الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / دروس من سيرة الرسول الأكرم

دروس من سيرة الرسول الأكرم

الدرس السابع: ما بين البعثة والهجرة-2

 

مواجهة تحديات قريش:

اتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مواجهة محاولات قريش للقضاء على الاسلام، الخطوات التالية:

1– رَفْضُ كلّ‏ِ أشكال المساومات والضغوط، والاصرار على الاستمرار في الدعوة، والثبات والصبر على الأذى والتحديات.

2– الاتصال الشخصي والمباشر بكل الأفراد والجماعات الوافدة الى مكة، وعَرْضُ الاسلام عليهم وعلى سائر القبائل، خاصة في المواسم، فكان لا يسمع بقادم الى مكة له اسم وشرف ونفوذ إلاّ وبادر الى اللقاء به، وكان لا يدع مناسبة يجتمع فيها الناس إلاّ قصدهم إلى أنديتهم ليدعوهم الى الله.

3– توسيع دائرة الدعوة الى خارج مكة وذلك من خلال أمر المسلمين بالهجرة الى الحبشة، وخروجه هو صلى الله عليه وآله وسلم الى الطائف، وإنجاز بيعة العقبة.

الهجرة الى الحبشة:

هاجر المسلمون الى الحبشة في رجب من السنة الخامسة للبعثة بعدما أمرهم النبي بذلك وقال لهم: إن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد. وكان عددهم في أرض الحبشة ثلاثة وثمانين ما بين رجل وامرأة عدا الأطفال، وكان في مقدمتهم جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

صفحة 49

ونعتقد أن الهدف من هذه الهجرة:

أولاً: التخلص من الضغوط وسياسة الارهاب والتعذيب التي كان يتعرض لها المسلمون داخل مكة، وإيجاد مكان امن للمسلمين ولكل من يدخل في الإسلام يستطيعون فيه ممارسة شعائرهم بحرية، بعيداً عن أذى قريش ومضايقاتها واضطهادها.

ثانياً: التبشير بالاسلام ومبادئه وأهدافه وأحكامه، والترويج له والتعريف به خارج الجزيرة العربية، بدليل: هجرة جماعة ممن لم يتعرض للتعذيب أو التنكيل، كجعفر بن أبي طالب من جهة، وبقاء المهاجرين في الحبشة الى ما بعد السنة الثالثة أو السابعة بعد الهجرة النبوية إلى المدينة من جهة أخرى.

ثالثاً: توجيه ضربة لكبرياء قريش، ولتدرك أن قضية الاسلام تتجاوز حدود تصوراتها وقدراتها، وأن المسلمين قادرون على تجاوز حدود الوطن والتخلي عن كل شي‏ء في سبيل انقاذ عقيدتهم واسلامهم.

الخروج الى الطائف:

خرج النبي الى الطائف في السنة العاشرة من البعثة وأقام فيها عشرة أيام يتجول بين أحيائها ويدعو أهلها الى الاسلام، ولكنهم لم يسمعوا منه، بل جلسوا في الطريق يرمونه بالحجارة حتى جرح في رأسه، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راجعاً الى مكة.

وقد كان يهدف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الانتقال الى الطائف إلى الإعداد الى المستقبل باعتبار أن الطائف هي البلد الثالث الذي له موقعه ونفوذه الخاص في المنطقة نظراً لوجود قبيلة كبيرة فيها هي ثقيف، فلا بد من التمهيد إلى إسلامهم في المستقبل.

وربما تكون ثمة أهداف أخرى منها: إيجاد قاعدة ارتكاز لدعوته في الطائف بدل مكة، بعد أن وجد صلى الله عليه وآله وسلم أن مكة لا تصلح أن تكون قاعدة لعمله الرسالي، وخصوصاً بعدما أثّرت عمليات التعذيب والارهاب التي مارستها قريش بحق المسلمين في التأثير على نشاط النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحد من انتشار الاسلام بين الناس.

بيعة العقبة:

بعد أن عاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الطائف استأنف جهوده عند حلول موسم الحج متنقلاً بين

صفحة 50

وفودها، حيث اجتمع بستة من أهل يثربالمدينةفي السنة الحادية عشرة من البعثة، فدعاهم لرسالته، فامنوا به، وأقسموا أن يعملوا في سبيلها عند عودتهم الى بلدهم.

ولم يكن اجتماعه بهؤلاء الستة عملاً عفوياً، بل كان مقصوداً، حيث اجتمع بهم بشكل شبه سري، وركّز على عدد محدود، لا كما فعل مع باقي الوفود حيث كان يدعوها علانية.

واستهدف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الاجتماع حث هؤلاء الاشخاص على القيام بنشاط في بلادهم لتهيئة الجو وخلق مناخ مؤيد ومتعاطف مع الدعوة ومبادئها الجديدة في المدينة.

العقبة الأولى:

وعندما حل موسم الحج في العام الثاني التقى صلى الله عليه وآله وسلم مع اثني عشر رجلاً من اليثربيين، واجتمع بهم سراً في واد ضيق بالعقبة بين مكة ومنى، وهي العقبة الأولى، وقد أعلنوا فيها إيمانهم واستعدادهم للعمل على نشر الاسلام، وبايعوا رسول الله على ذلك.

فلما أرادوا الانصراف إلى بلدهم، بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معهم مصعب بن عمير من أجل أن يعلمهم الاسلام، ويفقهم في الدين، ويجعل منهم قوة أكثر فاعلية ودقة في نشر الدين الجديد في صفوف أهل المدينة.

استطاع مصعب بن عمير بفعل وعيه وخبرته بشتى أساليب العمل والتبليغ أن يقوم بواجبه كما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. . وكان عدد المسلمين في المدينة يزداد يوماً بعد يوم، وأصبح جو المدينة العام مؤيداً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومهيئاً لقدومه.

العقبة الثانية:

وفي العام التالي أي في السنة الثالثة عشرة من البعثة وبعد مرور عام كامل على بيعة العقبة الأولى عاد مصعب بن عمير الى مكة ومعه جمع كبير من مسلمي المدينة، خرجوا مستخفين مع حجاج قومهم المشركين.. ويبدو أن مصعباً قبل حضوره الى مكة، كان قد رتّب اجتماعاً بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين مسلمي يثرب بعد انتهاء موسم الحج.

فالتقى بعضهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وواعدهم أن يجتمع بهم في العقبة في اليوم الثاني من أيام التشريق ليلاً، وأمرهم بالحفاظ على سرية الاجتماع، وفي الليلة المعينة تمّ الاجتماع

صفحة 51

بحضور علي‏ عليه السلام والحمزة في الدار الذي كان ينزل فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو دار عبد المطلب، فبايعوه على حمايته، وعلى أن يمنعوه وأهله مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم، وعلى أن ينصروه ويقفوا الى جانبه في الشدة والرخاء، كما بايعوه على السمع والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن يدعوا الى الله ولا يخافوا في الله لومة لائم، وقد سميت هذه البيعة ببيعة العقبة الثانية.

لقد نجح النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نهاية المطاف بفعل إصراره على مواصلة الدعوة وعدم يأسه أو استسلامه أمام الفشل الظاهري في الطائف وفي مكة، وبفعل الثقة بوعد الله سبحانه بالنصر، في ايجاد القاعدة المناسبة التي يرتكز عليها الاسلام فكانت يثرب موضع اختياره الجديد.

وكانت بيعة العقبة هي الخطوة الرئيسية التي مهّد فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم للهجرة الى المدينة المنورة، وبالهجرة الى المدينة تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل الدعوة وهي مرحلة بناء الدولة، والدفاع عن الاسلام.

صفحة 52

للمطالعة

وإِنَكّ لعَلَى خُلُق عَظِيم

سلوكه الشخصي1

كان أمير المؤمنين عليه السلام اذا وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: كان أجود الناس كفاً، وأجراً الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، ومن راه بديهة هابه، ومن خالطه فعرفه أحبه، لم أرى مثله قبله ولا بعده.

وعن يونس عن الحسن قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: كان خلقه القران.

وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس خلقاً.

وقال الديلمي في الارشاد: كان صلى الله عليه وآله وسلم لا يمنعه الحياء ان يحمل حاجته من السوق إلى أهله، ويسلم على من استقبله من غني وفقير وكبير وصغير، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التَّمر، وكان خفيف المؤنة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساماً من غير ضحك، ومحزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير مذلة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب رحيماً بكل مسلم. ولم يتجشأ من شبع قط، ولم يمد يده إلى طمع قط.

وقال العلماء في اخلاقه الفردية: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أسخى الناس، لا يثبت عنده دينار ولا درهم، فإن فضل ولم يجد من يعطيه ويجنه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرء منه إلى من يحتاج إليه.

لا يأخذ مما اتاه الله إلا قوت طعامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير.

وكان يجلس على الأرض وينام عليها ويأكل عليها، وكان يخصف النَّعل، ويرقّع الثوب، ويفتح الباب، ويحلب الشَّاة، ويعقل البعير فيحلبها، ويطحن مع الخادم إذا أعيا (تعب).

وكان صلى الله عليه وآله وسلم أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضاً. وكان أصبر الناس على أوزار الناس.

وعن أنس بن مالك قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً، كان يقول لأحدنا عند المعاتبة: ما له ترب جبينه.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا جلس جلس القرفصاء، ولم يرَ متربعاً قط، ولا جلس متكئاً.

وكان أكثر طعامه التَّمر والماء، وروي انه كان لا يأكل وحده ما يمكنه.

وكان إذا أكل سمّى، ويأكل بثلاث أصابع ومما يليه ولا يتناول من بين يدي غيره، ويؤتى بالطعام فيشرع قبل القوم ثم يشرعون، وذلك لكي لا يستحي أحد من تناول الطعام إذا هو كفّ‏َ عنه.

صفحة 53

وما ذمّ‏َ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاماً قط، وكان إذا أعجبه أكله وإذا كرهه تركه، بل في بعض الروايات: كان يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد، وما رؤي يأكل متكئاً قط.

وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه التي أكل بها، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يغسل يديه من الطعام حتى ينقيهما فلا يوجد لما أكل ريح.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يلبس ثوبين، ويلبس الغليظ من القطن والكتان، إذا لبس جديداً أعطى خُلف ثيابه مسكيناً.

وكان يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده، لا يرتفع على عبيده وإماءه في مأكل ولا ملبس.

وكان يركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار.

صفحة 54

شاهد أيضاً

الإحتجاج (ج1) / للطبرسي

الإحتجاج (ج1) / الصفحات: ٣٢١ – ٣٤٠ ٣٢١ الشهادة فلا تتم الشهادة إلا أن يقال: ...