ومن الآداب القلبية للصلاة وسائر العبادات وله نتائج حسنة بل هو موجب لفتح بعض الأبواب وكشف بعض أسرار العبادات ، أن يجتهد السالك في أن تكون عبادته عن نشاط وبهجة في قلبه وفرح وانبساط في خاطره ويحترز احترازا شديداً أن يأتي بالعبادة مع الكسل وأدبار النفس، فلا يكون لها تعب وفتور لأنه إذا حمل على النفس العبادة في حين الكسل والتعب ، يمكن أن تترتب عليه الآثار السيئة ومنها :
أن ينضجر الإنسان من العبادة ويزيد تكلفة وتعسفه ، ويوجب ذلك وبالتدريج تنفر طباع النفوس منها ، وهذا مضافاً إلى أنه من الممكن أن يصرف الإنسان بالكلية عن ذكر الحق ، ويؤذي الروح بالنسبة إلى مقام العبودية التي هي منشأ لجميع السعادات ينتج عنه إلا يحصل للعبادة بهذه الصفة نور في القلب ، ولا ينفعل باطن النفس منها ولا تصير صورة العبودية صورة باطنية للقلب ، وقد ذكرنا من قبل أن المطلوب في العبادات هو صيرورة باطن النفس صورة عبودية .
والآن نقول :
إن من أسرار العبادات والرياضيات ونتائجهما أن تكون إرادة النفس في ملك البدن نافذة وتكون دولة النفس منقهرة ومضمحلة في كبريائها وتتملك الإرادة القوى المنبثّة والجنود المنتشرة في ملك البدن وتمنعها عن العصيان والتمرد والأنانية والاستقلال وتكون القوى مسلمة لملكوت القلب وباطنه ، بل تصير القوى بالتدريج فانية في الملكوت . ويجرى أمر الملكوت في الملك وينفذ فيه وتقوى إرادة النفس وتخلع اليد عن الشيطان والنفس الأمارة في المملكة وتساق جنود النفس من الإيمان إلى التسليم ومن التسليم إلى الرضا ومن الرضا إلى الفناء . وفي هذه الحالة تجد النفس رائحة من أسرار العبادة ، ويحصل لها شيء من التجليات الفعلية وما ذكرنا لا يتحقق إلا بأن تكون العبادة عن نشاط وبهجة ويحترز فيها من التكلف والتعسف والكسل احترازا تامّا كي تحصل للعابد حالة المحبة والعشق لذكر الحق ولمقام العبودية ويحصل له الأنس والتمكن .
وان الأنس بالحق وبذكره من أعظم المهمات ولأهل المعرفة بها عناية شديدة وفيها المتنافسون من أصحاب السير والسلوك ، وكما أن الأطباء يعتقدون بأن الطعام إذا أكل بالسرور والبهجة يكون أسرع في الهضم ، كذلك يقتضي الطب الروحاني بأن الإنسان إذا تغذى بالأغذية الروحانية بالبهجة والاشتياق محترزا من الكسل والتكلف يكون ظهور آثارها في القلب وتصفية باطن القلب بها أسرع .
وقد أشير إلى الأدب في الكتاب الكريم الإلهي والصحيفة القويمة الربوبية حيث يقول في مقام تكذيب الكفار والمنافقين : { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ، ولا ينفقون إلا وهم كارهون} ( التوبة 45 .) . وقد فسرت آية { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} ( النساء 43)
في حديث بأن المراد من سكارى كسالى ،
وأشير في الروايات إلى هذا الأدب ونحن نذكر بعضا منها كي تفخر هذه الأوراق به .
محمد بن يعقوب ( هو الشيخ الأجل قدوة الأنام وملاذ المحدثين العظام ومروّج المذهب في غيبة الإمام عليه السلام أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي الملقب ثقة الإسلام ألّف الكافي الذي هو من أجلّ الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامة والذي لم يعمل للإمامة مثله . ألّفه في العشرين سنة ومات قدس الله سره ببغداد سنة 329 ( شكط ) وصلّى عليه محمد بن جعفر الحسني ابو قيراط ودفن بباب الكوفة.)