الوقت- تزامناً مع بدء موسم الحج، يتهافت المسلمون من مختلف أنحاء العالم إلى الديار الحجازية لأداء المناسك. ويأتي العام الجديد بالتزامن مع مرور الذكرى السنوية الأولى لكارثة منى التي راح ضحيّتها 2121 حاج، حسب وكالة أسوشييتد برس.
الحادثة حملت في طيّاتها رسائل عدّة على أكثر من صعيد. رسائل تبدأ بطريقة تعامل الرياض مع حجاج بيت الله والحرام، لاسيّما أن حادثة منى جاءت بعد فترة وجيزة على حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكّي التي راح ضحيّتها أكثر من 108 شهيداً وحوالي 238، لتمرّ عبر تحميل السلطات السعودية للضحايا أنفسهم مسؤولية الحادث بدعوى عدم الالتزام بإرشادات السير، وتنتهي بازدراء مماثل، لا يقل صلافة عن موقف السلطات عبر رسالة الاستهتار بأرواح المسلمين التي أطلقها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز عندما توجّه بالشكر لولي العهد ورجال الأمن ومن ساندهم لإنجاح موسم الحج متجاهلاً آلام عوائل ألاف الشهداء.
رغم إفلات السعودية من التبعات القانونية للحادث حتى الساعة، إلا أن الحادثة الأسوأ في غضون خمسة وعشرين عاماً، أرخت بظلالها على ثقة الشعوب الإسلامية بالإدارة السعودية للحج، الأمر الذي دفع بالعديد من المسلمين للمطالبة بوضع إدارة الحج تحت إشراف منظمة إسلاميّة، باعتبار أن السعودية تستغل الواجب الإسلامي للتهاون في التعاطي مع الحجاج حيث استشهد حتى اليوم أكثر من عشرة ألاف حاج دون رقيب أو حسيب.
الثقة المفقودة ظهرت في آخر نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد دراسي بمصر حول نظرة الحجاج المصريين إلى إدارة الحج في هذا العام، ونشرته شبكة الحج والعمرة. فقد أوضحت الشبكة وهي مجموعة مكونة من الأساتذة والطلاب العرب في مجال الفقه والعلوم الإسلامية وتنشر كواليس إدارة الحج السعودية، أن21 بالمائة من الحجاج المصريين يرجحون تأجيل حجهم لعام آخر لأسباب أمنية. وأوضح الاستطلاع الذي شارك فيه 6000 مصريا يسافرون هذا العام إلى أرض الحرمين الشريفين لأداء مناسك الحج، أن حوالي 42 بالمائة من المشاركين قالوا إنهم لا ينظرون إلى إدارة الحج في هذا العام بنظرة تفاؤلية، وأن 43 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم غير راضين من عدم متابعة حكومتهم لحقوق المتوفين المصريين في حادث تدافع الحجاج في العام الماضي بمنى.
لا يقتصر الأمر على مصر، فإيران التي خسرت 461 حاجا في مشعر منى، كما استشهد قبلهم 10 حجاج في المسجد الحرام، أنشأت لجنتين دولية وقانونية لمتابعة قضية فاجعة منى وحقوق اسر الضحايا الذي استشهدوا. حالياً ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لفاجعة منى ، اجتمعت عوائل الشهداء تحت شعار (نهضة الإسلام الحضارية) في طهران لمتابعة أمور عوائل الشهداء الذين سقطوا في منى.
لم تقتصر إجراءات طهران، التي يغيب أبناءها عن موسم الحج هذا العام بسبب رفض السعودية تقديم الضمانات لسلامة الحجاج، على الإجراءات الأنفة الذكر، فقد أعلن مدعي عام طهران عباس جعفري دولت آبادي قبل فترة وجيزة، بان عدلية طهران طلبت من الشرطة الدولية “الإنتربول” بأن تقوم السعودية بتسليم إيران الوثائق المتعلقة بكارثة منى، مشيراً إلى فتح ملف قضائي حول كارثة منى، وقال: إن 662 شخصا من 220 أسرة للشهداء الحجاج و11 حاجا من الجرحى قد رفعوا شكاوى.
الموسم الجديد
السلطات السعودية التي وضعت عقبات أمام أعداد كبيرة من حجاج بعض البلدان الإسلامية لأداء فريضة الحج، بينهم حجاج إيران واليمن وسوريا، تدخل موسم الحج الجديد وكأن شيئاً لم يحدث، فضلاً عن كونها لم تؤد مسؤوليتها الشرعية في دفع الدية إلى اسر شهداء كارثة منى في جميع بلدان الضحايا، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى جملة من النقاط أبرزها:
أولاً: تستغل السعودية الوجب الإسلامي المتمثّل بشعيرة الحج غير آبهة بالنتائج المترتبة على التهاون وسوء الإدارة في هذا الملف، فالسلطات السعودية تدرك مسبقاً أن حجم الطلب الإسلامي على أداء الحج يغطي غياب أي دولة هنا أو هناك. إلا أن الأرقام والإحصاءات تؤكد عدم ثقة المسلمين، حتى من حضر إلى الحج، بالسعودية الأمر الذي يفرض على الرياض وضع هذا الملف تحت إشراف إسلامي، ولكن منذ متى تعير السعودية لآراء المسلمين أي اهتمام، وهل يفقه آل سعود لغة الرأي والرأي الآخر مع شعبهم حتى يستخدمونها مع المسلمين؟!
ثانياً: لا شك في أن وقوع أي كارثة جديد، لا سمح الله، لن تمنع السعودية عن إلقاء التهم نحو الحجاج، وفي حال مرّ هذا العام على الحجاج بأمن وسلام، نسأل الله ذلك، لن تتوان الرياض عن إلقاء تهمة “كارثة منى” نحو دول معيّنة تغيب هذا الموسم عن المناسك، وفي مقدّمة هذه الدول الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة، التي تلاحق “الكارثة” الأروقة المختصّة.