ثلاثون أدباً للمتعلّم
28 فبراير,2017
فقه الولاية
2,501 زيارة
الفصل الثالث: آداب المتعلِّم في درسه
هناك آداب خاصّة بطريقة المطالعة، والدرس، والقراءة، يجب أن نلتفت إليها ونُراعيها عند الدرس أيضاً، وتتلخص بما يلي:
1- مراعاة قدراته الذهنية
أن يقتصر من المطالعة على ما يحتمله فهمه، وينساق إليه ذهنه، ولا يُنافي طبعه، فلا يشتغل بالكتب العقليّة التي تعرض خلافات معقّدة ، قبل أن يجهز ذهنه لمثل هذه الأمور، ويصحّ فهمه، ويستقرّ رأيه على الحقّ، فيكون قادراً على استيعاب الجواب وفهمه.
وليحذر من الاشتغال بما يُبدِّد الفكر، ويُحيِّر العقل من الكتب الكثيرة والتصانيف المتفرِّقة، فإنّه يُضيّع زمانه ويُشتّت ذهنه. وليُعط الكتاب الذي يقرؤه كليّته، حتّى يُتقنه، ولا يُشغل نفسه بغيره، حذراً من الوقوع في الخبط والانتقال بين الكتب المؤدّي إلى التضييع وعدم الفلاح.
2- حفظ الدرس:
أن يعتني بحفظ درسه حفظاً محكماً، ثمّ يُكرره بعد حفظه تكراراً جيّداً، ثمّ يراجعه ويستذكره في أوقات يُقرّرها ويواظب عليها, ليرسخ رسوخاً متأكداً.
3- مراعاة الأهم:
أن يُرتِّب الأهم فالأهمّ في الحفظ الصحيح، والمطالعة ويُتقنها، وبعدها فليتأمّل بمحفوظاته ويُديم الفكر فيها، ويعتني بما يحصل فيها من الفوائد، ويُذاكر بها زملاءه.
4- تنظيم الوقت
أن يُقسِّم أوقات ليله ونهاره على ما يُحصّله من العلم، ويغتنم ما بقي من عمره، وأفضل الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الأبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة والمذاكرة الليل وما يبقى له من النهار.
وممّا قالوه، ودلّت عليه التجربة، أنّ حفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، والمكان البعيد أفضل من الأماكن الممتلئة بالملهيات كالأصوات، والخضرة، والنبات، والأنهار الجاريات، وقوارع الطرق التي تكثر فيها الحركات: لأنّها تمنع من خلو القلب.
* مع الإمام الخميني قدس سره:
قال الإمام قدس سره مرّة بشأن الحضور للدرس:
“إذا كان هدفكم من الحضور إلى هنا هو الدراسة، فالتزموا بالحضور في الوقت المحدّد لبدء الدرس، وأمّا إذا كان هدفكم الحصول على ثواب الجلوس في المسجد، فإنّه توجد مساجد أخرى لذلك“[1].
5- الإبكار في الدروس
أن يُبكِّر بدرسه، فقد ورد في الخبر: بورك لأمّتي في بُكورها. وفي خبر آخر: اغدوا في طلب العلم، فإنّي سألت ربّي أن يُبارك لأمّتي في بُكورها.
6- تقييد العلم بالكتابة
روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “قَيِّدوا العلم. وقيل: وما تقييدُه؟، قال: كتابته“[2].
وروي أنّ رجلاً من الأنصار كان يجلس إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فيسمع منه الحديث، فيُعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “استعن بيمينك، وأومأ بيده أي خطّ”[3].
7- مذاكرة الدرس وتكراره
ينبغي أن يُذاكر من يُرافقه في حلقة الدرس بما وقع فيه من الفوائد، والضوابط، والقواعد وغير ذلك، ويُعيدوا كلام الشيخ فيما بينهم، فإنّ في المذاكرة نفعاً عظيماً أهمّ من نفع الحفظ. وينبغي الإسراع بها بعد القيام من المجلس قبل تفرّق أذهانهم، وتشتّت خواطرهم، وشذوذ بعض ما سمعوه عن أفهامهم، ثمّ يتذاكرونه في بعض الأوقات، فلا شيء يتخرّج به الطالب في العلم مثل المذاكرة. فإن لم يجد الطالب من يُذاكره ذاكر نفسه بنفسه، وكرّر معنى ما سمعه ولفظه على قلبه, ليعلق ذلك بخاطره، فإنّ تكرار المعنى على القلب كتكرار اللفظ على الغير، وقلّ أن يُفلح من اعتمد واقتصر على الفكر والتعقُّل بحضور الدرس فقط، ثمّ يتركه ويقوم ولا يُراجعه ويُذاكره.
8- تحديد وقت المذاكرة
أن تكون المذاكرة المذكورة في غير مجلس الشيخ، أو فيه بعد انصرافه بحيث لا يسمع لهم صوتاً.
9- مساعدة إخوانه في الدرس:
قد يهتدي بعض الطلاب لمسألة ويفهمونها قبل غيرهم من زملائهم، فعليه، – إذا علم شيئاً من العلوم والكمال -، أن يُرشد رفقته ويُرغّبهم في الاجتماع،
والتذاكر، والدرس، ويُسّهل عليهم الأمور ولا يُهوّل عليهم أو يُخيفهم من الدرس، ويُرغّبهم بالدرس فيذكر لهم ما استفاده من الفوائد والقواعد.
فبإرشادهم يُبارك الله له في علمه، ويستنير قلبه، وتترسّخ المسائل عنده مع ما فيه من جزيل ثواب الله تعالى وجميل نظره وعطفه، ومَن بَخِل عليهم بشيء من ذلك كان بضدّ ما ذُكر، ولم يثبت علمه وإن ثبت لم يُثمر، ولم يبارك الله له فيه.
10- أن لا يحسد إخوانه:
على طالب العلم أن لا يحسد أحداً من إخوانه الطلّاب ولا يحتقره، ولا يفتخر عليه، ولا يعجب بأنّه أفهم من غيره وسابق لهم، فقد كان مثلهم ثمّ منّ الله تعالى عليه، فليحمد الله تعالى على ذلك ويستزيده منه بدوام الشكر، فإذا امتثل ذلك، وتكاملت أهليّته، واشتهرت فضيلته، ارتقى إلى ما بعده من المراتب.
الفصل الرابع: الإمام الخامنئي دام ظله يُجيب على مسائل الابتلاء
وجوب تعلم مسائل الابتلاء
يأثم المكلف فيما لو أدى عدم تعلّمه لمسائل الابتلاء إلى ترك الواجب أو فعل الحرام[4].
طرق تحصيل اليقين بأصول الدين:
يحصل اليقين غالباً بالبراهين والأدلة العقلية، غاية الأمر أنّ البرهان والدليل يختلفان حسب اختلاف مراتب إدراك المكلّفين، ولو فُرض أنّ اليقين حصل لشخص من طريق آخر، فإنّ ذلك يكفي على أيِّ حال[5].
حكم الكسل وإضاعة الوقت:
في تضييع الوقت بالبطالة إشكال، وإذا كان الطالب يستفيد من المزايا المخصّصة للطلبة، فإنّ عليه أن يُتابع المنهج الدراسي الخاصّ بهم، وإلّا فلا يجوز له الاستفادة من تلك المزايا من الراتب والمنحة وغيرها[6].
العلاقة بين المعلّم والمتعلِّم:
ليس للطالب المقابلة والإجابة بما لا يليق بمقام الأستاذ والمعلّم فيما إذا أخطأ المعلِّم مع الطالب، بل يجب عليه حفظ حرمة المعلّم والمحافظة على النظام في الصف[7].
تجب على المعلّم رعاية حرمة الطالب أمام زملائه، ومراعاة آداب التعليم الإسلاميّة[8].
المراكز التعليميّة المختلطة:
لا مانع من دخول المراكز التعليميّة المختلطة للتعليم والتعلُّم، ولكن يجب على النساء والبنات حفظ الحجاب، وعلى الرجال الامتناع عن النظر إلى ما لا يجوز لهم النظر إليه، وعن الاختلاط الموجب لخوف الفتنة والفساد[9].
التخصّصات العلمية:
كلُّ التخصّصات العلميّة المفيدة والتي يحتاجها المسلمون، ينبغي أن يهتمّ بها العلماء، والأساتذة، والطلبة الجامعيون, ليستغنوا بذلك عن الأجانب لا سيّما عن المُعادين للإسلام والمسلمين[10].
دراسة الفلسفة:
لا مانع من دراسة وتعلّم الفلسفة لمَن يطمئنّ من نفسه بأنّها لا تسبّب له تزلزلاً في معتقداته الدينية، بل هو واجب في بعض الموارد[11].
دراسة الطّب:
دراسة الطّب بهدف التأهيل لتقديم الخدمات الصحيّة للأمّة الإسلاميّة، وعلاج المرضى، وإنقاذ أرواحهم لها أهمّية كبرى أيضاً[12].
العقائد الفاسدة:
إذا لم يكن في تدريس بعض العقائد الفاسدة خوف على العقائد الدينيّة للدارسين، ولم يكن في الدراسة ترويج للباطل، فلا مانع منه[13].
كُتُب الضلال:
لا يجوز بيع وشراء وحفظ كُتُب الضلال إلّا من أجل الردّ عليها، بشرط أن يكون قادراً علمياً على ذلك[14].
مسألة: في جواز الإطّلاع على كُتُب الضلال، وكُتُب الديانات الأخرى, لغرض التعرُّف على دينهم وعقائدهم، للمعرفة وزيادة الإطّلاع إشكال[15].
القصص الخيالية:
لا بأس في تعليم وحكاية القصص الخياليّة عن حياة الحيوانات والناس، فيما إذا كانت هناك فائدة مترتّبة على ذلك، بشرط أن تكون خالية عن الكذب[16].
“اعلم وفقك الله تعالى أنّي قد أوضحت لك السبيل، وعلّمتك كيفيّة المسير، وبيّنت لك كمال الآداب، وحثثتك على دخول هذا الباب، فعليك بالجدّ والتشمير، واغتنام أيّام عمرك القصير في اقتناء الفضائل النفسانيّة، والحصول على الملكات العلميّة، فإنّها سبب لسعادتك المؤبّدة، وموجبة لكمال النعمة المخلّدة، فإنّها من كمالات نفسك الإنسانيّة، وهي باقية أبداً لا تُعدم،- كما تقرر في العلوم الحكمية -، ودلّت عليه الآيات القرآنية، والأخبار النبويّة، فتقصيرك في تحصيل الكمال في أيّام هذه المهلة القليلة موجب لدوام حسرتك الطويلة. واعتبر في نفسك الآن إن كنت ذا بصيرة، أنّك لا ترضى بالقصور عن أبناء نوعك من بلدك أو
محلتك، وتتألّم بزيادة علمهم على علمك، وارتفاع شأنهم على شأنك، مع أنّك وهُم في دار خسيسة، وعيشة دنيئة زائلة عما قليل، ولا يكاد يطّلع على نقصك من الخارجين عنك إلّا القليل، فكيف ترضى لنفسك إن كنت عاقلاً بأن تكون غداً في دار البقاء عند اجتماع جميع العوالم من الأنبياء والمرسلين، والشهداء، والصالحين، والعلماء الراسخين، والملائكة المقرّبين، ومنازلهم في تلك الدار على قدر كمالاتهم التي حصّولها في هذه الدار الفانية، والمدّة الزائلة في موقف صفّ النعال، وأنت الآن قادر على درك الكمال، ما هذا إلّا قصور في العقل أو سبات. نعوذ بالله من سنة الغفلة وسوء الزلّة.
وهذا كلُّه على تقدير سلامتك في تلك الدار من عظيم الأخطار وعذاب النار، وأنّى لك بالأمان من ذلك؟! وقد عرفت أن أكثر هذه العلوم واجب إمّا على الأعيان أو الكفاية، وأنّ الواجب الكفائي إذا لم يقم به من فيه كفاية يأثم الجميع بتركه، ويصير حكمه في ذلك كالواجب العيني.
واعتبر أيضاً أن امتيازك عن سائر جنسك من الحيوانات ليس “إلّا بهذه القوّة” العاقلة التي قد خصّك الله بها من بينها، المميّزة بين الخطأ
والصواب، والموجبة لتحصيل العلوم النافعة لك في هذه الدار وفي دار المآب، فقعودك عن استعمالها فيما خُلقت له، ومشاركتك سائر الحيوانات مثل الديدان، والخنافس، فإنّها تأكل، وتشرب، وتجمع القوت، وتتوالد، مع أنّك قادر على أن تصير من جملة الملائكة المقرّبين،- بل أعظم من الملائكة-، باستعمال قوّتك في العلم والعمل، وقعودك عين الخسران المبين.
فتنبّهوا معشر إخواني وأحبائي، – أيقظنا الله وإياكم من الغفلة -، واغتنموا أيّام المهلة، وتلافوا التفريط قبل زوال الإمكان، وفوت الأوان، والحصول في حَيِّزِ كان، فيالها حسرة لا يُتدارك فارطها، وندامة تخلد محنتها.
نبّهنا الله وإيّاكم من مراقد الطبيعة، وجعل ما بقي من أيّام هذه المهلة مصروفاً على علوم الشريعة، وأحلّنا جميعاً في دار كرامته بمنازلها الرفيعة، إنه أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين”.
[1] قبسات من سيرة الإمام الخميني في ميدان التعليم الحوزويّ والمرجعيّة، ص149.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص 151.
[3] م.ن، ج2، ص152.
[4] أجوبة الاستفتاءات الطبعة الثانية ج2، مسألة 229.
[5] م. ن، مسألة 231.
[6] أجوبة الاستفتاءات الطبعة الثانية ج2، مسألة 245.
[7] أجوبة الاستفتاءات الطبعة الثانية ج2، مسألة 245.
[8] م. ن، مسألة.245.
[9] م. ن، مسألة 238.
[10] م. ن، مسألة 241.
[11] م. ن، مسألة 235.
[12] أجوبة الإستفتاءات الطبعة الثانية ج2، مسألة 244.
[13] م. ن، مسألة 234.
[14] م. ن، مسألة 236.
[15] م. ن، مسألة 242.
[16] م. ن، مسألة 237.
[17] وهي من نص كلام الشيهد الثاني الشيخ زين الدين بن علي العاملي قدس الله نفسه الزكية، ختم بها كتابه الموسوم بكتاب “منية المريد في أدب المفيد والمستفيد”، ص391.
أدباً ثلاثون للمتعلّم 2017-02-28