أشار القرآن إلى آثار التقوى بالنسبة إلى ذرية الانسان أيضاً، حيث نجد في قصّة ذلك العبد الصالح مع النبي موسى (عليه السلام) أنّ القرآن يحدّثنا بقوله تعالى: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَة اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً)( [200]).
فكان الجواب من العبد الصالح (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)( [201]). ففي الآية الكريمة دلالة واضحة على أنّ صلاح الآباء له آثار طيّبة على سعادة الابناء.
عن إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق (عليه السلام) يقول: «إنّ الله ليُصلح بصلاح الرجل المؤمن وُلده ووُلد وُلدِه، ويحفظه في دُوَيْرته ودُويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله» ثمّ ذكر الغلامين، فقال: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) ألم ترَ أنّ الله شكر صلاح أبويهما لهما»( [202]). وكذلك عن زرارة وحُمران، عن أبي جعفر الباقر وأبي عبدالله الصادق (عليهما السلام) قال: «يحفظ الاطفال بأعمال آبائهم، كما حفظ الله الغلامين بصلاح أبيهما»( [203]).
نظير هذه الآية قوله تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)( [204]) حيث لم «تؤمر الناس بالترحّم والترؤف ونحو ذلك، بل بالخشية واتقاء الله، وليس إلاّ أنّه تهديد بحلول ما أحلّوا بأيتام الناس، من إبطال حقوقهم وأكل مالهم ظلماً، بأيتام أنفسهم بعدهم، وارتداد المصائب التي أوردوها عليهم إلى ذريّتهم بعدهم»( [205]).
لا يقتصر الامر على الآثار الفردية للتقوى في الدنيا، بل أشار القرآن الكريم إلى الآثار الاجتماعية المترتّبة على التقوى في هذه النشأة، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْبَرَكَات مِنَ السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ)( [206])، أي أنّ أهل القرى لو آمنوا واتّقوا لفتح الله سبحانه بركات السماء من الامطار والثلوج والحرّ والبرد وغير ذلك، كلّ في موقعه وبالمقدار النافع منه، وبركات الارض من النبات والفواكه والامن وغيرها، وهذا خير دليل على أنّ افتتاح أبواب البركات مسبّب لايمان أهل القرى جميعاً وتقواهم، أي أنّ ذلك من آثار إيمان النوع الانساني وتقواه»( [207]).
نظير هذه الآية قوله تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاََسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً)( [208])، «والمراد بالطريقة: طريقة الاسلام،والاستقامة عليها: لزومها والثبات عليها، على ما تقتضيه من الايمان بالله وآياته. والماء الغدق: الكثير منه.
ولا يبعد أن يستفاد من السياق أنّ قوله «لاسقيناهم ماءً غدقاً» مثل اُريد به التوسعة في الرزق، ويؤيّده قوله تعالى بعد هذه الآية: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ)( [209]). فيكون معنى الآية «وأنّه لو استقاموا» أي الجن والانس على طريقة الاسلام لله، لرزقناهم رزقاً كثيراً لنمتّعهم في رزقهم»( [210]).
أجل، يبقى الكلام في معرفة كيف أنّ الاستقامة على طريقة الاسلام وهداه، تكون سبباً لفتح بركات السماء والارض على الانسان، وما هي العلاقة القائمة بين الايمان والتقوى وبين الرزق الكثير الوافر. وهذا ما نحاول الوقوف عليه، عند عرض الآثار السلبية للفجور في هذه النشأة، حيث سيتبيّن أنّ من الحقائق الناصعة التي أكّدها القرآن الكريم، أنّ أساس نزول النعم والنقم على الانسان، إنّما تدور مدار تقواه وفجوره.
شاهد أيضاً
اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم
11- « يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن ...