الرئيسية / بحوث اسلامية / دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة

دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة

2 ـ الرجوع إلى أهل البيت في معرفة الدين:

إن قضية الالتزام بالوصول إلى الحكم الشرعي من مصادره الاصيلة الصحيحة، وكذلك الحصول على الموقف الشرعي للفصل في الحكم والخصومات والقضايا المستجدّة ومن خلال (الانسان الصالح) (الامام المعصوم) أو (الفقيه العادل) من القضايا الاساسية التي تميّزت بها الكتلة الصالحة. فإنّه بالرغم من اتفاق المسلمين جميعاً على أن القرآن الكريم والسنّة النبويّة هما المصدران الاساسيان للشريعة الاسلامية، امتاز أتباع أهل البيت(عليهم السلام) على بقيّة المسلمين في هذا المجال بعدّة نقاط مهمّة:

أ ـ فهم القرآن:

الرّجوع إلى أئمة أهل البيت(عليهم السلام) في تفسير القرآن الكريم، ومعرفة الناسخ والمنسوخ منه، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، والمجمل والمبيّن، وأسباب النزول، وغير ذلك مما له علاقة بفهم القرآن وشرحه وتفسيره. وقد أجمع المسلمون على أن علياً وأهل بيته(عليهم السلام) هم أعلم الناس بالقرآن من غيرهم من علماء الاسلام، ودلت على ذلك النصوص الصحيحة في كتب الفريقين.

ب ـ معرفة السنة:

الرّجوع إلى أهل البيت في التعرّف على السنّة النبوية، ذلك أن السنّة النبوية تعرّضت لمشاكل وتزوير وغموض بسبب عمليات النقل والتفسير غير الامينة، أو بسبب الفصل بين النص وظروف مجيئه أو بسبب عمليات الوضع والاختلاق والكذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أو بسبب الاجتهاد في تجميد النص وعدم الاخذ به بتصور وجود مصالح تفرض هذا التجميد والتنازل عن النص. الامر الذي أدّى إلى تشويش واضطراب واسع في فهم الشريعة الاسلامية.

وقد امتاز اتباع أهل البيت(عليهم السلام) على غيرهم من المسلمين بالرجوع إليهم وحدهم([1][24]) في أخذ السنّة النبوية وكذلك شرحها وفهمها ومعرفة الناسخ والمنسوخ منها، والمطلق والمقيّد، والخاص والعام، كما يعتقد أتباع أهل البيت بأن أهل البيت(عليهم السلام) قد حفظوا السنة النبوية بصورتها الشاملة دون أن تكون هناك حاجة للرجوع إلى ادلة ظنية أخرى للوصول إلى الحكم الشرعي.

ج ـ تقليد المجتهد العادل الحي:

الانضباط في عملية الاخذ في حدود المجتهد العادل الذي يعرفه الناس بالاجتهاد والعدالة العالية والتقوى والورع من خلال الفحص والشعور بالمسؤولية. وليس من خلال طرح الحكام والطغاة لهذا الاسم أو ذلك.

ويكون الرجوع إلى هذا المجتهد في الفتوى أو في القضاء وتحديد الموقف الشرعي من القضايا والخصومات والالتزام بفتوى المجتهد الحي([2][25]) الذي يمكنه أن يعيش الحدث من ناحية، ويمكن للناس أن يتعرّفوا على خصائصه وميزاته من ناحية أخرى.

وهذه النقاط هيّأت فرصة لاتباع أهل البيت(عليهم السلام) أن يكون تحرّكهم ضمن الاطار التشريعي الصحيح ولا يتعرّضوا لمشاكل الفتاوى التي تعرّض لها جمهور المسلمين بحيث أدّت إلى تباين واختلاف كبيرين ومن ثم نزاعات في الفتاوى والاحكام والمواقف. ولعل هذا هو السر الذي جعل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكّد على أهمية مرجعيّة أهل البيت(عليهم السلام) في قضايا الشريعة، إلى جانب أهمية ولاية الامر والخلافة، حيث ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) متواتراً التأكيد على ذلك كما هو مضمون حديث الثقلين: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»([3][26]). وكذلك تأكيد أهل البيت(عليهم السلام) لهذه المرجعية في أحاديث كثيرة وواضحة، بحيث ربّوا شيعتهم على هذا الالتزام، وحذّروهم من الوقوع في الانحرافات أو الاعتماد على الظنون والاستحسانات في معرفة الحكم الشرعي.

3 ـ الاتصاف بالدرجة العالية من الكمالات الانسانية:

إن هذه المزيّة، بالاضافة إلى كونها هدفاً إسلامياً للانسان المسلم، تمثّل في نظر أهل البيت(عليهم السلام) شرطاً ضرورياً لابدّ لهذه الجماعة الصالحة أن تتّصف به حتى تتمكّن من القيام بدورها في التاريخ الانساني; حيث أن هذه الدرجة العالية هي التي تكون قادرة على التأثير في حركة التأريخ الانساني، وعلى استنزال النصر والخيرات والبركات الالهية على المجتمع: (ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)([4][27]).

ولذا نجد أن أهل البيت(عليهم السلام) يؤكّدون هذه المزيّة ليس في مقام تربيتهم لشيعتهم فحسب، وإنما في مقام التعريف بهويّة هؤلاء الشيعة وشخصيتهم أيضاً.

فقد ورد عن الامام الرضا عن أمير المؤمنين عن رسول الله صلوات الله عليهم قال: «يا علي، طوبى لمن أحبّك وصدّق بك، وويل لمن أبغضك وكذّب بك. محبّوك معروفون في السماء السابعة والارض السابعة السفلى وما بين ذلك، هم أهل الدين والورع والسمت الحسن والتواضع لله عزّوجلّ، خاشعة أبصارهم، وجلة قلوبهم لذكر الله عزّوجلّ، وقد عرفوا حق ولايتك…»([5][28]).

وفي هذا المجال تمّ التأكيد في الروايات على عدّة خصوصيات ومعالم أساسية:

([1][24]) يأخذ أتباع أهل البيت عن كل ثقة يروي عن المعصوم، سواء كان ذلك المعصوم هو النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد الائمة الاطهار(عليهم السلام)، ولذلك يأخذون الرواية عن الثقة حتى لو كان على مذهب آخر غير مذهب أهل البيت، ولكنهم واقعياً يأخذون عن أهل البيت وحدهم باعتبار أنه لم يتم لديهم صحة روايات أخرى إلاّ ضمن عدد محدود، وذلك في الروايات المعروفة بـ «النبوي» والتي اشتهرت بين المسلمين، وتداولوها جيلاً عن جيل عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). وإن بعض العلماء يتوقف أيضاً في مثل هذه الروايات لعدم وضوح صحّة سندها.

([2][25]) هذا الامر وإن كان موضع خلاف في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) إلاّ أن الغالبية العظمى من المجتهدين في العصور المتأخّرة على الاقل تلتزم بهذا الامر.

([3][26]) الصواعق المحرقة: 341، باب وصية النبي صلى الله عليه ] وآله [ وسلم بهم، ط دار الكتب ـ بيروت. وكنز العمال 1: 185 ـ 189 .

([4][27]) الاعراف: 96.

([5][28]) عيون أخبار الرضا 1: 261، ح21.

شاهد أيضاً

الإمام الخامنئي: الكارثة التي أحدثها الصهاينة في غزة لن تحقق أي نتيجة

  استقبل قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، اليوم الأربعاء، في ...