الرئيسية / من / طرائف الحكم / آية التطهير – محاضرات اسلامية هادفة

آية التطهير – محاضرات اسلامية هادفة

02

بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا
محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

موضوع البحث في هذه الليلة آية التطهير . .

انتهينا من البحث بنحو الاجمال عن آية المباهلة ، وبقيت نقاط
تتعلق بآية المباهلة سنتعرض لها إن شاء الله في مبحث تفضيل
الأئمة على الأنبياء ، في الليلة المقررة لهذا البحث إن شاء الله .
قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا ) ( 1 ) .

هذه الآية في القرآن الكريم ضمن آيات تتعلق بزوجات
الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أقرأ الآيات :
( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن
بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في
بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين
الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله
والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا )

( 1 ) صدق الله العلي العظيم .
هذه الآية المباركة أيضا من جملة ما يستدل به من القرآن
الكريم على إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه .
وكما ذكرنا في الليلة الماضية حيث ذكرنا الخطوط التي لا بد
وأن يجري البحث على أساسها ، ورسمنا تلك الخطوط ، وذكرنا
بأن القرآن الكريم لم يأت فيه اسم أحد ، وكل آية يستدل بها على
إمامة أمير المؤمنين أو غير أمير المؤمنين ، لا بد وأن يرجع في
دلالتها وفي شأن نزولها إلى السنة المفسرة لتلك الآية ، والسنة
المفسرة للآية أيضا يجب أن تكون مقبولة عند الطرفين المتنازعين
المتخاصمين في مثل هذه المسألة المهمة .

المراد من أهل البيت ( عليهم السلام ) في آية التطهير
إذن ، لا بد من بيان المراد من أهل البيت ( عليهم السلام ) في هذه الآية
المباركة ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) .
محل الاستدلال في هذه الآية المباركة نقطتان :
النقطة الأولى : المراد من أهل البيت .
النقطة الثانية : المراد من إذهاب الرجس .
فإذا تم المدعى على ضوء القواعد المقررة في مثل هذه
البحوث في تلك النقطتين ، تم الاستدلال بالآية المباركة على إمامة
علي أمير المؤمنين ، وإلا فلا يتم الاستدلال .
المراد من أهل البيت في هذه الآية المباركة من ؟ لا بد هنا من
الرجوع أيضا إلى كتب الحديث والتفسير ، وإلى كلمات العلماء من
محدثين ومفسرين ومؤرخين ، لنعرف المراد من قوله تعالى في
هذه الآية ، أي : المخاطب بأهل البيت من هم ؟ ونحن كما قررنا من
قبل ، نرجع أولا إلى الصحاح والمسانيد والسنن والتفاسير المعتبرة
عند أهل السنة .

 

وإذا ما رجعنا إلى صحيح مسلم ، وإلى صحيح الترمذي ، وإلى
صحيح النسائي ، وإلى مسند أحمد بن حنبل ، وإلى مسند البزار ،
وإلى مسند عبد بن حميد ، وإلى مستدرك الحاكم ، وإلى تلخيص
المستدرك للذهبي ، وإلى تفسير الطبري ، وإلى تفسير ابن كثير ،
وهكذا إلى الدر المنثور ، وغير هذه الكتب من تفاسير ومن كتب
الحديث : نجد أنهم يروون عن ابن عباس ، وعن أبي سعيد ، وعن جابر

بن عبد الله الأنصاري ، وعن سعد بن أبي وقاص ، وعن زيد بن
أرقم ، وعن أم سلمة ، وعن عائشة ، وعن بعض الصحابة الآخرين :
أنه لما نزلت هذه الآية المباركة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، جمع
أهله – أي جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين – وألقى عليهم
كساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي .

وفي بعض الروايات : ألقى الكساء على هؤلاء ، فنزلت الآية
المباركة .

والروايات بعضها تفيد أن الآية نزلت ففعل رسول الله هكذا .
وبعضها تفيد أنه فعل رسول الله هكذا ، أي جمعهم تحت كساء
فنزلت الآية المباركة .

قد تكون القضية وقعت مرتين أو تكررت أكثر من مرتين
أيضا ، والآية تكرر نزولها ، ولو راجعتم إلى كتاب الإتقان في علوم
القرآن للجلال السيوطي لرأيتم فصلا فيه قسم من الآيات النازلة
أكثر من مرة ، فيمكن أن تكون الآية نازلة أكثر من مرة والقضية
متكررة .

وسنقرأ إن شاء الله في البحوث الآتية عن حديث الثقلين : أن
رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي
أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا . . . إلى آخر الحديث ، قاله
في مواطن متعددة .

وقد ثبت عندنا أن النبي قال : من كنت مولاه فهذا علي
مولاه أكثر من مرة ، وإن اشتهرت قضية غدير خم .
وحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى وارد عن
رسول الله في مصادر أهل السنة في أكثر من خمسة عشر موطنا .
فلا نستبعد أن تكون آية التطهير نزلت مرتين أو أكثر ، لأنا
نبحث على ضوء الأحاديث الواردة ، فكما ذكرت لكم ، بعض
الأحاديث تقول أن النبي جمعهم تحت الكساء ثم نزلت الآية
، وبعض الأحاديث تقول أن الآية نزلت فجمع رسول الله عليا
وفاطمة والحسنين وألقى عليهم الكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل
بيتي .

فالحديث في :
1 صحيح مسلم ( 1 ) .
2 – مسند أحمد ، في أكثر من موضع ( 2 ) .
3 – مستدرك الحاكم ( 3 ) ، مع إقرار الذهبي وتأييده لتصحيح
الحاكم لهذا الحديث ( 4 ) .
4 – صحيح الترمذي ، مع تصريحه بصحته ( 5 ) .
5 – سنن النسائي ( 6 ) ، الذي اشترط في سننه شرطا هو أشد من
شرط الشيخين في صحيحيهما ، كما ذكره الذهبي بترجمة النسائي
في كتاب تذكرة الحفاظ ( 7 ) .
ولا يخفى عليكم أن كتاب الخصائص الموجود الآن بين
أيدينا الذي هو من تأليف النسائي ، هذا جزء من صحيحه ، إلا أنه
نشر أو انتشر بهذه الصورة بالاستقلال ، وإلا فهو جزء من صحيحه
الذي اشترط فيه ، وكان شرطه في هذا الكتاب أشد من شرط
الشيخين في صحيحيهما .
6 – تفسير الطبري ، حيث روى هذا الحديث من أربعة عشر
طريقا ( 1 ) .
7 – كتاب الدر المنثور للسيوطي ، يرويه عن كثير من كبار
الأئمة الحفاظ من أهل السنة ( 2 ) .

وقد اشتمل لفظ الحديث في أكثر طرقه على أن أم سلمة
أرادت الدخول معهم تحت الكساء ، فجذب رسول الله الكساء ولم
يأذن لها بالدخول ، وقال لها : وإنك على خير أو إلى خير ( 3 )
والحديث أيضا وارد عن عائشة كذلك ( 4 ) . .

واشتمل بعض ألفاظ الحديث على جملة أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أرسل
إلى فاطمة ، وأمرها بأن تدعو عليا والحسنين ، وتأتي بهم إلى
النبي ، فلما اجتمعوا ألقى عليهم الكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل
بيتي مما يدل على أن النبي كانت له عناية خاصة بهذه القضية ،
ولما أمر رسول الله فاطمة بأن تأتي هي وزوجها وولداها ، لم
يأمرها بأن تدعو أحدا غير هؤلاء ، وكان له أقرباء كثيرون ،
وأزواجه في البيت عنده ، وحتى أنه لم يأذن لأم سلمة أن تدخل
معهم تحت الكساء .

إذن ، هذه القضية تدل على أمر وشأن ومقام لا يعم مثل أم
سلمة ، تلك المرأة المحترمة المعظمة المكرمة عند جميع
المسلمين .
إلى هنا تم لنا المراد من أهل البيت في هذه الآية المباركة .
وهذا الاستدلال فيه جهة إثبات وجهة نفي ، أما جهة الإثبات ،
فإن الذين كانوا تحت الكساء ونزلت الآية في حقهم هم : علي
وفاطمة والحسن والحسين فقط ، وأما جهة النفي ، فإنه لم يأذن
النبي لأن يكون مع هؤلاء أحد .

في جهة الإثبات وفي جهة النفي أيضا ، تكفينا نصوص
الأحاديث الواردة في الصحاح والمسانيد وغيرها من الأحاديث
التي نصوا على صحتها سندا ، فكانت تلك الأحاديث صحيحة ،
وكانت مورد قبول عند الطرفين .

شاهد أيضاً

آية التطهير – محاضرات اسلامية هادفة

05 بعض التحريفات في كتب القوم ورأيت من المناسب أن أذكر لكم نقطة تتعلق بآية ...