قيما يبدو أنه يمكن اطلاق تسمية “سنة الفضائح” علي السنة الحالية حيث تتوالى منذ أشهر الفضائح السياسية و المالية على الرأي العام العالمي . . تبقى حجم الفضيحة التي حملتها الغارديان البريطانية ، مهمةً لأسبابٍ عديدة ، حيث كشف تقريرٌ نشرته الصحيفة أن الحكومة البريطانية تُدير مكتباً إعلامياً لما تعتبره المعارضة السورية ، من خلال متعاقدين معها يخفون صلة الحكومة بها في حرب دعائية ضد تنظيم داعش الإرهابي.
ویقوم المکتب الصحفی لمسلحی المعارضة ، یقوم بمساعدة الحکومة البریطانیة بحسب الصحیفة، على شن حرب معلومات فی سوریا، من خلال تمویل الحملات الإعلامیة لبعض مجموعات الثوار بحسب ما یزعم البریطانیون.
وتظهر وثائق التعاقد التی اطلعت علیها صحیفة “الغاردیان” أن الحکومة عرضت المشروع باعتباره وسیلة للحفاظ على موطئ قدمٍ لها فی سوریا، إلى أن یکون هناک تدخل عسکری بریطانی. وقد أنفقت الحکومة البریطانیة على هؤلاء المتعاقدین من خلال ما سُمی “صندوق الصراع للإستقرار” حوالی 2.4 ملیون جنیة استرلینی. کما یعملون بمساعدة شبکةٍ فی اسطنبول، على تقدیم الإتصالات الإستراتیجیة والحملات الإعلامیة لدعم ما یُسمى بالمعارضة السوریة المسلحة المعتدلة.
وقال مصدر بریطانی مطلع على ملف التعاقد إن الحکومة تدیر أساسا ما یُعرف بـ “المکتب الصحفی للجیش السوری الحر”. وقد تولى “ریجستر لارکن” ، لفترة وجیزة ، متابعة مشروع التعاقد لدعم المعارضة المسلحة المعتدلة، وهو مستشار فی الإتصالات الدولیة، وکان یُشرف علیه عقیدٌ سابقٌ فی الجیش البریطانی، والذی کان یعمل أیضاً کخبیرٍ فی الإتصالات الإستراتیجیة فی وزارة الدفاع.
وحول الهدف من الحملة، أشارت الصحیفة الى أنها تهدف إلى تعزیز سمعة ما تسمیه الحکومة “المعارضة المسلحة المعتدلة”، والذی تصف علاقتها به، بأنه تحالف معقد ومُتغیر من الفصائل المسلحة. وأفاد التقریر بأن البت فی أی الفصائل تستحق الدعم أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر بالنسبة للحکومة البریطانیة، لأن جماعات کثیرة أصبحت تمیل، وعلى نحو متزاید، إلى التطرف خلال سنوات الحرب الخمس. وینتج المتعاقدون المستأجرون من وزارة الخارجیة، ولکن تحت إشراف وزارة الدفاع، أشرطة الفیدیو والصور والتقاریر العسکریة والبث الإذاعی، ویطبعون المشارکات فی وسائل الإعلام الإجتماعیة بشعارات تحت مُسمى مجموعات الثوار، ویدیرون بشکل فعَّال المکتب الصحفی لمقاتلی المعارضة. وتعمم المواد فی الإعلام العربی المرئی والمسموع وتنشر على الإنترنت مع إخفاء أی دلیل على تورط الحکومة البریطانیة.
ثم تستدرک الصحیفة قائلة إن أسالیب “وحدة البحث والمعلومات والإتصال”، التی تخفی دور مشارکة الحکومة فی هذه الحملة، قد تصیب بعض المسلمین بالصدمة وقد تقوِّض الثقة فی برنامج مکافحة التشدد أو التطرف، الذی یواجه بالفعل انتقادات واسعة. وتهتم بمسألة الدعایة السیاسیة شرکة اتصالات غیر حکومیة تُدعى “بریک ثرو میدیا نتوورک” (breakthroughmedia)، التی أنتجت عشرات المواقع على الإنترنت والمنشورات وتسجیلات الفیدیو وصفحات الفیسبوک والتویتر. وکشفت الصحیفة أن جهود الدعایة فی بریطانیا لمصلحة المعارضة السوریة المسلحة، بدأت بعد فشل الحکومة فی إقناع البرلمان بدعم العمل العسکری ضد الرئیس السوری بشار الأسد. حیث أنه فی خریف عام 2013، شرَعت بریطانیا سراً فی العمل على التأثیر فی مسار الحرب من خلال وضع تصورات لمقاتلی المعارضة.
و اذ لابد من الوقوف عند الفضیحة کحدث ، لا یمکن التغاضی عن الدلائل الهامة لها وهنا یمکن ذکر التالی :
تُشکِّل الفضیحة دلیلاً یُدین الحکومة البریطانیة ، لا سیما فی ظل إدعائها مکافحة الإرهاب والتطرف فی التعاطی مع الملف السوری. وهنا فإن الإنتقادات التی تطالها (کما أشارت الصحیفة أیضاً)، تأتی لتُثبت أحقیتها فضیحة الغاردیان. ولأننا لسنا فی وارد الحکم، یکفی أن نقول بأن الأطراف البریطانیة المعنیة مُطالبة بتقدیم توضیحٍ حول الإدعاءات، والتی لا تُعتبر بعیدةً عن الممارسات الغربیة تجاه دول المنطقة، لکنها تتناقض مع السیاسة التی تروِّج لها بریطانیا.
ولأن الخلاف بین الأطراف فی بریطانیا یأخذ مرحلةً کبیرة من الشرخ ، فیمکن وضع ما یجری فی خانة الفضائح التی أنتجتها الخلافات بین المحافظین والیساریین فی بریطانیا، لا سیما بعد أن سارعت أطرافٌ محافظة ومؤیدة لکامیرون، وتتناغم مع المصلحة الأمریکیة، الى التخطیط لحملةٍ تطال الیساریین لا سیما حزب العمال البریطانی. الأمر الذی یوضح أیضاً بأن الأزمة السوریة أصبحت محلَّ خلافٍ داخلیٍ بریطانی.
ومن بین الأمور التی یجب الوقوف عندها ، هو العمل على تبیین حجم زیف الإدعاءات الرسمیة البریطانیة خصوصاً والغربیة الأمریکیة عموماً، لما یخدم فی ذلک مصلحة الشعوب الغربیة ولیس فقط شعوب المنطقة. فالإرهاب الذی یضرب العواصم الغربیة، لیس إلا صنیعة هذه الشرکات المُتعددة الجنسیات، والتی یعمل فیها مأجورون یخدمون الأهداف الإرهابیة، على قیاس المجموعات الإرهابیة، ویحملون نفس أهدافهم.
من هنا، یمکن القول بأن الغرب یُثبت مرةً أخرى ، أنه لیس سوى أداةٍ رخیصة تعمل لصالح السیاسة الأمریکیة، ولو تعارض ذلک مع مصالح الشعوب الأوروبیة، ناهیک عن الإمعان فی ضرب مصالح العالم الإسلامی والعربی. وهو ما یطرح الکثیر من التساؤلات، حول الکثیر من الخطوات الغامضة، الحالیة والمستقبلیة والتی تتخذها هذه الدول تجاه الشعوب.
لقد أصبحت بریطانیا مثالاً للحاضر الداعم للإرهاب، بعد أن دخلت التاریخ من بوابة دعمها للإرهاب وصوغها لسبل صناعته. فیما یشهد العالم بأسره، حالةً من الوعی یمکن الرهان علیها، فی تحدید الشعوب لمصالحها. لتکون الفضیحة الجدیدة، داعمةً لکل ما صاغه الغرب لمنطقتنا ولشعوبه على مرِّ السنین الطوال. فیما یمکن اختصار الإرهاب الغربی بالفضیحة التی نقلتها الغاردیان وهزَّت بریطانیا والعالم، والتی تتمحور حول قصة إدارة الحکومة مکتباً لمسلحی المعارضة فی سوریا.