الدكتور بهيج سكاكيني
مشاركة لواء القدس الفلسطيني المكون بأغلبيته من أبناء مخيم حندرات الذين هجروا من المخيم منذ سنوات بالإضافة الى مخيم النيرب في حلب للقتال الى جانب الجيش العربي السوري له دلالات كبيرة ضمن الواقع الذي تمر به القضية الفلسطينية ومحاولات تصفية المخيمات وخاصة في سوريا لان هذه المخيمات هي الحاضنة المتجذرة لحق العودة التي تسعى العديد من دول النظام الرسمي العربي وأطراف فلسطينية تغيبه تحت شعارات ومسميات ومخططات مشبوهة بالتنسيق والتعاون السري والعلني مع الكيان الصهيوني وحرف الصراع مع العدو التاريخي للشعب العربي والفلسطيني الى صراعات طائفية ومذهبية.
وليس مصادفة أن يذكر مجرم الحرب نتنياهو من على المنابر الأممية بين الحين والآخر وفي العديد من مقابلاته الصحفية والتلفزيونية أن هنالك عدد من الدول العربية لم تعد ترى في إسرائيل دولة عدوة وأنها تنسق معها ضد إيران. هذه العلاقة لم تعد خافية على أحد ولكنها لا تقتصر على الجانب السياسي فقط بل تتعداه الى الجانب الاعلامي والاقتصادي والدبلوماسي والأمني والعسكري أيضا.
ولن نستبعد انه في مرحلة زمنية ليست بالبعيدة أن تظهر عمق هذه العلاقات على العلن فقد وصلنا الى مرحلة في المنطقة يزداد بها يوما بعد يوم الاستقطاب والفرز السياسي في المنطقة الى مرحلة القطيعة التامة بين محورين لا يمكنهما التلاقي ولو بنقطة واحدة، ومضى والى الابد مرحلة المجاملات السياسية والدبلوماسية التي كانت السمة التي طبعت وميزت حقبة من الزمن ولا نبالغ ان قلنا منذ تأسيس جامعة الدول العربية.
تأتي المشاركة الميدانية القتالية الى جانب الجيش العربي السوري في تحرير المخيم في حلب لتؤكد القناعة السياسية لدى أطراف فلسطينية عديدة على أن المعركة والعدوان الكوني الذي يشن على الأرض السورية لا يستهدف فقط الدولة السورية جيشا وشعبا وقيادة بما تشكله سوريا بكونها ركيزة أساسية وصخرة صلبة تقف حائلا ضد المخططات الامريكية والصهيونية في المنطقة وفي مقدمتها تصفية القضية الفلسطينية.
ومن هنا فأن الاشتراك العملي على الأرض الى جانب الجيش العربي السوري جاء ليؤكد حقيقة حاول البعض تغيبها الا وهي وحدة الدم ووحدة المصير. جاءت المشاركة لتؤكد الموقف الفلسطيني الشعبي بأغلبيته في داخل فلسطين المحتلة كما في خارجها المتلاحم مع الدولة السورية ووقوفه الى جانب الثالوث المقدس سوريا الشعب والجيش والقيادة في حربها ضد الارهاب والمخططات الصهيو-أمريكية للمنطقة. هذا الموقف الذي تم تشويهه من خلال حفنة من الذين تنكروا لما قدمه الوطن السوري للقضية الفلسطينية واحتضانه للفصائل الفلسطينية والمقاومة بكل أطيافها على أرضه.
كما وتم التشويش والتشكيك من قبل البعض الاخر المتنفذ والمستأثر في صنع القرار الفلسطيني والذي آثر بسياسة “النأي بالنفس” ووقف حائلا أمام الوقوف ضد التكفيريين الإرهابيين الذين عاثوا في المخيم فسادا وتدميرا واجبروا أهله على ترك المخيم وذلك لان هؤلاء التكفيريين لهم ارتباطات بدول إقليمية لم تقوى السلطة الفلسطينية على الوقوف بوجهها وهو ما انعكس سلبا على توحيد الصفوف للدفاع عن المخيم.
وانبرت وسائل الاعلام المغرضة لتحميل الدولة السورية مسؤولية الدمار الذي حل بمخيم اليرموك متناسية أن الإرهابيين انما هم أدوات تحرك من قبل مشغليها اقليميين كانوا أم دوليين تعمل لصالح تفكيك المنطقة الى جزر أرخبيل متنافرة ومتصارعة فيما بينها بعد تدمير قدرات الدول الوطنية على جميع الأصعدة حتى يتسنى بسط النفوذ والهيمنة الأميركية على المنطقة وضمان أمن الكيان الصهيوني وانهاء القضية الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة.
وإذا لم يكن هذا الكلام صحيحا فلماذا أقحمت المخيمات من قبل المجموعات الإرهابية في الصراع القائم على الأرض السورية وشرد ساكنيها؟ ولماذا وقفت بعض الدول الإقليمية ضد اية اتفاقية من ِشأنها أن تجنب المخيم من الكوارث والدمار؟
ولماذا نشط البعض منهم ومن خلال عناصر مشبوهة لعرض هجرة بعض سكان المخيم الى الدول الغربية ودفع ثمن التذاكر لهم؟ ولماذا لم نرى أي بيان أو عملية واحدة ضد الكيان الصهيوني وهم على بعد أمتار من الحدود مع دولة هذا الكيان الغاصب؟ ولماذا لم نرى النخوة والمرجلة للذهاب لتحرير القدس والدفاع عن الأقصى؟
ولماذا والف لماذا… مشاركة أبناء المخيم من الفلسطينيين في محاولة دحر الإرهابيين واسترجاع المخيم جنبا الى جنب مع رجال الجيش العربي السوري مما لا شك فيه انها تشكل أسبقية وخاصة وأن لواء القدس لا يتبع أي فصيل بالتحديد ومن المتوقع أن ينضم اليهم أبناء المخيمات الأخرى.
ولقد ظهرت بعض الأصوات التي تنادي اذا كان هذا ما يجرى لمخيم حندرات فما الذي يمنع أن تتكرر التجربة لمخيم اليرموك على سبيل المثال. ليس من مصلحة الشعب الفلسطيني ولا فصائله أن تبقى على الحياد في هذا الصراع الدائر على الأرض السورية، لأنه كما ذكرنا سابقا أن المستهدف أكبر بكثير من سوريا ويمتد ليشمل ويعم المنطقة بأكملها ونحن لا نعيش على كوكب آخر. وتجربة حندرات التي قاتل فيه فلسطينيون تحت مظلة الدولة السورية يمكنها أن تتكرر لتعم مخيمات أخرى.