منذ يومين، أعلن قائد المنطقة البحرية الأولى في الجيش الإيراني الأدميرال حسين آزاد عن بدء إجراء مناورات بحرية مشتركة بين السفينة الحربية الإيطالية “يورو” وسفينتين بحريتين إيرانيتين في الخليج الفارسي وبحر عمان وذلك بهدف تجسید روح السلام والصداقة عبر العملیات البحریة المشترکة بین دول العالم. وهو الأمر الذي شكَّل حدثاً على الصعيدين الإقليمي والدولي. فماذا في التعاون الحالي بين إيران وإيطاليا؟ وكيف يمكن اختصار تاريخ العلاقة بين الطرفين؟ وما هي دلالات ذلك؟
التعاون الأمني والعسكري الحالي
على هامش مائدة العشاء لكادر السفينة الإيطالية على متن مدمرة جماران في سواحل ميناء بندر عباس جنوب ايران، أكد قائد المنطقة البحرية الأولى في الجيش الإيراني الأدميرال حسين آزاد بأن المدمرة “يورو” وصلت الى المنطقة البحرية الأولى للجيش ورست فيها منذ السبت الماضي. ومن ثم حصل لقاء جمع الطرفين بالإضافة الى السفير الإيطالي في إيران. ولفت الى أن هذه المناورة ستجري في المياه الحرة والدولية وفي سياق الإرتقاء بالقدرات القتالية وتبادل المعلومات والخبرات بين بحريتي إيران وإيطاليا. ونوه الى أن الإيطاليين ابدوا دهشتهم من القدرات العسكرية الايرانية وعزموا على تعزيز علاقاتهم السياسية مع ايران على الصعيد الدولي حين لمسوا قوة ايران في المياه الحرة. كما أُقيمت مناورات بحرية مشتركة بمشاركة مدمرتين إيرانيتين هما “الوند” و”البرز” ومروحيتين إيرانية وإيطالية. بدوره عبَّر قائد سفینة “یورو” الإیطالیة العقید “ماکسی میلیانو الوتو” عن شکره واشادته لحسن استضافة القوات البحریة الإیرانیة لطاقم السفینة.
وحول أهمية التعاون المشترك أشار آزاد، الى أن القوات البحریة الإیطالیة کسرت الحواجز بتواجدها فی المیاه الإيرانية، من بین القوات البحریة للدول الاوروبیة. وأضاف الأدمیرال آزاد الى أنها ليست المرة الأولى التي يحصل فيها تعاون مشترك بين البلدين، حيث أن المنطقة البحریة الأولی استضافت قبل سنوات سفینة “یورو”. في حين أُبرمت أول مذکرة تفاهم للتعاون السیاسي والإقتصادي فی العالم، بین إیران وإیطالیا فی العقد الخمسین المیلادي وهو ما یؤکد متانة الأواصر بین الشعبین الإیراني والإیطالي. في حين أعلن آزاد عن بدء التعاون وتبادل الزمالات الدراسیة فی المجالات العسکریة والعلمیة والتدریبیة بین الضباط الإیرانیین والإیطالیین.
إيطاليا وتاريخٌ من العلاقة المميزة مع إيران
كانت وما تزال العلاقة بين إيران وإيطاليا، متميزة على الصعيد الدولي. وهنا يمكن إيجاز تاريخ هذه العلاقة بأهم محطاتها عبر التالي:
– للمرة الأولى بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، وفي آذار من العام 1999، كانت الزيارة التاريخية للرئيس محمد خاتمي والتي فتحت ملف علاقة الغرب بإيران من جديد.
– في منتصف التسعينيات وتحديداً عام 1996، أثمرت علاقات روما – طهران الدبلوماسية، لمبادرة “الحوار النقدي” والتي تبناها رئيس الوزراء “لامبيرتو ديني” والذي سارع لزيارة طهران بعد عامين عندما أصبح وزيراً للخارجية الإيطالية، لتكون أول زيارة على هذا المستوى لمسؤول حكومي أوروبي الى إيران.
– ورغم الفتور الذي حل بالعلاقات الأوروبية الإيرانية مع بروز معضلة الملف النووي، فإن العلاقات الإقتصادية والتجارية بين إيران وإيطاليا لم تتوقف، حيث ساهمت الشركات الإيطالية بتوقيع اتفاقيات تعاون ترتبط في مشروعات البنية التحتية الكبرى في إيران وتحديداً مرفأ بندر عباس.
– وبالرغم من أن إيطاليا لم تكن ضمن مجموعة 5+1 المعنية بالمفاوضات الغربية مع إيران، إلا أن روما أبقت أبواب الحوار مع طهران مفتوحة ودعمت الخيارات الإيرانية فيما يخص ملفها النووي، حيث قامت بعد انتخاب الرئيس روحاني بدورٍ نشيط في تسهيل المفاوضات بين طهران والعواصم الغربية خصوصاً عندما بادرت الى استقبال وزير الخارجية محمد جواد ظريف في 19 تشرين ثاني 2013. وهو ما دفع طهران لإحترام الإنفتاح الإيطالي عبر إشراكها بمختلف مراحل المفاوضات من خلال مشاورات سياسية ودبلوماسية.
– خلال شهر كانون أول من العام 2013، قامت وزيرة الخارجية الإيطالية “إيما بونينو” بزيارة لطهران بهدف دعوتها العالم لإشراك إيران في مساعي حل الأزمة السورية وذلك إعترافاً منها بأهمية الدور الفاعل لإيران في حل القضايا الإقليمية والدولية.
العلاقات الإقتصادية جانبٌ آخر من التميُّز
الى جانب العلاقات السياسية بين البلدين، تقف بقوة المصالح التجارية والإقتصادية، حيث هدفت إيطاليا من خلال علاقتها بإيران، الى إعادة الإعتبار للمصالح المشتركة، وتعويض خسائر تراجع العلاقات نتيجة الضغوطات الغربية. وهو ما برز من خلال تطور العلاقة بين البلدين لا سيما بعد الإتفاق النووي. وكان من أهم الأمثلة على ذلك، السلوك الإيطالي تجاه إيران لا سيما بعد توقيع الإتفاق النووي، حيث سارع وزير الخارجية الإيطالي “باولو جينتيلوني” برفقة وزيرة التنمية “فيديركا غويدي” لزيارة طهران خلال شهر آب من العام 2015، برفقة وفدٍ كبير ضم رؤساء المؤسسات المالية والإتحادات المهنية من مختلف القطاعات والشركات الإيطالية الكبرى. فيما كان من نتائج الزيارة أن أثمرت توقيع عددٍ من الإتفاقيات والتفاهمات الإئتمانية المالية والإستثمارية كأول دولة أوروبية تسعى للتعاون مع إيران بعد توقيع الإتفاق النووي.
المصالح المشتركة بين البلدين: تحليل ودلالات
شكلت العلاقة بين البلدين محور آفاق التعاون المشترك، وهنا لا بد من الإشارة للتالي:
أولاً: تعتبر العلاقة بين البلدين مميزة، فيما يوجد مصالح مشتركة حيث سعت إيطاليا للإنفتاح على إيران وهو ما شكَّل سلوكاً متميزاً عن سلوك الدول الغربية الأخرى. فيما دلت الأرقام على ذلك، حيث بلغ اجمالي حجم التبادل التجاري بين ايطاليا وايران في النصف الأول من عام 2015 ما يُقارب 410 ملايين يورو. كما شكلت الصادرات الإيطالية لإيران نحو 275 مليون يورو مقابل واردات من إيران بلغت 130 مليون يورو. في حين تحدثت التقارير الإقتصادية بين البلدين عن وجود نية لرفع التبادل الى حدود 3 مليارات دولار أمريكي في المستقبل.
ثانياً: لا شك أن لإيطاليا مصلحة في تحسين علاقتها مع إيران. خصوصاً في ظل اضطراب سوق الطاقة نتيجة انهيار سعر النفط وآثاره على الإقتصاد العالمي. وهو الأمر الذي يمكن لإيران أن تلعب دوراً كبيراً به. كما أنه يوجود مصلحة إيرانية في التعاون مع إيطاليا لتطوير البنية التحتية لقطاع الطاقة لديها. وهو ما أكده الرئيس المفوض لمجموعة (ايني) النفطية الإيطالية “كلاوديو ديسكالتسي” مع الإشارة الى أن مكاتب المجموعة لم تغادر إيران رغم العقوبات الغربية.
ثالثاً: يحظى ملف التعاون الإقتصادي والصناعي بالتحديد على مكانة محورية في التعاون بين البلدين. حيث جرى سابقاً توقيع العديد من الإتفاقيات والتي اهتمت بها إيطاليا كمشاريع استثمار دولية لها، في مجال الصناعات الإيرانية الضخمة في القطاعات النفطية والطاقة المتجددة والبنى التحتية الصناعية والصحية.
رابعاً: إن حذو دولة أوروبية كإيطاليا لنسج علاقاتٍ إستراتيجية مع إيران، يبيِّن أهمية تعاظم الدور الإيراني على الصعد كافة ومنها العسكرية والأمنية. وهو ما يتعلق بالتغيرات الحاصلة في المنطقة والعالم، وسياسة إيران الدولية القائمة على احترام الأطراف الأخرى وعدم التدخل في شؤونها الخاصة.
إذن شكَّل التعاون بين إيطاليا وإيران، نموذجاً للتميز الغربي تجاه طهران. علاقة لا تخلو من المصالح لكنها قائمة على الإحترام المتبادل وتقدير دور إيران المحوري في المنطقة والعالم. فيما يُعتبر التعاون العسكري الأخير بين إيطاليا وإيران، فصلاً من مسلسل العلاقات التاريخية بين البلدين.