلمين في صفوفهم يكتبون ويدونون عن انفسهم او الاخرين .
هـذا بـالاضافة الى ان كتبة الوحي بين يدي الرسول (ع ) بلغ عددهم اكثر مـن اربعين رجلا , وان كـثيرا منهم كانوا مكيين , وهم الذين كتبوا القسم المكي من القرآن قبل هجرته (ع ) الى المدينة , فـهـذا دليل على وجود المتعلمين في مكة وان كانوا قليلين , سوا ممن كتب الوحي من هؤلا ومن لم يسلم بعد.
كـما ان الاسرى الفقرا من قريش الذين وقعوا في قبضة المسلمين في معركة بدر الكبرى في العام الثاني للهجرة , والذين لم يستطيعوا ان يقدموافدية نقدى ة لاطلاق سراحهم , كلف كل واحد منهم ـ مـمـن يجيد القراة والكتابة ـ تعليم عشرة من اطفال المسلمين في المدينة القراة و الكتابة لقااطلاق سـراحـهـم , ويـحدثنا البلاذري : ان كثيرين منهم قاموا بما كلفوا به من تعليم الاطفال في المدينة واصـبـحـوا بعدها احرارا عادوا الى مكة , كما اسلم بعضهم بعدما لمسوا عدالة الاسلام وسماحته فـكـيـف يـعـقـل هنا ان يجيد قسم من الفقرا ومعدمي القرشيين القراة والكتابة ولا يتقنها اغنياؤهم وتجارهم وارباب السلطان منهم ((128)) .
وخـلاصـة الـقول في جواب هؤلا هو ان نقول : ان الجهل كان هوالحاكم المطلق ولا نلاحظ نحن فيهم اي شي من العلوم قبل الاسلام بل لانرى الا جهلا وحيرة وضياعا اما ما اسـتشهد به هؤلا فلا يعدو ان يكون مما قام به الاسلام لمحو الامية .
امـا اولوية ان يكون ذوو الغنى والسلطان منهم يقراون ويكتبون فقدعرفت فساده مما سبق عن ابن خـلدون واما عدد كتاب الوحي فقد فنداكثر العدد العلا مة السيد ابو الفضل مير محمدي في كتابه القيم ((بحوث في تاريخ القرآن وعلومه )).
ولا يـفـوتـنا هنا ان ننوه الى : ان اميتهم هذه كانت السبب في قوة حافظتهم التي امتازوا بها , فاصبح الكثير منهم حفظة القرآن الكريم واحاديث الرسول العظيم .
لكن مستواهم الثقافي هذا كان السبب الطبيعي في ان ينظروا الى اهل الكتاب عموما واليهود خصوصا نظرة التلميذ الى معلمه فتكون لهم الهيمنة الفكـرية عليهم , مما بقيت آثاره في اخبار رواتهم فيقول الطبري : ((عن بعض اهل العلم من اهل الكتاب )).
غيرة وحمية , ام حمية جاهلية :
كـمـا حـاولـوا ان يوجهوا الجاهلية بتفسيرها بمعنى الغضب لا عدم العلم والمعرفة , كذلك حاولوا تحريف الحمية الجاهلية المذكورة في القرآن الكريم من كونها صفة ذميمة الى جعلها خصيصة ذات ميزة للعرب قبل الاسلام , وذلك بحذف صفة الجاهلية واضافة لفظة ((الغيرة )) الى ((الحمية )).
والـحقيقة هي ان الحمية صفة ذميمة , اذ هي تعني ان يكون النصرللقبيلة وذوي القرابة فقط , وان الـعون لا بد وان يمحض لهم ظالمين كانوا اومظلومين فلا بد من الوقوف الى جانب ابن القبيلة سوا كان الحق له اوعليه , حتى قال شاعرهم يمتدحهم بذلك :
لا يسالون اخاهم حين يندبهم ـــــفي النائبات على ما قال برهانا.
وفي المقابل تتحمل القبيلة عنه كل جناية وجريمة يرتكبها , وتحميه من كل من اراده بسؤ وهذا هو التعصب القبلي الذي لا يرحم ولا يلين فالتعصب القبلي كان من مميزات الانسان العربي وخصائصه .
ومـن الـطـبـيـعـي ان يكون شعور افراد كل قبيلة بالنسبة لابنا قبيلتهم قويا جدا , وذلك بدافع من شعورهم بالحاجة الى قبائلهم للدفاع عن انفسهم .
وهـذا هـو الـسـر في شجاعتهم ايضا , وذلك ا نهم بحكم بيئتهم وحياتهم في الصحرا بلا حواجز وموانع طبيعية او غيرها , كانوا يشعرون بحاجتهم الى حماية انفسهم والدفاع عنها , ولا يرد عنه الا يـده وسـيـفـه ثـم اهـلـه وعـشـيـرتـه , وهو يرى نفسه في كل حين عرضة للغزو والنهب والسلب والغارات والثارات .
ان حـيـاة الـبـاديـة والغزو المفاجي وعمليات الاغتيال ثارا التي كانت تهددهم دائما , كل ذلك كان يـسـتدعي سرعة الاقدام ومباشرة العمل فورا ,فاذا اضيف الى ذلك عدم شعورهم بالمسؤولية عما يـفـعـلـون , فـان الاقـدام بـلاتـرو ولا تريث لا بد وان يصبح هو الصفة المميزة لهم والطاغية على تصرفاتهم ولذا فقد قل ان تجد فيهم حليما.
واخيرا فقد نعى القرآن الكريم على الجاهلية هذه الحمية فعبر عنهابالحمية الجاهلية , وهذا يعني ا نها كانت من دون تثبت في الفكر والراي بل للجهل , فكيف تكون ميزة ؟ اجـل ان الاسـلام حاول ان يضع هذه الحمية في خطها الصحيح وان يجعلها تنطلق من قواعد انسانية وعـواطـف حقيقية وفضائل اخلاقية ,وبالاخص من احساس دينى صحيح , وان يستفيد منها في بنا الامـة عـلـى اسس صحيحة وسليمة فقد حاول ان يوجه العصبية القبلية وجهة بناة ويقضي على كل عـناصر الشر والانحراف فيها , فدعى الى بر الوالدين والى صلة الرحم , وجعل ذلك من الواجبات وذلك لربط الامة المسلمة بعضهاببعض وفي الوقت نفسه ادان كل تعصب لغير الحق وندد به وعاقب عليه ,واعتبر ذلك من دعوات الجاهلية المنتنة كما جا في بعض نصوص الاحـاديث وكذلك حاول ان يوجه غيرتهم وحميتهم وشدتهم الى حيث قال تعالى : ( اشدا على الكفار ) ((129)) .
بنا الكعبة المعظمة :
يجدر بنا ونحن نحاول دراسة التاريخ الاسلامي ان نتعرف على تاريخ بنا الكعبـة في مكة المكرمة , وذلك يجرنا الى البد بتاريخ بانيها ابراهيم (ع ) ,فلنبدا به :
ومـن اجـمـع مايتضمن قصة الخليل (ع ) ما جا في ((روضة الكافي )) بسنده عن علي بن ابراهيم القمي , عن زيد الكرخي قال :
سـمـعـت ابا عبد اللّه الصادق (ع ) يقول : ان ابراهيم (ع ) كان مولده بكوثاريا وكان ابوه من اهلها , وكانت ام ابراهيم وام لوط (ع ) , سارة وورقة اختين , وهما ابنتان للاحج , وكان لاحج نبيا منذرا , ولم يكن رسولا.
2 تعليقات
تعقيبات: mac cosmetics wholesale
تعقيبات: mac makeup 2016