الأمر الثاني
شرعية الحجة
هناك عدة احتجاجات وردت في القرآن الكريم قد أثبتها الله تبارك وتعالى لنبيه
محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولأنبيائه المرسلين من الأولين والآخرين لكي يحتجوا بها على الناس
المشككين أو الناكرين للرسالة أو النبوة أو النبي ومعاجزه وكراماته ، ولقد بين الله
تعالى في كتابه الشريف بعض الآيات التي نستفيد من خلالها أن الله تعالى يحتج يوم
القيامة بالأنبياء على الناس وهذا ما ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى * ( إنا
أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده . . . إلى قوله تعالى . . . رسلا
مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا
حكيما ) * ( 1 ) . ومن جهة أخرى ورد في القرآن الكريم بعض الاحتجاجات بين
الكافرين في ما بينهم في النار حيث جاء قوله تعالى * ( وإذ يتحاجون في النار فيقول
الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبنا من النار ) * ( 2 ) .
وكذلك نجد قوله تعالى * ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع
أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساؤكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على
القوم الكافرين ) * ( 1 ) . جاء ليؤكد حقيقة النصارى وطلبهم من الرسول الاحتجاج
حول مسألة عيسى ابن مريم وكيف واجههم الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقضية المباهلة التي
خسروا فيها والقي ما في أيديهم من الحجة التي كانوا يحتجون بها على الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وكثيرة هي الاحتجاجات الموجودة في القرآن الكريم والتي جاءت بعضها لكي تثبت
إعجاز القرآن الكريم وأخرى لتبين احتجاجات إبراهيم مع قومه وأخرى تثبت
احتجاجات الرسول مع قومه وهكذا لئلا يكون للناس على الرسول المرسل الحجة
البالغة ، ولذا نجد أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) يقول في معرض بيان أن العباد لا بد لهم أن
يتعظوا وينتفعوا بحجج الله تعالى فإنه لا ينفع أي شئ يوم القيامة إلا الإيمان المقرون
بالولاية والعمل الصالح :
” انتفعوا ببيان الله واتعظوا بمواعظ الله واقبلوا نصيحة الله فإن الله قد أعذر إليكم
بالجلية وأخذ عليكم الحجة وبين لكم محابه من الأعمال ومكاره منها لتبتغوا هذه
وتجتنبوا هذه ” .
ويعني هذا أن العباد لا بد لهم من الانتفاع من العلم المقرون بالعمل الصالح وإلا العلم
وحده ليس فيه فائدة ولا بد للعباد أن يستفيدوا من المواعظ ليتعظوا بها في مقام
العمل ، ومع ذلك نجد في كثير من الروايات الشريفة مسألة الاحتجاج البالغ من الله
تعالى حيث سئل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن قوله تعالى ” فلله الحجة البالغة ” فأجاب ( عليه السلام ) :
” قال إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى للعبد أكنت عالما ؟ فإن قال نعم . قال : أفلا
عملت بما علمت وإن قلت كنت جاهلا قال له : أفلا تعلمت ؟ فتلك الحجة البالغة لله
تعالى ” . وهنا ينقدح سؤال مهم قد يرد في ذهن الكثير من المؤمنين وهو هل كل
الناس يحتج عليهم الله تعالى يوم القيامة على ضوء هذا الحديث الشريف ؟ والجواب
على ذلك أنه ليس كل الناس يحتج عليهم الله تبارك وتعالى يوم القيامة بل هناك عنق
من الناس لا يسئلون ولا يحاسبون ومنهم المجنون الفاقد عقله ، أما الأطفال الذين لم
يبلغوا سن التكليف الشرعي وماتوا فإنهم يلحقون بآبائهم وعلى ما ورد في قوله تعالى
* ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بأيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم
من شئ ) * . حيث قال العلامة المجلسي حول هذه الآية المباركة :
” اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا في أن الأطفال المؤمنين يدخلون الجنة وذهب
المتكلمون منا إلى أن أطفال الكفار لا يدخلون النار فهم إما يدخلون الجنة أو
يسكنون الأعراف وذهب أكثر المحدثين منا إلى ما دلت عليه بعض الأخبار الصحيحة
من تكليفهم في القيامة بدخول النار المؤججة لهم ؟ فيكون من يستجيب يدخل الجنة
ومن لا يستجيب يدخل النار ” .
وعلى ضوء الاحتجاجات الواردة في الكتب المعتبرة روي أن هناك احتجاج لطيف
بين أمير المؤمنين وأحد اليهود حيث قال للإمام علي ( عليه السلام ) : ما صبرتم بعد نبيكم إلا
خمس وعشرين سنة حتى قتل بعضكم بعضا .
فقال له ( عليه السلام ) : بلى ولكن ما جف – جفت – أقدامكم من البحر حتى قلتم : يا موسى
اجعل لنا إلها كمالهم آلهة . وهناك الكثير من الاحتجاجات المهمة التي وردت في القرآن
الكريم وفي الكتب المعتبرة كل ذلك لما للحجة من أمر مهم في إثبات المدعى على
الخصم الناكر مثلا أو السالب للحق ، والثمرة في ذلك كله من القرآن الكريم ومن الكتب
الصحيحة لكي يستنير البشر بنور الحجة الربانية وليستفيدوا منها ويتعظوا بالمواعظ
الربانية هذا معنى الحجة وماهية الاحتجاجات والتأكيد عليها من قبل الله تعالى .
وعلى هذا الأساس تكون شرعية الحجة ثابتة على ضوء القرآن الكريم والسنة
والعقل ولا نريد الدخول كثيرا في هذا الأمر بل أشرنا في بعض موارده فلقد جعل الله
تعالى للحجة شرعية ذاتية تلزم الغير على ضوء مقتضاها العمل بها حيث جاء قوله
تعالى * ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) * أي جعلنا لهم بالجعل التكويني أن يكونوا
أئمة يقصدون في كل شئ والإمام المعصوم هو الذي يحتج به على الغير فهو حجة على
الناس جميعا وإلا كيف يكون إمام يقصد ويحتج به ومن هذا المنطلق تكون فاطمة
الزهراء ( عليها السلام ) حجة على الأئمة ( عليهم السلام ) كحجة إلزامية شرعية فيجب من جهة الله تعالى
الأخذ بأقوالها وأفعالها والله تبارك وتعالى هو الذي جعل لها الحجية على الخلق بما
فيهن الأئمة ( عليهم السلام ) وهذا القول بصورة إجمالية أما كيف كانت حجة بالمعنى التفصيلي فهذا
ما يحتاج بيان مقدمات وأمور توصلنا إلى هذه النتيجة وهذا ما سنبحثه في الأمر الثالث
إن شاء الله .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...