الرئيسية / بحوث اسلامية / دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة

دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة

الخصائص العامة للجماعة الصالحة

لاشك ان الاهداف العامة تنعكس بطبيعة الحال على الخصائص والصفات المطلوبة في هذه الجماعة، كما أن الاهداف والخصائص تنعكس بطبيعة الحال على تفاصيل البناء المطلوب في هذه الجماعة الصالحة.

وهذا هو الذي يفسر لنا وجود التشابه بين بعض النقاط في هذه الابعاد الثلاثة مع الاختلاف في الاجمال والتفصيل أو الاختلاف في البعد المنظور من النقطة المطروحة.

ولابدّ لنا بعد بيان الاهداف العامة من وراء بناء الجماعة الصالحة أن نتعرّف على الخصائص والصفات الرئيسية التي لابدّ أن تتميّز بها هذه الجماعة الصالحة وتتصف بها لتقوم بدورها الطبيعي في التاريخ الاسلامي، وفي أداء دور الائمة في الدفاع عن الاسلام وحفظ الامة الاسلامية والمجتمع الاسلامي.

وقد تعرّفنا على مجموعة من هذه الخصائص عند استعراضنا للاهداف الرئيسية من وراء وجود هذه الكتلة الصالحة. ونحاول هنا أن نلخّص ونفهرس هذه الخصائص سواء التي تمت الاشارة إليها في استعراض الاهداف، أو غيرها من الخصائص الاخرى:

1 ـ العقيدة السليمة:

لقد اهتّم أهل البيت(عليهم السلام) بالبناء العقائدي لهذه الكتلة، والحفاظ على معالم العقيدة الاسلامية الاصيلة، بحيث تكون بعيدة عن المؤثّرات الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية التي كانت تواجهها الامة، مثل المحتوى الفكري والثقافي للحضارة الرومانية والفارسية واليونانية التي قادت بعض الجماعات الى الزندقة والالحاد والتحلل.

وكذلك تكون سليمة عن التأثر بمرض الخدر الحضاري الذي أصيبت به الامة الاسلامية بسبب انفتاحها على حياة المجتمعات الجديدة في العالم الاسلامي، والثروات الهائلة وأساليب الترف والاستمتاع بالشهوات.

وأيضاً بعيدة عن التأثر بردود الفعل النفسية والروحية التي انتهت ببعض الجماعات إلى العزلة عن الحياة والانكفاء على النفس، كما يلاحظ ذلك في بعض مذاهب التصوّف أو الباطنية، أو الوقوع في هاوية الفوضى والتمرد على المجتمع والنظام الاسلاميين بحيث يلغي كل الالتزامات، ويحكم بالخطأ والبطلان على جميع المظاهر والاوضاع السائدة كما نشاهده في بعض حركات الخوارج أو في حركة القرامطة وغيرها أو التعصب الاعمى والغلو في العواطف لتتحول إلى عقائد ومذاهب، كما نلاحظه في مذاهب الغلاة والنواصب والقدرية والمفوضة.

وبذلك تمكّن الائمة أن يحافظوا في هذا الجانب على الموقف المتوازن والعقيدة السليمة لاتباعهم بحيث يحفظوا الاسلام الصحيح والاصيل في الوجود العقائدي لهذه الكتلة من ناحية، ويهيئوا لهم القدرة على الاستمرار والتعايش والحيوية في النشاط والحركة والتأثير على الاخرين من ناحية أخرى.

ولذلك عندما نريد أن نراقب الخط البياني لحركة هذه الجماعة ومسيرتها عبر التاريخ الاسلامي نجد ظاهرة الاصالة والتجذر والتوسّع والانتشار والصلابة والصمود، بالرغم من عمليّات القمع ومحاولات الاستئصال التي تعرضت لها هذه الجماعة والكتلة دون أن تضطر إلى اللجوء إلى الاستبطان أو الهروب من الواقع الاجتماعي أو الانزواء في مجاهل البلاد، بل بقيت تعيش في الحواضر الاسلامية وفي مراكز الاشعاع العلمي والديني والثقافي للعالم الاسلامي مثل: العراق، وإيران، وتركيا، ولبنان، وسوريا، والخليج، وشبه القارة الهندية (الهند والباكستان)، وآسيا الوسطى، وأفغانستان، وآذربيجان، وبعض مناطق إفريقيا المهمّة. كما ضمّت قوميات متعددة مثل: العرب، والفرس، والترك، والكرد، والهنود بكل قوميّاتهم، والبربر، فضلاً عن إفريقيا السوداء وغيرهم من القوميات المعروفة.

ولعل الائمة(عليهم السلام) كانوا يشعرون من هذا المنطلق أنه لم تكن هناك حاجة ملحّة لاتباعهم أن يقوموا بالمزيد من الدعوة والعمل التبليغي في أوساط الناس من المسلمين، لان العقيدة الصحيحة بنفسها يمكنها أن تؤدّي هذا الدور بمجرد طرحها وعرضها على الامة.

فقد روى الكليني بسنده عن ثابت بن سعيد قال: «قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): يا ثابت، ما لكم وللناس. كفّوا عن الناس، ولا تدعوا أحداً إلى أمركم، فوالله لو أن أهل السماء وأهل الارض اجتمعوا على أن يُضلوا عبداً يريد الله هداه ما استطاعوا. كفوا عن الناس ولا يقول أحدكم أخي وابن عمي وجاري، فإنّ الله إذا أراد بعبد خيراً طيّب روحه، فلا يسمع بمعروف إلاّ عرفه، ولا بمنكر إلاّ أنكره، ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره»([1][19]).

ولا شك أن الامر بالكفّ والنهي عن الدعوة إنّما يراد به النهي عن الوصول بالدعوة إلى حد المخاصمة والالحاح، كما ورد ذلك في حديث آخر للكليني: «ولا تخاصموا بدينكم الناس، فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب، فإنّ الله عزوجل قال لنبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء). (أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)»([2][20]).

كما انه ورد في بعض الروايات الحث على الدعوة عندما تتوفر لها فرصة لا تؤدي إلى المخاصمة، لان الدعوة الى الحق تمثل واجباً شرعياً([3][21]).

وبهذا الاتجاه يمكن ان نفهم تأكيد أهل البيت(عليهم السلام) كما جاء في الروايات على تشخيص دعائم الدين وبالخصوص النص على الولاية، وكذلك على التمييز بين الاسلام والكفر، والاسلام والايمان، فإن كل ذلك وامثاله إنما جاء لتحديد معالم هذه العقيدة الصحيحة.

وقد كان الخط الذي يميز هذه العقيدة السليمة في الكتلة الصالحة هو موضوع حب علي والائمة المعصومين من ولده (الائمة الاثني عشر)(عليهم السلام) والايمان بولايتهم، حيث رُبطت العقيدة السليمة بهذه الولاية في بعض الروايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام).

عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية.

قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل لانها مفتاحهنّ والولي هو الدليل عليهن، قلت: ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟ فقال: الصلاة، قلت: فثم الذي يليها في الفضل؟ قال: الزكاة لانه قرنها بها، وبدأ بالصلاة قبلها، قلت: فالذي يليها في الفضل؟ قال: الحج، قلت ماذا يتبعه؟ قال: الصوم» الحديث([4][22]).

وفي رواية أخرى رواها الصدوق في أماليه عن أبي حمزة الثمالي عن علي ابن الحسين(عليه السلام) قال: «قال سلمان الفارسي رحمة الله عليه: كنت جالساً عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فقال له: يا علي ألا أبشّرك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: هذا حبيبي جبرئيل يخبرني عن الله جل جلاله أنه قد أعطى محبّيك وشيعتك سبع خصال: الرفق عند الموت، والانس عند الوحشة، والنور عند الظلمة، والامن عند الفزع، والقسط عند الميزان، والجواز على الصراط، ودخول الجنة قبل سائر الناس من الامم»([5][23]).

وقد وضع أهل البيت عدّة معالم ومؤشرات على هذا الحب والولاء كان من أبرزها زيارة الامام الحسين(عليه السلام) في كربلاء على ما تنص عليه الروايات.

([1][19]) الكافي 2 : 213، ح3.

([2][20]) المصدر السابق، ح4.

([3][21]) سوف نتناول هذا الموضوع بأبعاده المختلفة في موضوع نظام أمن الجماعة (السياسات الامنية).

([4][22]) الوسائل 1 : 7 ح2.

([5][23]) امالي الصدوق: برقم 548 / 15 مجلس الرابع والخمسون. كما انه توجد بهذا المضمون روايات عديدة. راجع البحار 68 : 9 ، ح4 وغيرها من الاحاديث في باب فضائل الشيعة.

شاهد أيضاً

كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم عليك؟

” اللهم صل على محمد وآل ومحمد ”  الصلاة على النبي وآله 1 – حدثنا قيس بن حفص وموسى ...