الرئيسية / من / الشعر والادب / مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحى مفقر العرصات

مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحى مفقر العرصات

دعبل والمديح :
لعل ابرز ما يوقفنا في هذا المجال القصيدة التائية المشهورة في أهل البيت عليهم
السلام التي قال عنها أبو الفرج في أغانيه ( 2 ) : ” من أحسن الشعر وفاخر
المدائح المقولة في أهل البيت عليهم السلام وقصد بها ابا الحسن على بن موسى
الرضا عليهم السلام ” .
ولهذه القصيدة أهمية كبرى من الناحية الأدبية والسياسية وبروز ولائه لأهل
البيت في خضم الاحداث التي كانت تدور في تلك الحقبة والويلات التي أصابت أهل
البيت عليهم السلام .

 
ولهذه القصيدة قصة معروفة ذكرها جميع العلماء والمترجمين وهنا نذكر ما قاله
علامة السيد محسن الأمين في أعيانه نقلا عن الأغاني ( 1 ) :
قصد دعبل بهذه القصيدة ابا الحسن على بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان فأعطاه
عشرة آلاف درهم من الدراهم المضروبة باسمه وخلع عليه خلعة من ثيابه فأعطاه بها
أهل قم ثلاثين الف درهم فلم يبعها فقطعوا عليه الطريق فاخذوها فقال لهم انها
انما تراد لله عز وجل وهى محرمة عليكم فدفعوا له ثلاثين الف درهم فحلف ان لا
يبيعها أو يعطوه بعضها ليكون في كفنه وفأعطوه فرد فكم كان في أكفانه . وفى رجال
الكشي قال أبو عمرو ( الكشي ) بلغني ان دعبل بن على وفد على أبى الحسن الرضا عليه
السلام بخراسان فلما دخل عليه قال انى قد قلت قصيدة وجعلت في نفسي ان لا
أنشدها احاا أولى منك فقال هاتها فأنشد قصيدته التي يقول فيها :

 
* ألم ترني مذ ثلاثين حجة
أروح واغدوا دائم الحسرات
* أرى فيأهم في غيرهم متقسما
وأيديهم من فيئهم صفرات
فلما فرغ من انشادها قام أبو الحسن عليه السلام ودخل منزله وبعث اليه بخرقة
فيها ستمائة دينار وقال للجارية قولي له يقول لك مولاي استعن بهذه على سفرك و
اعذرنا فقال دعبل لا والله ما هذا أردت ولا له خرجت ولكن قولي له
هب لي ثوبا من ثيابك فردها عليه أبو الحسن عليه السلام وقال له خذها وبعث
اليه بجبة من
ثيابه فخرج دعبل حتى ورد قما فنظروا إلى الجبة فأعطوه بها ألف دينار فأبى عليهم
وقال لا والله ولا خرقة منها بألف دينار ثم خرج من قم فاتبعوه وقد جمعوا
عليه وأخذوا الجبة فرجع إلى قم وكلمهم فيها فقالوا ليس إليها سبيل ولكن ان
شئت فهذه الف دينار وخرقة منها . وروى الصدوق في العيون في هذا الخبر بوجه
ابسط فروى بسنده عن عبد الله بن السلام بن صالح الهروي قال : دخل دعبل بن على
خزاعي على أبى الحسن على بن موسى الرضا عليه السلام بمرو فقال يا ابن رسول
الله إني قد قلت فيكم قصيدة واليت على نفسي ان لا انشدها أحدا قبلك فقال (
مدارس آيات ) البيت فلما بلغ إلى قوله ( أرى فيأهم ) البيت بكى أبو الحسن و
قال صدقت يا خزاعي فلما بلغ إلى قوله :

 
* إذا وتروا مدوا إلى واتريهم
أكفا عن الأوتار منقبضات
جعل أبو الحسن يقلب كفيه ويقول أجل والله منقبضات فلما بلغ إلى قوله :
* لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها
وانى لأرجوا الا من بعد وفاتي
قال الرضا عليه السلام آمنك الله يوم الفزع الأكبر فلما وصل إلى قوله :
* وقبر ببغداد لنفس زكية
تضمنها الرحمن في الغرفات
قال الرضا عليه السلام أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك قال
بلى فقال عليه السلام :
* وقبر بطوس يا لها من مصيبة
توقد في الأحشاء بالحرقات
* إلى الحشر حتى يبعث الله قائما
يفرج عنا الهم والكربات
ثم نهض الرضا عليه السلام بعد فراغ دعبل من انشاد القصيدة وأمره ان لا يبرح من
موضعه فدخل الدار ثم خرج الخادم اليه بمائة دينار رضوية فقال له يقول لك مولاي
اجعلها في نفقتك فقال دعبل والله ما لهذا جئت ولا قلت هذه

 

القصيدة طمعا في شئ يصل إلى ورد الصرة وسأل ثوبا من ثياب الرضا عليه السلام
ليتبرك ويتشرف به فانفذ اليه الرضا جبة خز مع الصرة وقال له الخادم خذ هذه
الصرة فأنت ستحتاج إليها ولا ترجعنى فيها فأخذ الصرة والجبة وسار من مرو في
قافلة فلما بلغ ميات قوهان وقع عليهم اللصوص فأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا
أهلها ومعهم دعبل وجعلوا يقتسمون السلب فتمثل أحدهم بقول دعبل ( أرى فيأهم )
البيت فقال له دعبل لمن هذا البيت قال لرجل من خزاعة اسمه دعبل فقال انا قائل
هذه القصيدة التي منها هذا البيت فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلى على رآس
تل وكان من الشيعة فأخبره فجاء وأطلق دعبلا ومن معه واستنشده القصيدة فأنشدها

 
ورد عليهم ما اخذ منهم كرامة لدعبل وسار دعبل حتى اتى قم فسألوه ان ينشدهم
القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع فاجتمعوا وصعد المنبر فأنشدهم
القصيدة فوصلوه من المال والخلع بشئ كثير واتصل بهم خبر الجبة فجرى له معهم
ما مري عن الكشي وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في
منزله فباع المائة دينار التي كان وصله بها الرضا من الشيعة كل دينار بمائة درهم
( وانما قيمته عشرة دراهم ) فذكر قول الرضا عليه السلام انك ستحتاج إليها اه .
وفى الأغاني بسنده عن موسى بن عيسى المروزي وكان منزله بالكوفة : سمعت دعبل بن
على وأنا صبي يتحدث في مسجد المروزية قال دخلت على على بن موسى الرضا عليه
السلام فقال لي انشدني شئ مما أحدثت فأنشدته :

 
* مدارس آيات خلت من تلاوة
السلام فقال لي انشدني شيئا مما أحدثت فأنشدته :
* مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحى مفقر العرصات
حتى انتهيت إلى قولي :
* إذا وتروا مدوا إلى واتريهم
أكفا عن الأوتار منقبضات
فبكى حتى أغمي عليه وأومأ إلى خادم كان على رأسه أن أسكت فسكت ساعة ثم قال لي
أعد فأعدت حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضا فأصابه مثل ما أصابه في المرة الأولى
وأومأ الخادم إلى أن اسكت فسكت فمكثت ساعة أخرى ثم قال لي أعد فأعدت حتى
انتهيت إلى آخرها فقال لي أحسنت ثلاث
مرات ثم امر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه ولم تكن وقعت إلى أحد وأمر
لي في من منزله بحلى كثيرا أخرجه إلى الخادم فقدمت العراق فبعت كل درهم منها
بعشرة دراهم اشتراها منى الشيعة فحصل لي ماءة ألف درهم فكان أول مال استفدته .
قال أبو الفرج وحدثني حذيفة بن محمد ان دعبلا قال له انه استوهب من الرضا عليه
السلام ثوبا قد لبسه ليجعله في أكفانه فخلع جبة كانت عليه فأعطاه إياها وبلغ
أهل قم خبرها فسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم فلم يفعل فخرجوا عليه في
طريقه فأخذوها منه غصبا وقالوا له ان شئت أن تأخذ المال فافعل والا فأنت أعلم
فقال لهم انى والله لا أعطيكم إياها طوعا ولا تنغعكم غصبا وأشكوكم إلى الرضا
عليه السلام فصالحوه على أن أعطوه الثلاثين الألف الدرهم وفرد كم من بطانتها
فرضى بذلك اه .

 
وقد وقع بعض الاختلاف بين هذه الروايات ففي رواية المرزباني أن جائزة الرضا
كانت خمسين ألف درهم وفى رواية الأغاني أنها كانت عشرة آلاف درهم مما ضرب
باسمه وفى رواية الكشي آنها ستمائة دينار ولم يقيد بالرضوية وفى رواية
العيون أنها مائة دينار رضوية ويمكن الجمع بتفاوت الدراهم في ذلك العصر وأن
الرضوية كانت تزيد عن أعلى الدراهم المتعارفة وأما الاختلاف في التعبير بين
الدراهم والدنانير فبأن أحدهما يؤول إلى الآخر وأن الستمائة دينار لم تكن
رضوية والمائة دينار كانت رضوية كل واحد منها مقابل ستة والمبطنة والجبة لعل
معناها واحد . وفى خبر المرزباني والكشي انهم أعطوه بالمبطنة ألف دينار وفى
رواية الأغاني أنهم أعطوه بالخلعة ثلاثين ألف درهم ويمكن الجمع بأن الدنانير
الرضوية يعادل الواحد منها ثلاثة من غيرها والدينار المتعارف يعادل عشرة دراهم
وفى بعضها أنهم أعطوه البطانة وأخذوا الطهارة وفى بعضها أنهم اعطوه كما منها
وفى بعضها خرقة ويمكن الجمع بأنه صارت المقاومة أولا على شئ من ذلك ثم
اتفقوا على غيره اما التعبير بأن أهل قم قيعوا عليه اليريق فالمراد به بعضهم و
هم الأحداث كما صرح به في الخبر الآخر والى فأهل قم معدن التقوى في كل عصر و
فيهم العلماء ورواة الأخبار فلم يكونوا ليستحلوا أخذ الجبة من دعبل قهرا
ليتبركوا بها وأهل قم

شاهد أيضاً

السياسة المحورية ونهضة المشروع القرآني لتقويض المصالح الغربية العدائية

فتحي الذاري مأخذ دهاليز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط تتضمن الأهداف ...