الأثر الخالد في الولد والوالد
حَقّ … فاجْعَلْهُ حِطّةّ لِذُنوبِهِمَا ، وَعَلُوّا
في دَرَجَاتِهِمَا ، وَزياَدَةً في حَسَناَتِهِماَ ، يَا مُبَدّلَ
السّيئّاتِ بأضْعَافِهَا مِنَ الحْسَناَتِ .
( أللهم خفّض لهما صوتي ) غض الصوت وخفضه من الآدب الشرعية والعرفية ، بخاصة عند مخاطبة الكبار وأهل المكانة . وفي الآية 19 من لقمان : « واغضض من صوتك ان أنكر الأصوات لصوت الحمير » ( وأطب لهما كلامي ) قال سبحانه : « فلا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريماً ـ 23 الأسراء » على أن الكلمة الطيبة بوجه عام كالشجرة الطيبة « أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين ـ 25 ابراهيم » ( عريكتي ) طبيعي ( رفيقاً ) : لطيفاً لا فظاً غليظاً .
( أللهم واشكر لهما … ) أجزهما بالاحسان احساناً ، وبالسيئات غفواً وغفراناً ( واحفظ لهما ما حفظاه مني في صغري ) أجزل لهما الأجر والثواب على ما لقيا من التعب والعناء في سبيلي رضيعاً وصبياً . وقال رجل للنبي (ص) : ان أبوي بلغا من الكبر عتياُ ، وأنا أولي منهما ـ أباشر ـ ما وليا مني في الصغر فهل قضيت حقهما ؟ قال : لا ، فانهما كانا يفعلان ذلك وهما يحتان بقاءك ، وأنت تفعله ، وتريد موتهما ( أللهم وما مسهما مني من أذى …) كل ما أصابهما بسبي من مكروه ( فاجعله حطة ) : محواً ( لذنوبهما وعلواً ) لمقامهما عندك بحيث يكون شقاؤهما بي في الدنيا سبباً لسعادتهما في الآخرة .
( يا مبدل السيئات بأضعافها حسنات ) لمحو السيئات العديد من الطرق منها التوبة ، ومنها اصلاح ذات البين وكل عمل نافع مفيد للفرد والجماعة ، ومنها المرض فانه يحط السيئات ، ويحتها حت الأوراق ، على حد تعبير
( 154 )
نهج البلاغة ، ومنها العدوان حيث يتحمل المعتدي سيئات المعتدى عليه ، وأيضاً يأخد هذا حسنات ذاك ، وسبقت الاشارة الى ذلك في الدعاء 22 عند تفسير « تقاضي به من حسناتي وتضاعف به من سيئاتي » .
أللّهُمَّ وَمَا تَعَدّيَا عَلَيّ فيِه مِنْ قَوْل ، أوْ
أسْرَفا عِلِيّ فِيٍه مِنْ فعٍل ، أوْ ضَيَّعاهُ لي مِنْ حَقّ ،
أوْ قَصّرا بي عنَْهُ مِنْ واجِبٍ … فَقَدْ وهَبْئُهُ
لَهُمَا ، وَجُدْتُ بِهِ علَيْهِمَا ، وَرَغبتُ اليَك في
وَضْع تبَعتِه عَنْهمَا ، فانّي لا أتهّمُهُمَا ، عَلى نَفْسي ،
وَلا أستْبْطئُهُمَا في بِرّي ، وَلا أكْرهُ مَا تَولَياَهُ
مِنْ أمرْي يَارَبّ ؛ فهُمًا أوجبُ حَقاً عَلَيّ ،
وَأقْدم احْساناً الَيّ ، وأعظَمً منّةً لَدَيّ …
مِنْ أنْ أقاَصّهُمَا بِعَدلٍ ، أوْ أجَازِيهُمَا عَلى سِئْلٍ .
أيْن اذاً يَا الَهي طُولُ شُغْلِهِما بترَبيَني ؟ وأيْنَ
شِدُةُ تَعَبهِمَا في حِراستي ؟ وأيْنَ اقْتَارُهُمَا
عَلى أنفْسِهمَا للتَوْسِعَة عَلَيّ ؟ ؛ هًيْهَاتَ مَا
يسَتْوفِيَانِ مِنّي حَقّهُمَا ، وَلا أدْركُ مَا يَحِبُ
عَلَيّ لَهُمَا ، وَلا أنَا بِقَاضٍ وَظيفَةَ خِدْمَتِهِمَا .
( أللهم وما تعديا علي فيه .. ) كما أوجب سبحانه حقوقاً للوالدين على والولد ، أوجب أيضاَ حقوقاً له عليهما ، ومن أهمل وقصّر استحق اللوم والعقاب والداً كان أو ولداً ، والامام السجاد ( ع ) يتجاور ويتنازل عما
( 155 )
افترضه الله له على أبويه ، وحملهما من حقه أياً كان نوعه ويكون ، وعبّر عن هذا التسامح والتجاوز بقوله : ( وهبته لهما … ) أسألك اللهم أن لا تؤاخذ أبوي على أي شيئ يتصل بي من قريب أو بعيد ( فاني لا أتهمهما على نفسي …) هما عندي وفي عقيدتي من الناصحين المخلضين لا تواني منهما في ولا تقصر ( ولا أكره ما توليا من أمري ) مهما أبي من المحبوب محبوب ، والعكس بالعكس .
( فهما أوجب حقا علي واحساناً الي …. ) لي حق ولهما حق ، ولكن حقهما اقدم وأعظم ( من أن أقاصهما بعدل …) لا مقاصة عادلة الامع المساواة ، ولا مكان لها بين المنعم والمنعم عليه . ومن هنا يُقتل الولد بوالده ، ولا يُقتل الوالد بالولد .
( أين اذن يا الهي طول شغلهما … ) لقد تحملا الضيق والشدة لاعيش في سعة ، والتعب والعناء لأكون في راحة ، والذل والهوان من أجل سعادتي ( هنهات ) بفتح التاء وكسرها وضمها : اسم فعل بمعنى بعد ( ما يستوفيان حقهما …) أقر وأعبرف بالعجز عن القيام بحقهما مهما اجتهدت وبالغت ، لأنه جسيم وعظيم .
وبعدُ ، فمن أراد أن يستدرك ما فرط من حق أبويه بعد موتهما ، فليستغفر الله لهما ، ويقض دينهما ، ان كان عليهما شيء منه الله أو للناس والا تصدق عنهما بما يستطيع . وفي الحديث : من الابرار يوم القيامة رجل برّ والديه بعد موتهما .
فَصَلّ عَلى مُحمّدٍ وَآلِه ، وَأعِنّي يَا خيْرمَنْ
أسْتَعينُ بِهِ ، وَوَ فقْني يَا أهْدى مَنْ رُغبَ الَيْهِ ،